[ ص: 275 ] ( فصل )
إن
nindex.php?page=treesubj&link=3787_3474فعل المحظور لعذر ففديته على التخيير كما ذكرناه ، وإن فعله لغير عذر : ففيه روايتان : إحداهما : أن فديته على التخيير أيضا كما ذكره الشيخ ؛ لأن كل كفارة وجبت على التخيير ، وسببها مباح وجبت على التخيير ، وإن كان محظورا كجزاء الصيد . وأيضا : فإن الكفارة جبر لما نقص من الإحرام بفعل المحرم ، والنقص لا يختلف بين أن يكون بسبب مباح ، أو محظور ، إلا أن في أحدهما : جائزا ، والآخر حراما ، فلو لم يكن كل واحد من الكفارات الثلاث جابرا لنقص الإحرام لما اكتفي به مع وجود غيره ؛ ولهذا كفارة اليمين تجب على التخيير سواء كان الحنث جائزا ، أو حراما .
وأيضا : فإن كون سبب الكفارة جائزا لا يوجب التخيير بدليل دم المتعة والقران هو على الترتيب وإن كان سببه جائزا ، فلما كانت هذه الكفارة على التخيير : علم أن ذلك ليس لجواز السبب ، بل لأنها جابرة لنقص الإحرام .
وأما الآية : فإنما لم يذكر فيها إلا المعذور : لأن الله بين جواز الحلق ، ووجوب الفدية - لأنه قد نهى قبل ذلك عن الحلق - وهذا الحكمان يختصان المعذور خاصة .
والرواية الثانية : أنه يلزمه الدم ولا يتخير ؛ لدلالة السياق عليه بين الخصال
[ ص: 276 ] الثلاثة . فإن عدم الدم فعليه الصدقة ، وإن لم يجد انتقل إلى الصيام ، نص عليه في رواية
ابن القاسم وسندي ، في المحرم يحلق رأسه من غير أذى ليس هو بمنزلة من يحلق من أذى ؛ إذا حلق رأسه من أذى فهو مخير في الفدية . ومثل هذا لا ينبغي أن يكون مخيرا . وهذا اختيار القاضي وأصحابه ؛ مثل
الشريف أبي جعفر وأبي الخطاب : ولم يذكروا في تعليقهم خلافا .
قال
ابن أبي موسى : وإن
nindex.php?page=treesubj&link=3438حلق رأسه لغير عذر فعليه الفدية وليس بمخير فيها فيلزمه دم . وإن تنور فعليه فدية على التخيير .
ففرق بين حلق الرأس والتنور ولعل ذلك لأن حلق الرأس نسك عند التحلل ، فإذا فعله قبل وقته فقد فعل محظورا وفوت نسكا في وقته ، ومن ترك شيئا من نسكه فعليه دم . بخلاف شعر البدن فإنه ليس في حلقه ترك نسك ؛ لأن الله سبحانه إنما ذكر التخيير في المريض ومن به أذى ، وذلك يقتضي أن غير المعذور بخلاف ذلك لوجوه ؛ أحدها : أن من حرف شرط والحكم المعلق بشرط عدم عند عدمه حتى عند أكثر نفاة المفهوم .
والحكم المذكور هنا : وجوب فدية على التخيير إذا حلق ، فلو كانت هذه
[ ص: 277 ] الفدية مشروعة في حال العذر وعدمه : لزم إبطال فائدة الشرط والتخصيص .
وقولهم : التخصيص لجواز الحلق وإباحته : يجاب عنه بأن الجواز ليس مذكورا في الآية ، وإنما المذكور وجوب الفدية ، وإنما الجواز يستفاد من سياق الكلام ، ولو كان الجواز مذكورا أيضا : فالشرط : شرط في جواز الحلق وفي الفدية المذكورة .
الثاني : المريض ومن به أذى معذور في استباحة المحظور . والمعذور يناسب حاله التخفيف عنه والترخيص له ، فجاز أن تكون التوسعة له في التخيير لأجل العذر ؛ لأن الحكم إذا علق بوصف مناسب : كان ذلك الوصف علة له . وإذا كان علة التوسعة هو العذر : لم يجز ثبوت الحكم بدون علته . يوضح هذا : أن الله بدأ بالأخف فالأخف من خصال الفدية ؛ قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) تنصيصا على أن أو للتخيير إذ وقع الابتداء بأدنى الخصال ، وغير المعذور بعيد من هذا ، ولهذا بدأ في آية الجزاء بأشد الخصال وهو المثل لما ذكر المعتمد .
الثالث : أن الله سماها فدية ، والفدية إنما تكون في الجائزات كفدية الصيام ، وهذا لأن الصائم والمحرم ممنوعان مما حرم عليهما محبوسان عنه كالرقيق والأسير الممنوع من التصرف ، فجوز الله لهما أن يفتديا أنفسهما عند الحاجة كما يفتدي الأسير والرقيق أنفسهما ، وكما تفتدي المرأة نفسها من زوجها .
ومعلوم أنه إذا لم يحتج إلى الحلق : لم يأذن الله له أن يفتدي نفسه ولا يفك رقبته من الإحرام فلا يكون الواجب عليه فدية .
والله سبحانه إنما ذكر التخيير تقسيما للفدية وتوسيعا في الافتداء : فلا يثبت هذا الحكم في غير الفدية ، وبهذا يظهر الفرق بين هذه الفدية وبين جزاء الصيد
[ ص: 278 ] وكفارة اليمين ؛ لأن الله ذكر التخيير في جزاء الصيد مع النص على أنه قتله متعمدا ، فكان التخيير في حق المخطئ أولى ، وذكر الترتيب والتخيير في كفارة اليمين مطلقا .
وأيضا : فإنها كفارة وجبت لفعل محظور فتعين فيها الدم ككفارة الوطء وتوابعه ، ومعلوم أن إلحاق المحظور بالمحظور : أولى من إلحاقه بجزاء الصيد ، ولأن الله أوجب الدم على المتمتع عينا حيث لم يكن به حاجة إلى التمتع بحله - مع جواز التمتع به ، فلأن يجب على من تمتع في الإحرام من غير حاجة مع تحريم الله أولى ، وعكسه المعذور ، ولأنها كفارة وجبت لجناية على الإحرام لا على وجه المعاوضة : فوجب الدم عينا كترك الواجبات ، وعكسه جزاء الصيد فإنه بدل لمتلف فهو مقدر بقدر مبدله ، وأبدال المتلفات لا يفرق فيها بين متلف ومتلف بخلاف الكفارات التي لخلل في العبادة كالوطء في رمضان ، والإحرام ، وترك واجبات الحج . فإن
nindex.php?page=treesubj&link=3474فعل المحظور ناسيا ، أو جاهلا بتحريمه ، أو مخطئا ، وأوجبنا عليه الكفارة فهو كمن فعل لغير عذر ؛ لأنه لم يأذن له الشرع في إتيانه ، وخطؤه : يصلح أن يكون مانعا من الإثم ، أما مخففا للكفارة فلا . وهذا بخلاف المعذور ، فإن الحلق صار في حقه مباحا جائزا ، ولم يصر في الحقيقة من محظورات الإحرام إلا بمعنى أن جنسه محظور ؛ كالأكل في رمضان للمسافر والمريض . ولهذا نوجب على من جامع ناسيا : الكفارة ، ولا نوجبها على من أبيح له الفطر .
[ ص: 275 ] ( فَصْلٌ )
إِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=3787_3474فَعَلَ الْمَحْظُورَ لِعُذْرٍ فَفِدْيَتُهُ عَلَى التَّخْيِيرِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَإِنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ : فَفِيهِ رِوَايَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : أَنَّ فِدْيَتَهُ عَلَى التَّخْيِيرِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ وَجَبَتْ عَلَى التَّخْيِيرِ ، وَسَبَبُهَا مُبَاحٌ وَجَبَتْ عَلَى التَّخْيِيرِ ، وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا كَجَزَاءِ الصَّيْدِ . وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ جَبْرٌ لِمَا نَقَصَ مِنَ الْإِحْرَامِ بِفِعْلِ الْمُحْرِمِ ، وَالنَّقْصُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ ، أَوْ مَحْظُورٍ ، إِلَّا أَنَّ فِي أَحَدِهِمَا : جَائِزًا ، وَالْآخَرِ حَرَامًا ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ جَابِرًا لِنَقْصِ الْإِحْرَامِ لَمَا اكْتُفِيَ بِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ ؛ وَلِهَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ تَجِبُ عَلَى التَّخْيِيرِ سَوَاءٌ كَانَ الْحِنْثُ جَائِزًا ، أَوْ حَرَامًا .
وَأَيْضًا : فَإِنَّ كَوْنَ سَبَبِ الْكَفَّارَةِ جَائِزًا لَا يُوجِبُ التَّخْيِيرَ بِدَلِيلِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ هُوَ عَلَى التَّرْتِيبِ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ جَائِزًا ، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى التَّخْيِيرِ : عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِجَوَازِ السَّبَبِ ، بَلْ لِأَنَّهَا جَابِرَةٌ لِنَقْصِ الْإِحْرَامِ .
وَأَمَّا الْآيَةُ : فَإِنَّمَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا إِلَّا الْمَعْذُورُ : لِأَنَّ اللَّهَ بَيَّنَ جَوَازَ الْحَلْقِ ، وَوُجُوبَ الْفِدْيَةِ - لِأَنَّهُ قَدْ نَهَى قَبْلَ ذَلِكَ عَنِ الْحَلْقِ - وَهَذَا الْحُكْمَانِ يَخْتَصَّانِ الْمَعْذُورَ خَاصَّةً .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَلَا يَتَخَيَّرُ ؛ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخِصَالِ
[ ص: 276 ] الثَّلَاثَةِ . فَإِنْ عَدِمَ الدَّمَ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ انْتَقَلَ إِلَى الصِّيَامِ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ
ابْنِ الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٍّ ، فِي الْمُحْرِمِ يَحْلِقُ رَأْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَذًى لَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَحْلِقُ مِنْ أَذًى ؛ إِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ مِنْ أَذًى فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْفِدْيَةِ . وَمِثْلُ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا . وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ ؛ مِثْلِ
الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي الْخَطَّابِ : وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي تَعْلِيقِهِمْ خِلَافًا .
قَالَ
ابْنُ أَبِي مُوسَى : وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=3438حَلَقَ رَأْسَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَلَيْسَ بِمُخَيَّرٍ فِيهَا فَيَلْزَمُهُ دَمٌ . وَإِنْ تَنَوَّرَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ عَلَى التَّخْيِيرِ .
فَفَرْقٌ بَيْنَ حَلْقِ الرَّأْسِ وَالتَّنَوُّرِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّ حَلْقَ الرَّأْسِ نُسُكٌ عِنْدَ التَّحَلُّلِ ، فَإِذَا فَعَلَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ فَقَدْ فَعَلَ مَحْظُورًا وَفَوَّتَ نُسُكًا فِي وَقْتِهِ ، وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ نُسُكِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ . بِخِلَافِ شَعْرِ الْبَدَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي حَلْقِهِ تَرْكُ نُسُكٍ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا ذَكَرَ التَّخْيِيرَ فِي الْمَرِيضِ وَمَنْ بِهِ أَذًى ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْمَعْذُورِ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِوُجُوهٍ ؛ أَحَدُهَا : أَنَّ مَنْ حَرْفُ شَرْطٍ وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ عُدِمَ عِنْدَ عَدَمِهِ حَتَّى عِنْدَ أَكْثَرِ نُفَاةِ الْمَفْهُومِ .
وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ هُنَا : وُجُوبُ فِدْيَةٍ عَلَى التَّخْيِيرِ إِذَا حَلَقَ ، فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ
[ ص: 277 ] الْفِدْيَةُ مَشْرُوعَةً فِي حَالِ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ : لَزِمَ إِبْطَالُ فَائِدَةِ الشَّرْطِ وَالتَّخْصِيصِ .
وَقَوْلُهُمُ : التَّخْصِيصُ لِجَوَازِ الْحَلْقِ وَإِبَاحَتِهِ : يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْجَوَازَ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي الْآيَةِ ، وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ ، وَإِنَّمَا الْجَوَازُ يُسْتَفَادُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ ، وَلَوْ كَانَ الْجَوَازُ مَذْكُورًا أَيْضًا : فَالشَّرْطُ : شَرْطٌ فِي جَوَازِ الْحَلْقِ وَفِي الْفِدْيَةِ الْمَذْكُورَةِ .
الثَّانِي : الْمَرِيضُ وَمَنْ بِهِ أَذًى مَعْذُورٌ فِي اسْتِبَاحَةِ الْمَحْظُورِ . وَالْمَعْذُورُ يُنَاسِبُ حَالُهُ التَّخْفِيفَ عَنْهُ وَالتَّرْخِيصَ لَهُ ، فَجَازَ أَنْ تَكُونَ التَّوْسِعَةُ لَهُ فِي التَّخْيِيرِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا عُلِّقَ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ : كَانَ ذَلِكَ الْوَصْفُ عِلَّةً لَهُ . وَإِذَا كَانَ عِلَّةُ التَّوْسِعَةِ هُوَ الْعُذْرَ : لَمْ يَجُزْ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِدُونِ عِلَّتِهِ . يُوَضِّحُ هَذَا : أَنَّ اللَّهَ بَدَأَ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ مِنْ خِصَالِ الْفِدْيَةِ ؛ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) تَنْصِيصًا عَلَى أَنَّ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ إِذْ وَقَعَ الِابْتِدَاءُ بِأَدْنَى الْخِصَالِ ، وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ بَعِيدٌ مِنْ هَذَا ، وَلِهَذَا بَدَأَ فِي آيَةِ الْجَزَاءِ بِأَشَدِّ الْخِصَالِ وَهُوَ الْمِثْلُ لَمَّا ذَكَرَ الْمُعْتَمَدَ .
الثَّالِثُ : أَنَّ اللَّهَ سَمَّاهَا فِدْيَةً ، وَالْفِدْيَةُ إِنَّمَا تَكُونُ فِي الْجَائِزَاتِ كَفِدْيَةِ الصِّيَامِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّائِمَ وَالْمُحْرِمَ مَمْنُوعَانِ مِمَّا حَرُمَ عَلَيْهِمَا مَحْبُوسَانِ عَنْهُ كَالرَّقِيقِ وَالْأَسِيرِ الْمَمْنُوعِ مِنَ التَّصَرُّفِ ، فَجَوَّزَ اللَّهُ لَهُمَا أَنْ يَفْتَدِيَا أَنْفُسَهُمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ كَمَا يَفْتَدِي الْأَسِيرُ وَالرَّقِيقُ أَنْفُسَهُمَا ، وَكَمَا تَفْتَدِي الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْحَلْقِ : لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَفْتَدِيَ نَفْسَهُ وَلَا يَفُكَّ رَقَبَتَهُ مِنَ الْإِحْرَامِ فَلَا يَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِدْيَةً .
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا ذَكَرَ التَّخْيِيرَ تَقْسِيمًا لِلْفِدْيَةِ وَتَوْسِيعًا فِي الِافْتِدَاءِ : فَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْفِدْيَةِ ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْفِدْيَةِ وَبَيْنَ جَزَاءِ الصَّيْدِ
[ ص: 278 ] وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ التَّخْيِيرَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ مَعَ النَّصِّ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا ، فَكَانَ التَّخْيِيرُ فِي حَقِّ الْمُخْطِئِ أَوْلَى ، وَذَكَرَ التَّرْتِيبَ وَالتَّخْيِيرَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُطْلَقًا .
وَأَيْضًا : فَإِنَّهَا كَفَّارَةٌ وَجَبَتْ لِفِعْلِ مَحْظُورٍ فَتَعَيَّنَ فِيهَا الدَّمُ كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ وَتَوَابِعِهِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِلْحَاقَ الْمَحْظُورِ بِالْمَحْظُورِ : أَوْلَى مِنْ إِلْحَاقِهِ بِجَزَاءِ الصَّيْدِ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ الدَّمَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ عَيْنًا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى التَّمَتُّعِ بِحِلِّهِ - مَعَ جَوَازِ التَّمَتُّعِ بِهِ ، فَلَأَنْ يَجِبَ عَلَى مَنْ تَمَتَّعَ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مَعَ تَحْرِيمِ اللَّهِ أَوْلَى ، وَعَكْسُهُ الْمَعْذُورُ ، وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَجَبَتْ لِجِنَايَةٍ عَلَى الْإِحْرَامِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ : فَوَجَبَ الدَّمُ عَيْنًا كَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ ، وَعَكْسُهُ جَزَاءُ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ بَدَلٌ لِمُتْلَفٍ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ مُبْدَلِهِ ، وَأَبْدَالُ الْمُتْلَفَاتِ لَا يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ مُتْلَفٍ وَمُتْلَفٍ بِخِلَافِ الْكَفَّارَاتِ الَّتِي لِخَلَلٍ فِي الْعِبَادَةِ كَالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ ، وَالْإِحْرَامِ ، وَتَرْكِ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ . فَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=3474فَعَلَ الْمَحْظُورَ نَاسِيًا ، أَوْ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ ، أَوْ مُخْطِئًا ، وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ فَهُوَ كَمَنْ فَعَلَ لِغَيْرِ عُذْرٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الشَّرْعُ فِي إِتْيَانِهِ ، وَخَطَؤُهُ : يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنَ الْإِثْمِ ، أَمَّا مُخَفِّفًا لِلْكَفَّارَةِ فَلَا . وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَعْذُورِ ، فَإِنَّ الْحَلْقَ صَارَ فِي حَقِّهِ مُبَاحًا جَائِزًا ، وَلَمْ يَصِرْ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إِلَّا بِمَعْنَى أَنَّ جِنْسَهُ مَحْظُورٌ ؛ كَالْأَكْلِ فِي رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ . وَلِهَذَا نُوجِبُ عَلَى مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا : الْكَفَّارَةَ ، وَلَا نُوجِبُهَا عَلَى مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ .