( فصل )
وأما من ساق الهدي ففيه ثلاث روايات ; إحداهن : لا ينحر هديه ، ولا يحل من إحرامه بتقصير ولا غيره إلى يوم النحر سواء قدم من
مكة في العشر أو قبله ، قال - في رواية -
حنبل : إذا قدم في أشهر الحج وقد ساق الهدي لا يحل حتى ينحره ، والعشر أوكد إذا قدم في العشر لم يحل ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم في العشر ولم يحل .
وهذه الرواية هي المشهورة عند أصحابنا فيمنع من الإحلال والنحر سواء كان مفردا للحج ، أو متمتعا ، أو قارنا ، وهذا مما استفاض عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد تقدم ذكر ذلك في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015625تمتع رسول الله [ ص: 469 ] - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج ، وتمتع الناس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى ، فساق الهدي ، ومنهم من لم يهد ، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ، وليقصر وليحلل ، ثم ليهل بالحج ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، وذكر الحديث إلى أن قال : ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر " متفق عليه .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015626خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج ، فقدمنا مكة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أحرم بعمرة ولم يهد فليحل ، ومن أحرم بعمرة فأهدى فلا يحل حتى يحل نحر هديه ، ومن أهل بالحج فليتم حجه " متفق عليه .
وقد تقدمت الأحاديث عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وجابر ،
والبراء ، وغيرهم
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015627أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر جميع أصحابه أن يحلوا إلا من ساق الهدي .
وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015628أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعمرة ، وأهل أصحابه بحج فلم يحل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا من ساق الهدي من أصحابه ، وحل بقيتهم ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله فيمن ساق الهدي فلم يحل " رواه
مسلم .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015629من كان معه هدي فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدي فليحل ، ولم يكن معي هدي فحللت ، وكان مع الزبير هدي فلم يحل " رواه
مسلم .
[ ص: 470 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=16015630وعن أبي موسى : " أنه أهل بإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : فقدمت عليه ، فقال : هل سقت من هدي ؟ قلت : لا ، قال : فطف بالبيت وبالصفا والمروة " .
وكان
علي قد أهل بإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - وساق الهدي فلم يحل ، وقد تقدم ذلك .
فهذه الأحاديث : نصوص في أن من ساق الهدي لا يحل إلى يوم النحر سواء كان متمتعا ، أو مفردا أو قارنا ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - منع كل من ساق الهدي من الإحلال ، وقد كان فيهم المتمتع والمفرد والقارن ولم يستثن المتمتع ، ولو جاز الحل للمتمتع لوجب استثناؤه وبيان ذلك ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=21343تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ; ولأنه جعل سوق الهدي هو المانع من الإحلال ولم يعلق المنع بغيره ، فعلم أنه مانع في حق المتمتع كما أنه مانع من الفسخ في حق المفرد والقارن ، إذ لو كان هناك مانع آخر لبينه ، ولأن كل من جاز له الفسخ سواء كان خاصا في حق الصحابة أو عاما للمسلمين إلى يوم القيامة بمنزلة المتمتع في جواز الإحلال ، فلما منع أصحاب الهدي من الإحلال علم أن سوق الهدي مانع من الإحلال حيث يجوز الحل لغير السائق .
ولأن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة نص خاص في المتمتع إذا ساق الهدي لا يحل حتى ينحر هديه ويقضي حجته .
وأيضا : فإن الله سبحانه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ) والحلق : هو أول التحلل بمنزلة السلام من الصلاة ، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015631إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر " وقال لأصحابه : " من ساق الهدي فلا يحل إلى يوم النحر " فعلم أن الإحلال والنحر لا يكون إلى يوم النحر ، فعلم أنه لا يجوز الإحلال حتى يحل نحر الهدي ، ولا يحل نحر الهدي إلى يوم النحر كما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وذلك لأن
[ ص: 471 ] نحر الهدي من أسباب التحلل ، وتقليده له وسوقه بمنزلة الإحرام للرجل ، ونحره بمنزلة الإحلال للرجل ; ولهذا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=33ثم محلها إلى البيت العتيق ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25والهدي معكوفا أن يبلغ محله ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196حتى يبلغ الهدي محله ) والمحل : مشتق من الحل ، وذاك بإزاء الحرم ، فعلم أنه ذو حرم ، وإنما ينقضي الإحرام يوم النحر; لأن المتمتع إنما يتم نسكه بالحج .
والرواية الثانية : أن سائق الهدي يحل ليقصر من شعر رأسه إن شاء ، فأما غير ذلك من محظورات الإحرام فلا ، قال - في رواية
أبي طالب - في الذي يعتمر قارنا أو متمتعا ومعه الهدي : قصر من شعرك ولا تمس شاربك ولا أظفارك ولا لحيتك كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن شاء لم يفعل وإن شاء أخذ من شعر رأسه وهو حرام .
فقد بين أنه يحل من التقصير فقط ، ولا يحل من جميع المحظورات كما يحل الحاج إذا رمى من بعض المحظورات ; وذلك لما روى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=16015632عن nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان قال : " قصرت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمشقص " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ورواه
مسلم nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015633قال لي معاوية : إني قصرت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند المروة بمشقص ، فقلت له : لا أعلم هذه إلا حجة عليك " .
[ ص: 472 ] وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015634تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى مات ، وأبو بكر حتى مات ، وعمر حتى مات ، وعثمان حتى مات ، وكان أول من نهى عنها معاوية ، قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : فعجبت منه ، وقد حدثني أنه قصر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمشقص " رواه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وقال : حديث حسن وفيه
ليث بن سليم .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=7246قيس بن سعد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن
معاوية قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015635أخذت من أطراف شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمشقص كان معي بعدما طاف بالبيت وبالصفا والمروة في أيام العشر ، قال قيس : والناس ينكرون هذا على معاوية " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، وروى
أحمد نحوه .
وأيضا : فإن قضاء العمرة يقتضي الإحلال ، وسوق الهدي يقتضي بقاء الإحرام ، فحل بالتقصير خاصة توفية لحق العمرة ولتتميز عن الحج ، وبقي على إحرامه من سائر المحظورات لأجل سوق الهدي ، لا سيما والتقصير متردد بين النسك المحض وبين استباحة المحظورات .
والرواية الثالثة : إن قدم في العشر لم ينحر ولم يحل ، وإن قدم قبل العشر نحر
[ ص: 473 ] وحل إن شاء ، ثم هل يحل في العشر بالتقصير ؟ مبني على ما سبق ; لكن المنصوص عنه أنه يحل به ، قال - في رواية
يوسف بن موسى وحرب - فيمن
nindex.php?page=treesubj&link=25523_23862قدم متمتعا وساق الهدي : فإن قدم في شوال نحر الهدي وحل وعليه هدي آخر ، وإذا قدم في العشر أقام على إحرامه ولم يحل ، فقيل له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015636معاوية يقول : قصرت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمشقص ؟ فقال : إنما حل بمقدار التقصير ويرجع حراما مكانه .
وقال - في رواية
أبي طالب - : إذا كان قبل العشر نحر ولا يضيع ، لا يموت ، لا يسرق ، وهذا هو الذي ذكره القاضي في المجرد من غير خلاف ، قال : لأن له قبل العشر أن ينحر الهدي ويبقى بلا هدي ، وفي العشر ليس له أن ينحر الهدي فلا يتحلل ، وعامة أصحابنا على أنه ممنوع من الإحلال إذا قدم في العشر رواية واحدة ، وقال القاضي - في خلافه - : هذه الرواية تقتضي أن سوق الهدي لا يمنع التحلل عنده ، وإنما استحب له المقام على إحرامه إذا دخل في العشر ; لأنه لا يطول تلبسه بالإحرام ، وإذا دخل قبل العشر طال تلبسه فلا يأمن مواقعة المحظور .
والطريقة المشهورة ، هي الصواب .
ووجه ذلك : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إنما قدموا في العشر ، ومنعهم
[ ص: 474 ] من الإحلال لأجل سوق الهدي ، فثبت الحكم في مثل ذلك ، ومن قدم قبل العشر لا يشبه ذلك ; لأن المدة تطول فيخاف أن يموت الهدي ، أو يضل ، أو يسرق ; ولأن
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015637النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى المضحي إذا دخل العشر أن يأخذ من شعره أو بشره ، فالمتمتع الذي معه الهدي أولى أن لا يأخذ من شعره وبشره ، وما قبل العشر ليس بوقت لمنع المضحي ، فجاز أن لا يكون وقتا لمنع المهدى .
ولأن العشر من أول أوقات النسك وفيها تضاعف الأعمال الصالحة ، وشرع التكبير الذي هو شعار العيد ، وهي الأيام المعلومات التي يذكر الله فيها على ما رزق من بهيمة الأنعام ، ولها خصائص كثيرة ، فجاز أن يؤخر النحر والحل فيها إلى يوم النحر بخلاف ما قبلها .
وعلى هذه الرواية ينحر الهدي قبل العشر ، وعليه هدي آخر نص عليه ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=23862دم المتعة لا ينحر إلا يوم النحر ، وإنما فائدة النحر جواز إحلاله من العمرة .
ومن أصحابنا من يحكي رواية : أنه يجزئه ذلك عن هدي المتعة ، وعلى هذه الرواية : لو
nindex.php?page=treesubj&link=3757_3764_23862كان مفردا أو قارنا فهل ينحر الهدي قبل العشر ؟ وهل له أن يتحلل ؟
والرواية الأولى : اختيار أصحابنا لما ذكرنا من الأحاديث الصريحة بذلك .
وهم وإن قدموا في العشر لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - علل بعلة عامة
[ ص: 475 ] فقال : ... ، ولأنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015638قال لأصحابه : " من كان أهدى فلا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه " وهذا نهي عن التحلل بالتقصير وغيره ; فإنه نكرة في سياق النفي فكيف يجوز ؟ !
وأمر الذين لم يسوقوا الهدي أن يتحللوا بالتقصير ، فكيف يجوز أن يسوي بينهم - في التقصير - بعد إذنه فيه لمن لم يسق الهدي دون من ساق ؟ وقال عن نفسه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015639لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله " وهذا نص في اجتنابه كل المحرمات من التقصير وغيره .
ثم هم إنما أنكروا أنه أمرهم بالتقصير ولم يقصر ، فلو كان قد قصر زال هذا ، ثم هو - صلى الله عليه وسلم - قد خطبهم بهذا وأمرهم به - وهو على
المروة - والناس حوله ، فلو كان قد قصر من شعر رأسه لم يخف ذلك على أصحابه في مثل ذلك المشهد العظيم ، وكيف يقصر ولم يأمر غيره ممن ساق الهدي بالتقصير ؟ !
ومن تأمل أحاديث حجة الوداع وأحوالها كان كالجازم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحل بشيء من الأشياء .
فأما حديث
معاوية فحديث شاذ ، وقد طعن الناس فيه قديما وحديثا كما أخبر قيس : فإنهم أنكروا أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر .
ويشبه - والله أعلم - أن يكون أصله أن
معاوية قصر من رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمرة
الجعرانة ، فإنه في عمرة القضية لم يكن أسلم بعد .
والرواية الصحيحة المتصلة إنما فيها أنه قصر من رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - على
المروة بمشقص ، وكانت عمرة
الجعرانة ليلا ، فانفرد
معاوية بعلم هذا .
[ ص: 476 ] أما حجة الوداع فكان وقوفه على
المروة ضحى ، والناس كلهم حوله ، ومثل هذا لا يجوز أن ينفرد بروايته الواحد ، وكانت
الجعرانة في ذي القعدة .
وأما الرواية التي فيها : أنه قصر من رأسه في العشر فرواية منقطعة ; لأن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء لم يسمع من
معاوية ، ومراسيله ضعاف ، ويشبه أن يكون الراوي لما سمع
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015640عن معاوية أنه قصر من رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - بمشقص اعتقد أنه في حجته ، وقد علم أن دخوله
مكة كان في العشر فحمل هذا على هذا .
يوضح هذا أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس احتج على
معاوية بروايته هذه في جواز
nindex.php?page=treesubj&link=3955العمرة في أشهر الحج ، وهم قد كانوا يسمون كل معتمر في أشهر الحج متمتعا ، وإن لم يحج من عامه ، ولهذا سئل
سعد عن المتعة قال : فعلناها وهذا كان كافرا بالعرش - يعني
معاوية - ،
ومعاوية قد كان مسلما قبل حجة الوداع ، وإنما أراد فعلنا العمرة في
[ ص: 477 ] أشهر الحج قبل أن يسلم
معاوية ، يعني عمرة القضية ، فكيف ينهى عن العمرة في أشهر الحج ؟ !
( فَصْلٌ )
وَأَمَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ ; إِحْدَاهُنَّ : لَا يَنْحَرُ هَدْيَهُ ، وَلَا يَحِلُّ مِنْ إِحْرَامِهِ بِتَقْصِيرٍ وَلَا غَيْرِهِ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ سَوَاءٌ قَدِمَ مِنْ
مَكَّةَ فِي الْعَشْرِ أَوْ قَبْلَهُ ، قَالَ - فِي رِوَايَةِ -
حَنْبَلٍ : إِذَا قَدِمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَدْ سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَهُ ، وَالْعَشْرُ أَوْكَدُ إِذَا قَدِمَ فِي الْعَشْرِ لَمْ يَحِلَّ ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ فِي الْعَشْرِ وَلَمْ يَحِلَّ .
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فَيُمْنَعُ مِنَ الْإِحْلَالِ وَالنَّحْرِ سَوَاءٌ كَانَ مُفْرِدًا لِلْحَجِّ ، أَوْ مُتَمَتِّعًا ، أَوْ قَارِنًا ، وَهَذَا مِمَّا اسْتَفَاضَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=25وَعَائِشَةَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015625تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ [ ص: 469 ] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ ، وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى ، فَسَاقَ الْهَدْيَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ ، ثُمَّ لْيُهِلَّ بِالْحَجِّ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ : ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءِ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ قَالَتْ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015626خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيَحِلَّ ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَأَهْدَى فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ نَحْرُ هَدْيِهِ ، وَمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَحَادِيثُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَجَابِرٍ ،
وَالْبَرَاءِ ، وَغَيْرِهِمْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015627أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ جَمِيعَ أَصْحَابِهِ أَنْ يُحِلُّوا إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ .
وَفِي رِوَايَةٍ
nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015628أَهَلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُمْرَةٍ ، وَأَهَلَّ أَصْحَابُهُ بِحَجٍّ فَلَمْ يَحِلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَحَلَّ بَقِيَّتُهُمْ ، وَكَانَ nindex.php?page=showalam&ids=55طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فِيمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلَمْ يَحِلَّ " رَوَاهُ
مُسْلِمٌ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=64أَسْمَاءَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015629مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَقُمْ عَلَى إِحْرَامِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ ، وَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فَحَلَلْتُ ، وَكَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يَحِلَّ " رَوَاهُ
مُسْلِمٌ .
[ ص: 470 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=16015630وَعَنْ أَبِي مُوسَى : " أَنَّهُ أَهَلَّ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ ؟ قُلْتُ : لَا ، قَالَ : فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ " .
وَكَانَ
عَلِيٌّ قَدْ أَهَلَّ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَاقَ الْهَدْيَ فَلَمْ يَحِلَّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ .
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ : نُصُوصٌ فِي أَنَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَحِلُّ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَمَتِّعًا ، أَوْ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ كُلَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِنَ الْإِحْلَالِ ، وَقَدْ كَانَ فِيهِمُ الْمُتَمَتِّعُ وَالْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْمُتَمَتِّعَ ، وَلَوْ جَازَ الْحِلُّ لِلْمُتَمَتِّعِ لَوَجَبَ اسْتِثْنَاؤُهُ وَبَيَانُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21343تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ ; وَلِأَنَّهُ جَعَلَ سَوْقَ الْهَدْيِ هُوَ الْمَانِعَ مِنَ الْإِحْلَالِ وَلَمْ يُعَلِّقِ الْمَنْعَ بِغَيْرِهِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ مَانِعٌ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ كَمَا أَنَّهُ مَانِعٌ مِنَ الْفَسْخِ فِي حَقِّ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ ، إِذْ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ آخَرُ لَبَيَّنَهُ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَهُ الْفَسْخُ سَوَاءٌ كَانَ خَاصًّا فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ أَوْ عَامًّا لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَمَتِّعِ فِي جَوَازِ الْإِحْلَالِ ، فَلَمَّا مُنِعَ أَصْحَابُ الْهَدْيِ مِنَ الْإِحْلَالِ عُلِمَ أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ مَانِعٌ مِنَ الْإِحْلَالِ حَيْثُ يَجُوزُ الْحِلُّ لِغَيْرِ السَّائِقِ .
وَلِأَنَّ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ نَصٌّ خَاصٌّ فِي الْمُتَمَتِّعِ إِذَا سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَيَقْضِيَ حَجَّتَهُ .
وَأَيْضًا : فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) وَالْحَلْقُ : هُوَ أَوَّلُ التَّحَلُّلِ بِمَنْزِلَةِ السَّلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015631إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أُحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ " وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : " مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلَا يُحِلُّ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ " فَعُلِمَ أَنَّ الْإِحْلَالَ وَالنَّحْرَ لَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِحْلَالُ حَتَّى يَحِلَّ نَحْرُ الْهَدْيِ ، وَلَا يَحِلُّ نَحْرُ الْهَدْيِ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ كَمَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; وَذَلِكَ لِأَنَّ
[ ص: 471 ] نَحْرَ الْهَدْيِ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ ، وَتَقْلِيدُهُ لَهُ وَسَوْقُهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِحْرَامِ لِلرَّجُلِ ، وَنَحْرُهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِحْلَالِ لِلرَّجُلِ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=33ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) وَالْمَحِلُّ : مُشْتَقٌّ مِنَ الْحِلِّ ، وَذَاكَ بِإِزَاءِ الْحَرَمِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ ذُو حَرَمٍ ، وَإِنَّمَا يَنْقَضِي الْإِحْرَامُ يَوْمَ النَّحْرِ; لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إِنَّمَا يُتِمُّ نُسُكَهُ بِالْحَجِّ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّ سَائِقَ الْهَدْيِ يُحِلُّ لِيُقَصِّرَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ إِنْ شَاءَ ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَلَا ، قَالَ - فِي رِوَايَةِ
أَبِي طَالِبٍ - فِي الَّذِي يَعْتَمِرُ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا وَمَعَهُ الْهَدْيُ : قَصِّرْ مِنْ شَعْرِكَ وَلَا تَمَسَّ شَارِبَكَ وَلَا أَظْفَارَكَ وَلَا لِحْيَتَكَ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَهُوَ حَرَامٌ .
فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ يَحِلُّ مِنَ التَّقْصِيرِ فَقَطْ ، وَلَا يَحِلُّ مِنْ جَمِيعِ الْمَحْظُورَاتِ كَمَا يَحِلُّ الْحَاجُّ إِذَا رَمَى مِنْ بَعْضِ الْمَحْظُورَاتِ ; وَذَلِكَ لِمَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=16015632عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ : " قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِشْقَصٍ " رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ ، وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ nindex.php?page=showalam&ids=11998وَأَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015633قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ : إِنِّي قَصَّرْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ ، فَقُلْتُ لَهُ : لَا أَعْلَمُ هَذِهِ إِلَّا حُجَّةً عَلَيْكَ " .
[ ص: 472 ] وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015634تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى مَاتَ ، وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى مَاتَ ، وَعُمَرُ حَتَّى مَاتَ ، وَعُثْمَانُ حَتَّى مَاتَ ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ نَهَى عَنْهَا مُعَاوِيَةُ ، قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : فَعَجِبْتُ مِنْهُ ، وَقَدْ حَدَّثَنِي أَنَّهُ قَصَّرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِشْقَصٍ " رَوَاهُ
أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِيهِ
لَيْثُ بْنُ سُلَيْمٍ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=7246قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٍ عَنْ
مُعَاوِيَةَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015635أَخَذْتُ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِشْقَصٍ كَانَ مَعِي بَعْدَمَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ ، قَالَ قَيْسٌ : وَالنَّاسُ يُنْكِرُونَ هَذَا عَلَى مُعَاوِيَةَ " رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيُّ ، وَرَوَى
أَحْمَدُ نَحْوَهُ .
وَأَيْضًا : فَإِنَّ قَضَاءَ الْعُمْرَةِ يَقْتَضِي الْإِحْلَالَ ، وَسَوْقَ الْهَدْيِ يَقْتَضِي بَقَاءَ الْإِحْرَامِ ، فَحَلَّ بِالتَّقْصِيرِ خَاصَّةً تَوْفِيَةً لِحَقِّ الْعُمْرَةِ وَلِتَتَمَيَّزَ عَنِ الْحَجِّ ، وَبَقِيَ عَلَى إِحْرَامِهِ مِنْ سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ لِأَجْلِ سَوْقِ الْهَدْيِ ، لَا سِيَّمَا وَالتَّقْصِيرُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النُّسُكِ الْمَحْضِ وَبَيْنَ اسْتِبَاحَةِ الْمَحْظُورَاتِ .
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ : إِنْ قَدِمَ فِي الْعَشْرِ لَمْ يَنْحَرْ وَلَمْ يَحِلَّ ، وَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ نَحَرَ
[ ص: 473 ] وَحَلَّ إِنْ شَاءَ ، ثُمَّ هَلْ يَحِلُّ فِي الْعَشْرِ بِالتَّقْصِيرِ ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ ; لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْهُ أَنَّهُ يَحِلُّ بِهِ ، قَالَ - فِي رِوَايَةِ
يُوسُفَ بْنِ مُوسَى وَحَرْبٍ - فِيمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=25523_23862قَدِمَ مُتَمَتِّعًا وَسَاقَ الْهَدْيَ : فَإِنْ قَدِمَ فِي شَوَّالٍ نَحَرَ الْهَدْيَ وَحَلَّ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ ، وَإِذَا قَدِمَ فِي الْعَشْرِ أَقَامَ عَلَى إِحْرَامِهِ وَلَمْ يَحِلَّ ، فَقِيلَ لَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015636مُعَاوِيَةُ يَقُولُ : قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِشْقَصٍ ؟ فَقَالَ : إِنَّمَا حَلَّ بِمِقْدَارِ التَّقْصِيرِ وَيَرْجِعُ حَرَامًا مَكَانَهُ .
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ
أَبِي طَالِبٍ - : إِذَا كَانَ قَبْلَ الْعَشْرِ نَحْرٌ وَلَا يَضِيعُ ، لَا يَمُوتُ ، لَا يُسْرَقُ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ ، قَالَ : لِأَنَّ لَهُ قَبْلَ الْعَشْرِ أَنْ يَنْحَرَ الْهَدْيَ وَيَبْقَى بِلَا هَدْيٍ ، وَفِي الْعَشْرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْحَرَ الْهَدْيَ فَلَا يَتَحَلَّلُ ، وَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الْإِحْلَالِ إِذَا قَدِمَ فِي الْعَشْرِ رِوَايَةً وَاحِدَةً ، وَقَالَ الْقَاضِي - فِي خِلَافِهِ - : هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَقْتَضِي أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ لَا يَمْنَعُ التَّحَلُّلَ عِنْدَهُ ، وَإِنَّمَا اسْتُحِبَّ لَهُ الْمُقَامُ عَلَى إِحْرَامِهِ إِذَا دَخَلَ فِي الْعَشْرِ ; لِأَنَّهُ لَا يَطُولُ تَلَبُّسُهُ بِالْإِحْرَامِ ، وَإِذَا دَخَلَ قَبْلَ الْعَشْرِ طَالَ تَلَبُّسُهُ فَلَا يَأْمَنُ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ .
وَالطَّرِيقَةُ الْمَشْهُورَةُ ، هِيَ الصَّوَابُ .
وَوَجْهُ ذَلِكَ : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ إِنَّمَا قَدِمُوا فِي الْعَشْرِ ، وَمَنَعَهُمْ
[ ص: 474 ] مِنَ الْإِحْلَالِ لِأَجْلِ سَوْقِ الْهَدْيِ ، فَثَبَتَ الْحُكْمُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ، وَمَنْ قَدِمَ قَبْلَ الْعَشْرِ لَا يُشْبِهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمُدَّةَ تَطُولُ فَيُخَافُ أَنْ يَمُوتَ الْهَدْيُ ، أَوْ يَضِلَّ ، أَوْ يُسْرَقَ ; وَلِأَنَّ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015637النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى الْمُضَحِّيَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ شَعْرِهِ أَوْ بَشَرِهِ ، فَالْمُتَمَتِّعُ الَّذِي مَعَهُ الْهَدْيُ أَوْلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ وَبَشَرَهِ ، وَمَا قَبْلَ الْعَشْرِ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِمَنْعِ الْمُضَحِّي ، فَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ وَقْتًا لِمَنْعِ الْمُهْدَى .
وَلِأَنَّ الْعَشْرَ مِنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ النُّسُكِ وَفِيهَا تُضَاعَفُ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ ، وَشُرِعَ التَّكْبِيرُ الَّذِي هُوَ شِعَارُ الْعِيدِ ، وَهِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ الَّتِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهَا عَلَى مَا رَزَقَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، وَلَهَا خَصَائِصُ كَثِيرَةٌ ، فَجَازَ أَنْ يُؤَخَّرَ النَّحْرُ وَالْحِلُّ فِيهَا إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا .
وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَنْحَرُ الْهَدْيَ قَبْلَ الْعَشْرِ ، وَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=23862دَمَ الْمُتْعَةِ لَا يُنْحَرُ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ ، وَإِنَّمَا فَائِدَةُ النَّحْرِ جَوَازُ إِحْلَالِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ .
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَحْكِي رِوَايَةً : أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْ هَدْيِ الْمُتْعَةِ ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ : لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=3757_3764_23862كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا فَهَلْ يَنْحَرُ الْهَدْيَ قَبْلَ الْعَشْرِ ؟ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ ؟
وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى : اخْتِيَارُ أَصْحَابِنَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ بِذَلِكَ .
وَهُمْ وَإِنْ قَدِمُوا فِي الْعَشْرِ لَكِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ بِعِلَّةٍ عَامَّةٍ
[ ص: 475 ] فَقَالَ : ... ، وَلِأَنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015638قَالَ لِأَصْحَابِهِ : " مَنْ كَانَ أَهْدَى فَلَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ " وَهَذَا نَهْيٌ عَنِ التَّحَلُّلِ بِالتَّقْصِيرِ وَغَيْرِهِ ; فَإِنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَكَيْفَ يَجُوزُ ؟ !
وَأَمَرَ الَّذِينَ لَمْ يَسُوقُوا الْهَدْيَ أَنْ يَتَحَلَّلُوا بِالتَّقْصِيرِ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ - فِي التَّقْصِيرِ - بَعْدَ إِذْنِهِ فِيهِ لِمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ دُونَ مَنْ سَاقَ ؟ وَقَالَ عَنْ نَفْسِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015639لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ " وَهَذَا نَصٌّ فِي اجْتِنَابِهِ كُلَّ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ التَّقْصِيرِ وَغَيْرِهِ .
ثُمَّ هُمْ إِنَّمَا أَنْكَرُوا أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالتَّقْصِيرِ وَلَمْ يُقَصِّرْ ، فَلَوْ كَانَ قَدْ قَصَّرَ زَالَ هَذَا ، ثُمَّ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ خَطَبَهُمْ بِهَذَا وَأَمَرَهُمْ بِهِ - وَهُوَ عَلَى
الْمَرْوَةِ - وَالنَّاسُ حَوْلَهُ ، فَلَوْ كَانَ قَدْ قَصَّرَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَشْهَدِ الْعَظِيمِ ، وَكَيْفَ يُقَصِّرُ وَلَمْ يَأْمُرْ غَيْرَهُ مِمَّنْ سَاقَ الْهَدْيَ بِالتَّقْصِيرِ ؟ !
وَمَنْ تَأَمَّلَ أَحَادِيثَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَحْوَالَهَا كَانَ كَالْجَازِمِ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحِلَّ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ .
فَأَمَّا حَدِيثُ
مُعَاوِيَةَ فَحَدِيثٌ شَاذٌّ ، وَقَدْ طَعَنَ النَّاسُ فِيهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا كَمَا أَخْبَرَ قَيْسٌ : فَإِنَّهُمْ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصَّرَ .
وَيُشْبِهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ أَنَّ
مُعَاوِيَةَ قَصَّرَ مِنْ رَأْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةِ
الْجِعْرَانَةِ ، فَإِنَّهُ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ بَعْدُ .
وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَّصِلَةُ إِنَّمَا فِيهَا أَنَّهُ قَصَّرَ مِنْ رَأْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى
الْمَرْوَةِ بِمِشْقَصٍ ، وَكَانَتْ عُمْرَةُ
الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا ، فَانْفَرَدَ
مُعَاوِيَةُ بِعِلْمِ هَذَا .
[ ص: 476 ] أَمَّا حَجَّةُ الْوَدَاعِ فَكَانَ وُقُوفُهُ عَلَى
الْمَرْوَةِ ضُحًى ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ حَوْلَهُ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِرِوَايَتِهِ الْوَاحِدُ ، وَكَانَتِ
الْجِعْرَانَةُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ .
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا : أَنَّهُ قَصَّرَ مِنْ رَأْسِهِ فِي الْعَشْرِ فَرِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءً لَمْ يَسْمَعْ مِنْ
مُعَاوِيَةَ ، وَمَرَاسِيلُهُ ضِعَافٌ ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي لَمَّا سَمِعَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015640عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَصَّرَ مِنْ رَأْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِشْقَصٍ اعْتَقَدَ أَنَّهُ فِي حَجَّتِهِ ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ دُخُولَهُ
مَكَّةَ كَانَ فِي الْعَشْرِ فَحَمَلَ هَذَا عَلَى هَذَا .
يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ احْتَجَّ عَلَى
مُعَاوِيَةَ بِرِوَايَتِهِ هَذِهِ فِي جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=3955الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَهُمْ قَدْ كَانُوا يُسَمُّونَ كُلَّ مُعْتَمِرٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مُتَمَتِّعًا ، وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ، وَلِهَذَا سُئِلَ
سَعْدٌ عَنِ الْمُتْعَةِ قَالَ : فَعَلْنَاهَا وَهَذَا كَانَ كَافِرًا بِالْعَرْشِ - يَعْنِي
مُعَاوِيَةَ - ،
وَمُعَاوِيَةُ قَدْ كَانَ مُسْلِمًا قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ فَعَلْنَا الْعُمْرَةَ فِي
[ ص: 477 ] أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ
مُعَاوِيَةُ ، يَعْنِي عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ ، فَكَيْفَ يَنْهَى عَنِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ؟ !