مسألة : ( ثم قد حل له كل شيء إلا النساء ) . 
لا يختلف المذهب أنه إذا رمى الجمرة ونحر وحلق أو قصر : فقد حل له اللباس والطيب والصيد ، وعقد النكاح ، ولا يحل له النساء ، وهذا يسمى التحلل الأول  ، وذلك لما روي عن  ابن عباس  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا رميتم   [ ص: 536 ] الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء ، فقال رجل : والطيب ؟ فقال  ابن عباس  أما أنا فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضمخ رأسه بالمسك أفطيب ذلك أم لا ؟ " هكذا رواه أحمد  ، واحتج به في رواية ابنه عبد الله  ، قال  ابن عباس    : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء   " وساق الحديث ، وكذلك رواه أبو بكر  في الشافي من حديث أحمد  ، ومحمد بن إسماعيل الترمذي  عن وكيع  ، ثنا سفيان  ، عن سلمة  ، عن الحسن العرني  ، ورواه  النسائي  من حديث يحيى بن سعيد  ،  وابن ماجه  من رواية  ابن أبي شيبة   والطنافسي  عن وكيع  ، ومن رواية محمد بن خلاد الباهلي  عن   [ ص: 537 ] يحيى  عن وكيع   وابن مهدي  ، ثلاثتهم عن سفيان  عن سلمة  عن الحسن  عن  ابن عباس  قال : " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء   " جعلوا أوله موقوفا على  ابن عباس  ، ولذلك قيل إنه في المسند . 
وعن الحجاج بن أرطاة  عن  الزهري  عن  عمرة بنت عبد الرحمن  عن  عائشة  قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب ، وكل شيء إلا النساء   " رواه أحمد  والد ... ،  وأبو داود  ، ولفظه : " إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء   " وقال : هذا حديث ضعيف ، الحجاج  لم ير  الزهري  ولم يسمع منه . 
وعن  عائشة  قالت : " كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم ، ولحله قبل أن يطوف بالبيت " متفق عليه ، ولفظ مسلم  وغيره : " ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك   " . 
وفي رواية  للنسائي    : " ولحله بعد ما يرمي جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت   " . 
فإذا ثبت بهذه السنة حل الطيب ، وهو من مقدمات النكاح ودواعيه ، فعقد   [ ص: 538 ] النكاح أولى ; ولأن الله سبحانه قال : ( قم الليل    ) ولم يقيده بالحل من جميع المحظورات ، بل هو مطلق ونكرة في سياق الشرط ، فيدخل فيه كل حل سواء كان حلا من جميع المحظورات ، أم من أكثرها ، أم من بعضها . 
وقال في الآية الأخرى : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما    ) وإذا رمى الجمرة فليس بحرام ; ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا ينكح المحرم ولا ينكح   " وبعد الجمرة ليس بمحرم ; بدليل أنه إذا نذر ... . 
وفي المحرم من النساء روايتان : 
إحداهما : يحرم عليه جميع وجوه الاستمتاع من الوطء والمس والقبلة وغير ذلك ، وعلى هذا فيحرم عليه ... ، وهذا اختيار عامة أصحابنا ; مثل الخرقي  وأبي بكر  وابن حامد  والقاضي وأصحابه . 
والرواية الثانية : قال في رواية أبي طالب  وقد سأله عن القبلة بعد رمي جمرة العقبة قبل أن يزور البيت  ؟ فقال : ليس عليه شيء قد حل له كل شيء إلا النساء . 
 [ ص: 539 ] فمن أصحابنا من قال : هذا يدل على أنه يباح له كل شيء إلا الوطء في الفرج ; لأنه أباح له القبلة ، وحكوا هذه الرواية لذلك . 
ومنهم من قال : ظاهر هذا أنه أباح له القبلة بعد التحلل الأول . 
وقال القاضي : عندي أن قوله : ليس عليه شيء أي ليس عليه دم ، لا أنها مباحة ، وهذا من القاضي يقتضي أنها محرمة ولا دم فيها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					