( 4459 ) مسألة قال : ( وإذا فاضل بين ولده في العطية ، أمر برده ، كأمر النبي صلى الله عليه وسلم ) وجملة ذلك أنه يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية  ، وإذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل ، فإن خص بعضهم بعطيته ، أو فاضل بينهم فيها أثم ، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين ; إما رد ما فضل به البعض ، وإما إتمام نصيب الآخر . قال  طاوس    : لا يجوز ذلك ، ولا رغيف محترق . وبه قال  ابن المبارك  
وروي معناه عن  مجاهد  ،  وعروة    . وكان الحسن  يكرهه ، ويجيزه في القضاء . وقال  مالك  ،  والليث  ،  والثوري  ،  والشافعي  ، وأصحاب الرأي : ذلك جائز . وروي معنى ذلك عن  شريح  ،  وجابر بن زيد  ،  والحسن بن صالح    ; لأن  أبا بكر  رضي الله عنه نحل  عائشة  ابنته جذاذ عشرين وسقا ، دون سائر ولده . واحتج  الشافعي  بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث  النعمان بن بشير    : { أشهد على هذا غيري   } 
فأمره بتأكيدها دون الرجوع فيها ، ولأنها عطية تلزم بموت الأب ، فكانت جائزة ، كما لو سوى بينهم . ولنا ما روى  النعمان بن بشير  قال {   : تصدق علي أبي ببعض ماله ، فقالت أمي عمرة بنت رواحة    : لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجاء أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقته ، فقال : أكل ولدك أعطيت مثله ؟ قال : لا . قال : فاتقوا الله ، واعدلوا بين أولادكم . قال : فرجع أبي ، فرد تلك الصدقة   } . وفي لفظ قال : " فاردده " . وفي لفظ قال : " فأرجعه " . وفي لفظ : " لا تشهدني على جور " وفي لفظ : " فأشهد على هذا غيري " . وفي لفظ : " سو بينهم " . وهو حديث صحيح ، متفق عليه . 
وهو دليل على التحريم ; لأنه سماه جورا ، وأمر برده ، وامتنع من الشهادة عليه ، والجور حرام ، والأمر يقتضي الوجوب ، ولأن تفضيل بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم ، فمنع منه ، كتزويج المرأة على عمتها أو خالتها . وقول  أبي بكر  لا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحتج به معه . ويحتمل أن  أبا بكر  رضي الله عنه خصها بعطيته لحاجتها وعجزها عن الكسب والتسبب فيه ، مع اختصاصها بفضلها ، وكونها أم المؤمنين زوج  [ ص: 388 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من فضائلها 
ويحتمل أن يكون قد نحلها ونحل غيرها من ولده ، أو نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها ، فأدركه الموت قبل ذلك . ويتعين حمل حديثه على أحد هذه الوجوه ; لأن حمله على مثل محل النزاع منهي عنه ، وأقل أحواله الكراهة ، والظاهر من حال أبي بكر  اجتناب المكروهات . وقول النبي صلى الله عليه وسلم {   : فأشهد على هذا غيري   } . ليس بأمر ; لأن أدنى أحوال الأمر الاستحباب والندب ، ولا خلاف في كراهة هذا . وكيف يجوز أن يأمره بتأكيده ، مع أمره برده ، وتسميته إياه جورا ، وحمل الحديث على هذا حمل لحديث النبي صلى الله عليه وسلم على التناقض والتضاد . 
ولو أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإشهاد غيره ، لامتثل بشير  أمره ، ولم يرد ، وإنما هذا تهديد له على هذا ، فيفيد ما أفاده النهي عن إتمامه . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					