الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3942 ) فصل : وقدر الأرش قدر نقص القيمة في جميع الأعيان . وبهذا قال الشافعي وعن أحمد رواية أخرى ، أن عين الدابة تضمن بربع قيمتها .

                                                                                                                                            فإنه قال ، في رواية أبي الحارث ، في رجل فقأ عين دابة لرجل : عليه ربع قيمتها . قيل له : فقأ العينين ؟ فقال : إذا كانت واحدة ، فقال عمر ربع القيمة ، وأما العينان فما سمعت فيهما شيئا . قيل له : فإن كان بعيرا أو بقرة أو شاة ؟ فقال : هذا غير الدابة ، هذا ينتفع بلحمه ، ينظر ما نقصها . وهذا يدل على أن أحمد إنما أوجب مقدارا في العين الواحدة من الدابة ، وهي الفرس والبغل والحمار خاصة للأثر الوارد فيه ، وما عدا هذا يرجع إلى القياس .

                                                                                                                                            واحتج أصحابنا لهذه الرواية ، بما روى زيد بن ثابت ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في عين الدابة بربع قيمتها } . وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى شريح لما كتب إليه يسأله عن عين الدابة : إنا كنا ننزلها منزلة الآدمي ، إلا أنه أجمع رأينا أن قيمتها ربع الثمن . وهذا إجماع يقدم على القياس . ذكر هذين أبو الخطاب في " رءوس المسائل " .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة إذا قلع عين بهيمة ينتفع بها من وجهتين ، كالدابة والبعير والبقرة ، وجب نصف قيمتها ، وفي إحداهما ربع قيمتها ; لقول عمر رضي الله عنه [ ص: 145 ] أجمع رأينا على أن قيمتها ربع الثمن . وروي عن أحمد في العبد ، أنه يضمن في الغصب بما يضمن به في الجناية ; ففي يده نصف قيمته ، وفي موضحته نصف عشر قيمته ، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي ; لأنه ضمان لأبعاض العبد ، فكان مقدرا من قيمته ، كأرش الجناية .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه ضمان مال من غير جناية ، فكان الواجب ما نقص ، كالثوب ، وذلك لأن القصد بالضمان جبر حق المالك بإيجاب قدر المفوت عليه ، وقدر النقص هو الجابر ، ولأنه لو فات الجميع لوجبت قيمته ، فإذا فات منه شيء وجب قدره من القيمة ، كغير الحيوان . وأما حديث زيد بن ثابت ، فلا أصل له ، ولو كان صحيحا لما احتج أحمد وغيره بحديث عمر وتركوه ، فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن يحتج به ، وأما قول عمر فمحمول على أن ذلك كان قدر نقصها ، كما روي عنه أنه قضى في العين القائمة بخمسين دينارا ، ولو كان تقديرا ، لوجب في العين نصف القيمة ، كعين الآدمي .

                                                                                                                                            وأما ضمان الجناية على أطراف العبد ، فمعدول به عن القياس ، للإلحاق بالجناية على الحر ، والواجب هاهنا ضمان اليد ، ولا تثبت اليد على الحر ، فوجب البقاء فيه على موجب الأصل ، وإلحاقه بسائر الأموال المغصوبة . وقول أبي حنيفة إن هذا في بهيمة الأنعام والدابة . لا يصح ; لأن هذا القول مبني على قول عمر وقول عمر إنما هو في الدابة ، والدابة في العرف ما يعد للركوب دون بهيمة الأنعام .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية