الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4384 ) فصل : فإن قال : وقفت على أولادي ، ثم على المساكين . أو قال : على ولدي ، ثم على المساكين . أو على ولد فلان ، ثم على المساكين . فقد روي عن أحمد ما يدل على أنه يكون وقفا على أولاده ، وأولاد أولاده ، من الأولاد البنين ، ما لم تكن قرينة تصرف عن ذلك . قال المروذي : قلت لأبي عبد الله : ما تقول في رجل وقف ضيعة على ولده ، فمات الأولاد ، وتركوا النسوة حوامل ؟ فقال : كل ما كان من أولاد الذكور ، بنات كن أو بنين ، فالضيعة موقوفة عليهم ، وما كان من أولاد البنات ، فليس لهم فيه شيء ; لأنهم من رجل آخر

                                                                                                                                            وقال أيضا في من وقف على ولد علي بن إسماعيل ، ولم يقل : إن مات ولد علي بن إسماعيل دفع إلى ولد ولده ، فمات ولد علي بن إسماعيل : دفع إلى ولده أيضا ; لأن هذا من ولد علي بن إسماعيل . ووجه ذلك أن الله تعالى قال : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } . فدخل فيه ولد البنين وإن سفلوا . ولما قال : { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد }

                                                                                                                                            فتناول ولد البنين ، وكذلك كل موضع ذكر الله تعالى الولد دخل فيه ولد البنين ، فالمطلق من كلام الآدمي إذا خلا عن قرينة ، ينبغي أن يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ، ويفسر بما يفسر به . ولأن ولد ولده ولد له ، بدليل قول الله تعالى : يا بني [ ص: 355 ] آدم ويا بني إسرائيل . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { ارموا بني إسماعيل ، فإن أباكم كان راميا } . وقال : { نحن بنو النضر بن كنانة } . والقبائل كلها تنسب إلى جدودها . ولأنه لو وقف على ولد فلان ، وهم قبيلة ، دخل فيه ولد البنين ، فكذلك إذا لم يكونوا قبيلة

                                                                                                                                            وقال القاضي ، وأصحابه : لا يدخل فيه ولد الولد بحال ، سواء في ذلك ولد البنين وولد البنات ; لأن الولد حقيقة وعرفا إنما هو ولده لصلبه ، وإنما يسمى ولد الولد ولدا مجازا ، ولهذا يصح نفيه ، فيقال : ما هذا ولدي ، إنما هو ولد ولدي . وإن قال : على ولدي لصلبي . فهو آكد . وإن قال : على ولدي ، وولد ولدي ، ثم على المساكين . دخل فيه البطن الأول والثاني ، ولم يدخل فيه البطن الثالث . وإن قال : على ولدي ، وولد ولدي ، وولد ولد ولدي . دخل فيه ثلاثة بطون دون من بعدهم

                                                                                                                                            وموضع الخلاف المطلق ، فأما مع وجود دلالة تصرف إلى أحد المحملين ، فإنه يصرف إليه بغير خلاف ، مثل أن يقول : على ولد فلان . وهم قبيلة ليس فيهم ولد من صلبه ، فإنه يصرف إلى أولاد الأولاد بغير خلاف . وكذلك إن قال : على أولادي ، أو ولدي . وليس له ولد من صلبه . أو قال : ويفضل ولد الأكبر أو الأعلم على غيرهم . أو قال : فإذا خلت الأرض من عقبي عاد إلى المساكين . أو قال : على ولدي غير ولد البنات . أو غير ولد فلان . أو قال : يفضل البطن الأعلى على الثاني

                                                                                                                                            أو قال : الأعلى فالأعلى . وأشباه ذلك ، فهذا يصرف لفظه إلى جميع نسله وعاقبته . وإن اقترنت به قرينة تقضي تخصيص أولاده لصلبه بالوقف ، مثل أن يقول : على ولدي لصلبي . أو الذين يلونني . ونحو هذا ، فإنه يختص بالبطن الأول دون غيرهم . وإذا قلنا بالتعميم فيهم ، إما للقرينة ، وإما لقولنا بأن المطلق يقتضي التعميم ولم يكن في لفظه ما يقتضي تشريكا ولا ترتيبا ، احتمل أن يكون بينهم كلهم على التشريك ، لأنهم دخلوا في اللفظ دخولا واحدا ، فوجب أن يكون بينهم مشتركا ، كما لو أقر لهم بدين ، ويحتمل أن يكون على الترتيب ، على حسب الترتيب في الميراث

                                                                                                                                            وهذا ظاهر كلام أحمد ; لقوله في من وقف على ولد علي بن إسماعيل ، ولم يقل : إن مات ولد علي بن إسماعيل دفع إلى ولد ولده . فمات ولد علي بن إسماعيل ، وترك ولدا ، فقال : إن مات بعض ولد علي بن إسماعيل دفع إلى ولده أيضا ; لأن هذا من ولد علي بن إسماعيل . فجعله لولد من مات من ولد علي بن إسماعيل عند موت أبيه ، وذلك أن ولد البنين لما دخلوا في قول الله تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين }

                                                                                                                                            ولم يستحق ولد البنين شيئا مع وجود آبائهم ، واستحقوا عند فقدهم ، كذا هاهنا . فأما إن وصى لولد فلان ، وهم قبيلة ، فلا ترتيب فيه ، ويستحق الأعلى والأسفل على كل حال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية