الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3682 ) فصل : إذا تعدى المضارب ، وفعل ما ليس له فعله ، أو اشترى شيئا نهي عن شرائه ، فهو ضامن للمال ، في قول أكثر أهل العلم . روي ذلك عن أبي هريرة ، وحكيم بن حزام ، وأبي قلابة ، ونافع ، وإياس ، والشعبي ، والنخعي ، والحكم ، وحماد ، ومالك والشافعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي . وعن علي رضي الله عنه : لا ضمان على من شورك في الربح .

                                                                                                                                            وروي معنى ذلك عن الحسن والزهري ولنا أنه ، متصرف في مال غيره بغير إذنه فلزمه الضمان ، كالغاصب . ولا نقول بمشاركته في الربح ، فلا [ ص: 32 ] يتناوله قول علي رضي الله عنه ومتى اشترى ما لم يؤذن فيه ، فربح فيه ، فالربح لرب المال ، نص عليه أحمد . وبه قال أبو قلابة ، ونافع وعن أحمد ، أنهما يتصدقان بالربح . وبه قال الشعبي ، والنخعي ، والحكم ، وحماد .

                                                                                                                                            قال القاضي : قول أحمد : يتصدقان بالربح . على سبيل الورع ، وهو لرب المال في القضاء . وهذا قول الأوزاعي . وقال إياس بن معاوية ، ومالك : الربح على ما شرطاه ; لأنه نوع تعد ، فلا يمنع كون الربح بينهما على ما شرطاه ، كما لو لبس الثوب ، وركب دابة ليس له ركوبها .

                                                                                                                                            وقال القاضي : إذا اشترى في الذمة ، ثم نقد المال ، فالربح لرب المال . وإن اشترى بعين المال ، فالشراء باطل ، في إحدى الروايتين . والأخرى هو موقوف على إجازة المالك ، فإن أجازه ، صح ، وإلا بطل . والمذهب الأول ، نص عليه أحمد ، في رواية الأثرم . وقال أبو بكر : لم يرو أنه يتصدق بالربح إلا حنبل . واحتج أحمد بحديث عروة البارقي ، وهو ما روى أبو لبيد ، عن عروة بن الجعد ، قال : { عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب ، فأعطاني دينارا ، فقال : عروة ، ائت الجلب ، فاشتر لنا شاة . فأتيت الجلب ، فساومت صاحبه ، فاشتريت شاتين بدينار ، فجئت أسوقهما أو أقودهما ، فلقيني رجل بالطريق ، فساومني ، فبعت منهما شاة بالدينار ، فجئت بالدينار وبالشاة ، فقلت : يا رسول الله ، هذا ديناركم ، وهذه شاتكم . قال : وكيف صنعت ؟ فحدثته الحديث ، فقال : اللهم بارك له في صفقة يمينه . } رواه الأثرم .

                                                                                                                                            ولأنه نماء مال غيره ، بغير إذن مالكه ، فكان لمالكه ، كما لو غصب حنطة فزرعها . فأما المضارب ، ففيه روايتان ; إحداهما ، لا شيء له ; لأنه عقد عقدا لم يؤذن له فيه ، فلم يكن له شيء ، كالغاصب .

                                                                                                                                            وهذا اختيار أبي بكر . والثانية ، له أجر ; لأن رب المال رضي بالبيع ، وأخذ الربح ، فاستحق العامل عوضا ، كما لو عقده بإذن .

                                                                                                                                            وفي قدر الأجر روايتان ; إحداهما ، أجر ، مثله ، ما لم يحط بالربح ; لأنه عمل ما يستحق به العوض ، ولم يسلم له المسمى ، فكان له أجر مثله ، كالمضاربة . الفاسدة ، والثانية ، له الأقل من المسمى أو أجر المثل ; لأنه إن كان الأقل المسمى ، فقد رضي به ، فلم يستحق أكثر منه ، وإن كان الأقل أجر المثل ، لم يستحق أكثر منه ; لأنه لم يعمل ما رضي به . وإن قصد الشراء لنفسه ، فلا أجر له ، رواية واحدة .

                                                                                                                                            وقال القاضي وأبو الخطاب : إن اشترى في ذمته ، ثم نقد المال ، فلا أجر له ، رواية واحدة ، وإن اشترى بعين المال ، فعلى روايتين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية