( 4484 ) فصل : والهبة المطلقة ، لا تقتضي ثوابا  ، سواء كانت من الإنسان لمثله أو دونه أو أعلى منه . وبهذا قال  أبو حنيفة    . وقال  الشافعي  في الهبة لمثله أو دونه كقولنا . فإن كانت لأعلى منه ، ففيها قولان أحدهما أنها تقتضي الثواب . وهو قول  مالك  ، لقول  عمر  رضي الله عنه : ومن وهب هبة أراد بها الثواب ، فهو على هبته ، يرجع فيها إذا لم يرض منها 
ولنا أنها عطية على وجه التبرع ، فلم تقتض ثوابا ، كهبة المثل والوصية ، وحديث  عمر  قد خالفه ابنه  وابن عباس  ، فإن عوضه عن الهبة ، كانت هبة مبتدأة لا عوضا ، أيهما أصاب عيبا لم يكن له الرد . وإن خرجت مستحقة ، أخذها صاحبها ، ولم يرجع الموهوب له ببدلها . فإن شرط في الهبة ثوابا معلوما ، صح . نص عليه  أحمد    ; لأنه تمليك بعوض معلوم ، فهو كالبيع ، وحكمها حكم البيع ، في ضمان الدرك ، وثبوت الخيار والشفعة 
وبهذا قال أصحاب الرأي . ولأصحاب  الشافعي  قول ، أنه لا يصح ; لأنه شرط في الهبة ما ينافي مقتضاها . ولنا أنه تمليك بعوض ، فصح ما لو قال : ملكتك هذا بدرهم . فإنه لو أطلق التمليك كان هبة ، وإذا  [ ص: 399 ] ذكر العوض صار بيعا . وقال  أبو الخطاب    : وقد روي عن  أحمد  ما يقتضي أن يغلب في هذا حكم الهبة ، فلا تثبت فيها أحكام البيع المختصة به 
فأما إن شرط ثوابا مجهولا ، لم يصح ، وفسدت الهبة ، وحكمها حكم البيع الفاسد ، يردها الموهوب له بزيادتها المتصلة والمنفصلة ; لأنه نماء ملك الواهب . وإن كانت تالفة ، رد قيمتها . وهذا قول  الشافعي  ،  وأبي ثور    . وظاهر كلام  أحمد  ، رحمه الله ، أنها تصح ، فإذا أعطاه عنها عوضا رضيه ، لزم العقد بذلك ، فإنه قال في رواية محمد بن الحكم    : إذا قال الواهب : هذا لك على أن تثيبني . فله أن يرجع إذا لم يثبه ، لأنه شرط 
وقال في رواية إسماعيل بن سعيد    : إذا وهب له على وجه الإثابة ، فلا يجوز إلا أن يثيبه عنها ، فعلى هذا عليه أن يعطيه حتى يرضيه ، فإن لم يفعل فللواهب الرجوع . ويحتمل أن يعطيه قدر قيمتها . والأول أصح ; لأن هذا بيع ، فيعتبر فيه التراضي ، إلا أنه بيع بالمعاطاة ، فإذا عوضه عوضا رضيه ، حصل البيع بما حصل من المعاطاة مع التراضي بها ، وإن لم يحصل التراضي ، لم تصح ; لعدم العقد ، فإنه لم يوجد الإيجاب والقبول ولا المعاطاة مع التراضي 
والأصل في هذا قول  عمر  رضي الله عنه : من وهب هبة أراد بها الثواب ، فهو على هبته ، يرجع فيها إذا لم يرض منها . وروي معنى ذلك عن  علي  ، وفضالة بن عبيد  ،  ومالك بن أنس    . وهو قول  الشافعي  ، على القول الذي يرى أن الهبة المطلقة تقتضي ثوابا . وقد روى  أبو هريرة  ، { أن أعرابيا وهب للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة ، فأعطاه ثلاثا فأبى ، فزاده ثلاثا ، فأبى ، فزاده ثلاثا ، فلما كملت تسعا ، قال : رضيت : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد هممت أن لا أتهب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي   } . من " المسند " 
قال  أحمد    : إذا تغيرت العين الموهوبة بزيادة أو نقصان ، ولم يثبه منها ، فلا أرى عليه نقصان ما نقص عنده إذا رده إلى صاحبه ، إلا أن يكون ثوبا لبسه ، أو غلاما استعمله ، أو جارية استخدمها ، فأما غير ذلك إذا نقص فلا شيء عليه ، فكان عندي مثل الرهن ، الزيادة والنقصان لصاحبه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					