[ ص: 2 ] قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام
أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي - رحمه الله - إملاء : اعلم بأن المزارعة مفاعلة من الزراعة
nindex.php?page=treesubj&link=6190_6189، والاكتساب بالزراعة مشروع ، أول من فعله
آدم - صلوات الله وسلامه عليه - على ما روي أنه لما أهبط إلى الأرض أتاه
جبريل بحنطة وأمره بالزراعة ، وازدرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجرف وقال عليه الصلاة والسلام {
: الزارع يتاجر ربه عز وجل } وقال عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81356 : اطلبوا الرزق تحت خبايا الأرض } يعني : عمل الزراعة ، والعقد الذي يجري بين اثنين لهذا المقصود يسمى مزارعة ، ويسمى مخابرة أيضا على ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81357نهى عن المخابرة فقيل : وما المخابرة قال : المزارعة بالثلث والربع } وإنما سميت مخابرة من تسمية
العرب الزارع خبيرا وقيل : هذا الاشتقاق من معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل
خيبر فسميت مخابرة بالإضافة إليهم ، وبيانه في الحديث الذي بدئ الكتاب به ، ورواه عن
أبي المطرف عن
الزهري قال : حدثني من لا أتهمه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81358أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود حين عاملهم على خيبر أقركم ما أقركم الله } وفيه بيان أن المرسل حجة فإن
الزهري - رحمه الله - أرسل الحديث حين لم يبين اسم الراوي ، ورواه
محمد - رحمه الله - مستدلا به على
nindex.php?page=treesubj&link=6190_6248جواز المزارعة والمعاملة ، فقد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل
خيبر على الشطر ، وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل الجواز ، وتأويل ذلك عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة - رحمه الله - من وجهين : أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح
خيبر استرقهم وتملك أراضيهم ونخيلهم ، ثم جعلها في أيديهم يعملون فيها للمسلمين بمنزلة العبيد في نخيل مواليهم ، وكان في ذلك منفعة للمسلمين ; ليتفرغوا للجهاد بأنفسهم ; ولأنهم كانوا أبصر بذلك العمل من
[ ص: 3 ] المسلمين ، وما جعل لهم من الشرط بطريق النفقة لهم فإنهم مماليك للمسلمين ، يعملون لهم في نخيلهم فيستوجبون النفقة عليهم ، فجعل نفقتهم فيما يحصل بعملهم وجعل عليهم نصف ما يحصل بعملهم ; ليكون ذلك ضريبة عليهم بمنزلة المولى يشارط عبده الضريبة إذا كان مكتسبا ، وقد نقل بعض هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين بن علي رضي الله عنهما ، والثاني : أنه من عليهم برقابهم وأراضيهم ونخيلهم ، وجعل شطر الخارج عليهم بمنزلة خراج المقاسمة ، وللإمام رأي في الأرض الممنون بها على أهلها إن شاء جعل عليها خراج الوظيفة ، وإن شاء جعل عليها خراج المقاسمة ، وهذا أصح التأويلين فإنه لم ينقل أحد من الولاة أنه تصرف في رقابهم ، أو رقاب أولادهم كالتصرف في المماليك ، وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أجلاهم ، ولو كانوا عبيدا للمسلمين لما أجلاهم ، فالمسلم إذا كان له مملوك في أرض
العرب يتمكن من إمساكه واستدامة الملك فيه فعرفنا أن الثاني أصح ، ثم بين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ما فعله من المن عليهم بنخيلهم وأراضيهم غير مؤبد بقوله عليه الصلاة والسلام : " أقركم ما أقركم الله " وهذا منه شبه الاستثناء ، وإشارة إلى أنه ليس لهم حق المقام في نخيلهم على التأييد ; لأنه من طريق الوحي أنه يؤمر بإجلائهم فتحرز بهذه الكلمة عن نقض العهد ; لأنه كان أبعد الناس عن نقض العهد والغدر وفيه دليل : أن
nindex.php?page=treesubj&link=8398_18849_18845المن المؤقت صحيح ، سواء كان لمدة معلومة أو مجهولة ، وأن الغدر ينتفي بمثل هذا الكلام وإن لم يفهم الخصم ، فإنهم لم يفهموا مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد صح منه التحرز عن الغدر بهذا اللفظ ، قال : وإن
بني عذرة جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح
خيبر ، وجاءته
يهود وادي القرى : شركاء
بني عذرة بالوادي فأعطوا بأيديهم وخشوا أن يغزوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء كانوا بالقرب من أهل
خيبر ، وأن
اليهود بالحجاز كانوا ينتظرون ما يئول إليه حال النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل
خيبر ، فقد كانوا أعز
اليهود بالحجاز ، كما روي أنه كان
بخيبر عشرة آلاف مقاتل ، فلما صاروا مقهورين ذلت سائر
اليهود ، وانقادوا لطلب الصلح ، فمنهم
يهود وادي القرى جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطوا بأيديهم أي : انقادوا له وطلبوا الأمان ، وخشوا أن يغزوهم فكان هذا من النصرة بالرعب كما قال عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37850 : نصرت بالرعب مسيرة شهر } فلما أعطوا بأيديهم ، والوادي حين فعلوا ذلك نصفان : نصف
لبني عذرة ، ونصف
لليهود ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوادي أثلاثا : ثلثا له وللمسلمين ، وثلثا خاصة
لبني عذرة ، وثلثا
لليهود فكان هذا بطريق الصلح من رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ ص: 4 ] فدل أن للإمام أن يصالح أهل بلده على بعض الأموال والأراضي إذا رضوا بذلك ، ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد هم بإجلاء
اليهود إلى
الشام على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يجتمع في
جزيرة العرب دينان " وقال عليه الصلاة والسلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81359إن عشت إلى قابل لأخرجن نجران من جزيرة العرب } وكان في ذلك إظهار فضيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضيلة أمته ، حيث إن
جزيرة العرب مولده ومنشؤه - طهر الله تلك البقعة عن سكنى غير المؤمن فيها - وهي أفضل البقاع ; لأن فيها
الحرم ، وبيت الله تعالى حرم الله تعالى ، نعم مشاركة غير المؤمن مع المؤمن في السكنى فيها إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يتمم ذلك ، ولم يتفرغ
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضي الله عنه لذلك ; لأنه لم تطل مدة خلافته ، وقد كان مشغولا بقتال أهل الردة حتى إذا كان في زمن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ، وكان قد سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى اليهود من
خيبر وأمر
يهود الوادي أن يتجهزوا بالجلاء إلى
الشام ، وكان المعنى في ذلك أن اليهود إنما جاءوا من
الشام إلى أرض
الحجاز ، وكان مقصود رؤسائهم من ذلك طلب الحنيفية لما وجدوا في كتبهم من بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونعت أمته ، وبذلك كان يوصي بعضهم بعضا فلما بعث الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنعوا من متابعته والانقياد للحق الذي دعا إليه حسدا وكفرا ، قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } الآية فجوزوا على سوء صنيعهم بأن لا يمكنوا من المقام في أرض
العرب ، وأن يعودوا إلى الموضع الذي جاء من ذلك الموضع آباؤهم ، فلهذا أجلاهم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ، ثم احتج عليه
يهود الوادي بقولهم : إنما نحن في أموالنا قد أقرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاسمنا ، ومعنى هذا الكلام الإشارة منهم إلى الفراق بينهم وبين أهل
خيبر ، فإن
خيبر قد افتتحها المسلمون فصارت مملوكة لهم ، فأما نحن فصالحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض الأراضي فأقرنا في أموالنا على ما كنا عليه في الأصل ، ولم يظهر منا خيانة فليس لك أن تجلينا من أرضنا ، فقال لهم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكم : " أقركم ما أقركم الله " يعني أن هذا اللفظ كان استثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح الذي جرى بينه وبينكم ، فلا يمنعني ذلك من إجلائكم ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد أن لا يجتمع في
أرض العرب دينان ، وإني مجل من لم يكن له عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني : عهدا خاصا سوى ذلك الصلح العام ، فقد كان ذلك مقيدا بالاستثناء ، وأنا
[ ص: 5 ] مقوم أموالكم هذه فمعطيكم أثمانها ، يعني بهذا الإجلاء لا أبطل حقكم عن أموالكم ولا أتملكها عليكم مجانا ، ولكني أعطيكم قيمتها وفيه دليل أن لملك الذمي من الحرمة ما لملك المسلم ، وأنه متى تعذر إيفاء العين في ملكه يجب إزالته بالقيمة ، ولهذا قلنا في الكافر إذا أسلم عبده يجبر على بيعه ، وإذا أسلمت أم ولده تخرج إلى الحرية بالسعاية في القيمة ، وفيه دليل أن الإمام إذا أحس بالغدر من أهل بلدة من بلاد
أهل الذمة ، وأنهم يخبرون المشركين بعورات المسلمين يكون له أن يجليهم من تلك الأرض إلى أرض أخرى ، وأنه يقوم من أملاكهم ما يتعذر نقله ، فيعطيهم عوض ذلك من بيت المال ، أو من أرض أخرى إن كانت لعامة المسلمين كما فعل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ، فإنه أمر بأموالهم فقومت بتسعين ألف دينار فدفعها إليهم وأجلاهم وقبض أموالهم ، ثم قال
لبني عذرة : " إنا لن نظلمكم ، ولن نستأثر عليكم أنتم شفعاؤنا في أموال اليهود ، فإن شئتم أعطيتم نصف ما أعطيناهم ، وأعطيتكم نصف أموالهم ، وإن شئتم سلمتم لنا البيع فتولينا الذي لهم " وفيه دليل : أن
nindex.php?page=treesubj&link=6533_6564الشفعة تستحق بالشركة في العقار ، فقد كانت
بنو عذرة في الوادي شركاء ، وإن أحد الشركاء إذا اشترى فله الشفعة فيما اشترى كما للشريك الآخر ، وإنما يشتريه الإمام للمسلمين بمال بيت المسلمين ليستحق بالشفعة ، ولكن الإشكال في أنهم لم يطلبوا الشفعة حتى قال لهم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ما قال ، والشفعة تبطل بترك الطلب بعد العلم بالبيع ، فقيل : هم قد طلبوا الشفعة وأظهروا ذلك بينهم ، ولكنهم احتشموا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه فلم يجاهروه بذلك ، فلما بلغه طلبهم قال ما قال ، وقيل فهم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أن ذلك بيع شرعي ، وأن لهم الشفعة بذلك فعند ذلك طلبوا الشفعة ، وقالوا : بل نعطيكم نصف الذي أعطيتم من المال وتقاسمونا أموالهم فباعت
بنو عذرة في ذلك الرقيق والإبل والغنم حتى دفعوا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه خمسة وأربعين ألف دينار ، فقسم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الوادي نصفين بين الإمارة وبين
بني عذرة ، وذلك زمان التحظير حين حظر
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه الوادي نصفين يعني : جمع أنصباء المسلمين في جانب ، وأنصباء
بني عذرة في جانب وكان ذلك أمرا عظيما ، وقد اشتهر في
العرب حتى جعلوه تاريخا ، وكانوا يسمون ذلك زمان التحظير ، فيقول بعضهم لبعض : كنت زمان التحظير ابن كذا سنة كما يكون مثله في زماننا إذا حدث أمر عظيم في الناس يجعل التاريخ منه بمنزلة وقت الوباء وغيره وقال
الزهري - رحمه الله - {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81360 : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صالح أهل خيبر أعطاهم النخل على أن يعملوا ويقاسمهم نصف الثمار ، وكان يبعث لقسمة ذلك nindex.php?page=showalam&ids=82عبد الله بن رواحة ، فيخرص عليهم فيقول : إن شئتم [ ص: 6 ] فلكم وإن شئتم فلنا } وفي هذا الحديث بيان حكمين : حكم المعاملة ، وقد بيناه
[ ص: 2 ] قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إمْلَاءً : اعْلَمْ بِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=6190_6189، وَالِاكْتِسَابُ بِالزِّرَاعَةِ مَشْرُوعٌ ، أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ
آدَم - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ أَتَاهُ
جِبْرِيلُ بِحِنْطَةٍ وَأَمَرَهُ بِالزِّرَاعَةِ ، وَازْدَرَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجُرْفِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
: الزَّارِعُ يُتَاجِرُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ } وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81356 : اُطْلُبُوا الرِّزْقَ تَحْتَ خَبَايَا الْأَرْضِ } يَعْنِي : عَمَلَ الزِّرَاعَةِ ، وَالْعَقْدُ الَّذِي يَجْرِي بَيْنَ اثْنَيْنِ لِهَذَا الْمَقْصُودِ يُسَمَّى مُزَارَعَةً ، وَيُسَمَّى مُخَابَرَةً أَيْضًا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81357نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ فَقِيلَ : وَمَا الْمُخَابَرَةُ قَالَ : الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ } وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مُخَابَرَةً مِنْ تَسْمِيَةِ
الْعَرَبِ الزَّارِعَ خَبِيرًا وَقِيلَ : هَذَا الِاشْتِقَاقُ مِنْ مُعَامَلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِ
خَيْبَرَ فَسُمِّيَتْ مُخَابَرَةً بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِمْ ، وَبَيَانُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بُدِئَ الْكِتَابُ بِهِ ، وَرَوَاهُ عَنْ
أَبِي الْمُطَرِّفِ عَنْ
الزُّهْرِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81358أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْيَهُودِ حِينَ عَامَلَهُمْ عَلَى خَيْبَرَ أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ } وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ فَإِنَّ
الزُّهْرِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرْسَلَ الْحَدِيثَ حِينَ لَمْ يُبَيِّنْ اسْمَ الرَّاوِي ، وَرَوَاهُ
مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُسْتَدِلًّا بِهِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=6190_6248جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ ، فَقَدْ عَامَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ
خَيْبَرَ عَلَى الشَّطْرِ ، وَفِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلُ الْجَوَازِ ، وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ
خَيْبَرَ اسْتَرَقَّهُمْ وَتَمَلَّكَ أَرَاضِيَهُمْ وَنَخِيلَهُمْ ، ثُمَّ جَعَلَهَا فِي أَيْدِيهِمْ يَعْمَلُونَ فِيهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبِيدِ فِي نَخِيلِ مَوَالِيهِمْ ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ ; لِيَتَفَرَّغُوا لِلْجِهَادِ بِأَنْفُسِهِمْ ; وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا أَبْصَرَ بِذَلِكَ الْعَمَلِ مِنْ
[ ص: 3 ] الْمُسْلِمَيْنِ ، وَمَا جُعِلَ لَهُمْ مِنْ الشَّرْطِ بِطَرِيقِ النَّفَقَةِ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ مَمَالِيكُ لِلْمُسْلِمِينَ ، يَعْمَلُونَ لَهُمْ فِي نَخِيلِهِمْ فَيَسْتَوْجِبُونَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ ، فَجَعَلَ نَفَقَتَهُمْ فِيمَا يَحْصُلُ بِعَمَلِهِمْ وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ نِصْفَ مَا يَحْصُلُ بِعَمَلِهِمْ ; لِيَكُونَ ذَلِكَ ضَرِيبَةً عَلَيْهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْلَى يُشَارِطُ عَبْدَهُ الضَّرِيبَةَ إذَا كَانَ مُكْتَسِبًا ، وَقَدْ نُقِلَ بَعْضُ هَذَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ وَنَخِيلِهِمْ ، وَجَعَلَ شَطْرَ الْخَارِجِ عَلَيْهِمْ بِمَنْزِلَةِ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ ، وَلِلْإِمَامِ رَأْيٌ فِي الْأَرْضِ الْمَمْنُونِ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا إنْ شَاءَ جَعَلَ عَلَيْهَا خَرَاجَ الْوَظِيفَةِ ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ عَلَيْهَا خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ ، وَهَذَا أَصَحُّ التَّأْوِيلَيْنِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْوُلَاةِ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي رِقَابِهِمْ ، أَوْ رِقَابِ أَوْلَادِهِمْ كَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَمَالِيكِ ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجْلَاهُمْ ، وَلَوْ كَانُوا عَبِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ لَمَا أَجْلَاهُمْ ، فَالْمُسْلِمُ إذَا كَانَ لَهُ مَمْلُوكٌ فِي أَرْضِ
الْعَرَبِ يَتَمَكَّنُ مِنْ إمْسَاكِهِ وَاسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِيهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الثَّانِيَ أَصَحُّ ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ مِنْ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ بِنَخِيلِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ غَيْرُ مُؤَبَّدٍ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : " أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ " وَهَذَا مِنْهُ شِبْهُ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ حَقُّ الْمَقَامِ فِي نَخِيلِهِمْ عَلَى التَّأْيِيدِ ; لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِجْلَائِهِمْ فَتَحَرَّزَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ عَنْ نَقْضِ الْعَهْدِ ; لِأَنَّهُ كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْ نَقْضِ الْعَهْدِ وَالْغَدْرِ وَفِيهِ دَلِيلٌ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=8398_18849_18845الْمَنَّ الْمُؤَقَّتَ صَحِيحٌ ، سَوَاءٌ كَانَ لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ مَجْهُولَةٍ ، وَأَنَّ الْغَدْرَ يَنْتَفِي بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ الْخَصْمُ ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا مُرَادَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ صَحَّ مِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْغَدْرِ بِهَذَا اللَّفْظِ ، قَالَ : وَإِنَّ
بَنِي عُذْرَةَ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ
خَيْبَرَ ، وَجَاءَتْهُ
يَهُودُ وَادِي الْقُرَى : شُرَكَاءُ
بَنِي عُذْرَةَ بِالْوَادِي فَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ وَخَشَوْا أَنْ يَغْزُوَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَؤُلَاءِ كَانُوا بِالْقُرْبِ مِنْ أَهْلِ
خَيْبَرَ ، وَأَنَّ
الْيَهُودَ بِالْحِجَازِ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ حَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِ
خَيْبَرَ ، فَقَدْ كَانُوا أَعَزَّ
الْيَهُودِ بِالْحِجَازِ ، كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ
بِخَيْبَرَ عَشَرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ ، فَلَمَّا صَارُوا مَقْهُورِينَ ذَلَّتْ سَائِرُ
الْيَهُودِ ، وَانْقَادُوا لِطَلَبِ الصُّلْحِ ، فَمِنْهُمْ
يَهُودُ وَادِي الْقُرَى جَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ أَيْ : انْقَادُوا لَهُ وَطَلَبُوا الْأَمَانَ ، وَخَشَوْا أَنْ يَغْزُوَهُمْ فَكَانَ هَذَا مِنْ النُّصْرَةِ بِالرُّعْبِ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37850 : نُصِرْت بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ } فَلَمَّا أَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ ، وَالْوَادِي حِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ نِصْفَانِ : نِصْفٌ
لِبَنِي عُذْرَةَ ، وَنِصْفٌ
لِلْيَهُودِ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَادِيَ أَثْلَاثًا : ثُلُثًا لَهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ ، وَثُلُثًا خَاصَّةً
لِبَنِي عُذْرَةَ ، وَثُلُثًا
لِلْيَهُودِ فَكَانَ هَذَا بِطَرِيقِ الصُّلْحِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 4 ] فَدَلَّ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَالِحَ أَهْلَ بَلَدِهِ عَلَى بَعْضِ الْأَمْوَالِ وَالْأَرَاضِي إذَا رَضُوا بِذَلِكَ ، ثُمَّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَدْ هَمَّ بِإِجْلَاءِ
الْيَهُودِ إلَى
الشَّامِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَجْتَمِعُ فِي
جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ " وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81359إنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لَأُخْرِجَنَّ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ } وَكَانَ فِي ذَلِكَ إظْهَارُ فَضِيلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضِيلَةِ أُمَّتِهِ ، حَيْثُ إنَّ
جَزِيرَةَ الْعَرَبِ مَوْلِدُهُ وَمَنْشَؤُهُ - طَهَّرَ اللَّهُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ عَنْ سُكْنَى غَيْرِ الْمُؤْمِنِ فِيهَا - وَهِيَ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ ; لِأَنَّ فِيهَا
الْحَرَمُ ، وَبَيْتُ اللَّهِ تَعَالَى حَرَمُ اللَّهِ تَعَالَى ، نَعَمْ مُشَارَكَةُ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ مَعَ الْمُؤْمِنِ فِي السُّكْنَى فِيهَا إلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ قَبْلَ أَنْ يُتَمِّمَ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَتَفَرَّغْ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَمْ تَطُلْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ ، وَقَدْ كَانَ مَشْغُولًا بِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ حَتَّى إذَا كَانَ فِي زَمَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ قَدْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْلَى الْيَهُودَ مِنْ
خَيْبَرَ وَأَمَرَ
يَهُودَ الْوَادِي أَنْ يَتَجَهَّزُوا بِالْجَلَاءِ إلَى
الشَّامِ ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ إنَّمَا جَاءُوا مِنْ
الشَّامِ إلَى أَرْضِ
الْحِجَازِ ، وَكَانَ مَقْصُودُ رُؤَسَائِهِمْ مِنْ ذَلِكَ طَلَبَ الْحَنِيفِيَّةِ لِمَا وَجَدُوا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَعْتِ أُمَّتِهِ ، وَبِذَلِكَ كَانَ يُوصِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْتَنَعُوا مِنْ مُتَابَعَتِهِ وَالِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ الَّذِي دَعَا إلَيْهِ حَسَدًا وَكُفْرًا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } الْآيَةُ فَجُوزُوا عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِمْ بِأَنْ لَا يُمَكَّنُوا مِنْ الْمُقَامِ فِي أَرْضِ
الْعَرَبِ ، وَأَنْ يَعُودُوا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي جَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ آبَاؤُهُمْ ، فَلِهَذَا أَجْلَاهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ثُمَّ احْتَجَّ عَلَيْهِ
يَهُودُ الْوَادِي بِقَوْلِهِمْ : إنَّمَا نَحْنُ فِي أَمْوَالِنَا قَدْ أَقَرَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَاسَمَنَا ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ الْإِشَارَةُ مِنْهُمْ إلَى الْفِرَاقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ
خَيْبَرَ ، فَإِنَّ
خَيْبَرَ قَدْ افْتَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ فَصَارَتْ مَمْلُوكَةً لَهُمْ ، فَأَمَّا نَحْنُ فَصَالَحَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ الْأَرَاضِي فَأَقَرَّنَا فِي أَمْوَالِنَا عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنَّا خِيَانَةٌ فَلَيْسَ لَك أَنْ تُجْلِيَنَا مِنْ أَرْضِنَا ، فَقَالَ لَهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَكُمْ : " أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ " يَعْنِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كَانَ اسْتِثْنَاءً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّلْحِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمْ ، فَلَا يَمْنَعُنِي ذَلِكَ مِنْ إجْلَائِكُمْ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَهِدَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ فِي
أَرْضِ الْعَرَبِ دِينَانِ ، وَإِنِّي مُجْلٍ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي : عَهْدًا خَاصًّا سِوَى ذَلِكَ الصُّلْحِ الْعَامِّ ، فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِالِاسْتِثْنَاءِ ، وَأَنَا
[ ص: 5 ] مُقَوِّمٌ أَمْوَالَكُمْ هَذِهِ فَمُعْطِيكُمْ أَثْمَانَهَا ، يَعْنِي بِهَذَا الْإِجْلَاءِ لَا أُبْطِلُ حَقَّكُمْ عَنْ أَمْوَالِكُمْ وَلَا أَتَمَلَّكُهَا عَلَيْكُمْ مَجَّانًا ، وَلَكِنِّي أُعْطِيكُمْ قِيمَتَهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ لِمِلْكِ الذِّمِّيِّ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لِمِلْكِ الْمُسْلِمِ ، وَأَنَّهُ مَتَى تَعَذَّرَ إيفَاءُ الْعَيْنِ فِي مِلْكِهِ يَجِبُ إزَالَتُهُ بِالْقِيمَةِ ، وَلِهَذَا قُلْنَا فِي الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ عَبْدُهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ ، وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ تَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ فِي الْقِيمَةِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَحَسَّ بِالْغَدْرِ مِنْ أَهْلِ بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ
أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَأَنَّهُمْ يُخْبِرُونَ الْمُشْرِكِينَ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمَيْنِ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُجْلِيَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى ، وَأَنَّهُ يُقَوِّمُ مِنْ أَمْلَاكِهِمْ مَا يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ ، فَيُعْطِيهِمْ عِوَضَ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، أَوْ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى إنْ كَانَتْ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمَيْنِ كَمَا فَعَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ أَمَرَ بِأَمْوَالِهِمْ فَقُوِّمَتْ بِتِسْعِينَ أَلْفِ دِينَارٍ فَدَفَعَهَا إلَيْهِمْ وَأَجْلَاهُمْ وَقَبَضَ أَمْوَالَهُمْ ، ثُمَّ قَالَ
لِبَنِي عُذْرَةَ : " إنَّا لَنْ نَظْلِمَكُمْ ، وَلَنْ نَسْتَأْثِرَ عَلَيْكُمْ أَنْتُمْ شُفَعَاؤُنَا فِي أَمْوَالِ الْيَهُودِ ، فَإِنْ شِئْتُمْ أَعْطَيْتُمْ نِصْفَ مَا أَعْطَيْنَاهُمْ ، وَأَعْطَيْتُكُمْ نِصْفَ أَمْوَالِهِمْ ، وَإِنْ شِئْتُمْ سَلَّمْتُمْ لَنَا الْبَيْعَ فَتَوَلَّيْنَا الَّذِي لَهُمْ " وَفِيهِ دَلِيلٌ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=6533_6564الشُّفْعَةَ تُسْتَحَقُّ بِالشَّرِكَةِ فِي الْعَقَارِ ، فَقَدْ كَانَتْ
بَنُو عُذْرَةَ فِي الْوَادِي شُرَكَاءَ ، وَإِنَّ أَحَدَ الشُّرَكَاءِ إذَا اشْتَرَى فَلَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا اشْتَرَى كَمَا لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِيهِ الْإِمَامُ لِلْمُسْلِمِينَ بِمَالِ بَيْتِ الْمُسْلِمِينَ لِيُسْتَحَقَّ بِالشُّفْعَةِ ، وَلَكِنَّ الْإِشْكَالَ فِي أَنَّهُمْ لَمْ يَطْلُبُوا الشُّفْعَةَ حَتَّى قَالَ لَهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا قَالَ ، وَالشُّفْعَةُ تُبْطَلُ بِتَرْكِ الطَّلَبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ ، فَقِيلَ : هُمْ قَدْ طَلَبُوا الشُّفْعَةَ وَأَظْهَرُوا ذَلِكَ بَيْنَهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ احْتَشَمُوا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يُجَاهِرُوهُ بِذَلِكَ ، فَلَمَّا بَلَغَهُ طَلَبُهُمْ قَالَ مَا قَالَ ، وَقِيلَ فَهِمَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ شَرْعِيٌّ ، وَأَنَّ لَهُمْ الشُّفْعَةَ بِذَلِكَ فَعِنْدَ ذَلِكَ طَلَبُوا الشُّفْعَةَ ، وَقَالُوا : بَلْ نُعْطِيكُمْ نِصْفَ الَّذِي أَعْطَيْتُمْ مِنْ الْمَالِ وَتُقَاسِمُونَا أَمْوَالَهُمْ فَبَاعَتْ
بَنُو عُذْرَةَ فِي ذَلِكَ الرَّقِيقَ وَالْإِبِلَ وَالْغَنَمَ حَتَّى دَفَعُوا إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَقَسَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ الْوَادِيَ نِصْفَيْنِ بَيْنَ الْإِمَارَةِ وَبَيْنَ
بَنِي عُذْرَةَ ، وَذَلِكَ زَمَانَ التَّحْظِيرِ حِينَ حَظَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْوَادِيَ نِصْفَيْنِ يَعْنِي : جَمَعَ أَنْصِبَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي جَانِبٍ ، وَأَنْصِبَاءَ
بَنِي عُذْرَةَ فِي جَانِبٍ وَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا عَظِيمًا ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ فِي
الْعَرَبِ حَتَّى جَعَلُوهُ تَارِيخًا ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ ذَلِكَ زَمَانَ التَّحْظِيرِ ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : كُنْت زَمَانَ التَّحْظِيرِ ابْنَ كَذَا سَنَةٍ كَمَا يَكُونُ مِثْلُهُ فِي زَمَانِنَا إذَا حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ فِي النَّاسِ يُجْعَلُ التَّارِيخُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ وَقْتِ الْوَبَاءِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ
الزُّهْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81360 : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَالَحَ أَهْلَ خَيْبَرَ أَعْطَاهُمْ النَّخْلَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا وَيُقَاسِمَهُمْ نِصْفَ الثِّمَارِ ، وَكَانَ يَبْعَثُ لِقِسْمَةِ ذَلِكَ nindex.php?page=showalam&ids=82عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ ، فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُ : إنْ شِئْتُمْ [ ص: 6 ] فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا } وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ حُكْمَيْنِ : حُكْمُ الْمُعَامَلَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ