الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وسئل أبو يوسف عن نهر مرو ، وهو نهر عظيم قريب من الفرات إذا دخل مرو كان ماؤه قسمة بين أهله بالحصص لكل قوم كوى معروفة فأخذ رجل أرضا كانت مواتا ، ولم يكن لها من ذلك [ ص: 178 ] النهر شرب ثم كرى لها نهرا من فوق مرو في موضع لا يملكه أحد فساق الماء إليها من ذلك النهر العظيم قال إن كان هذا النهر يضر بأهل مرو ضرارا بينا في مائهم فليس له ذلك ، ويمنعه السلطان منه ، وإن كان لا يضر بهم فله ذلك ، ولم يكن لهم أن يمنعوه ; لأن الماء في هذا الوادي على أصل الإباحة ، ولكل واحد من المسلمين حق الانتفاع به إذا كان لا يضر بغيره .

وهذا ; لأنه ما لم يدخل في المقاسم لا يصير الحق فيه خالصا للشركاء ، ولهذا وضع المسألة فيما إذا كرى نهرا من فوق مرو فإذا كان لا يضر بهم فبصرفه لا يمس حقوقهم ، ولا يلحق الضرر بهم فلا يمنعوه من ذلك ، وإذا كان لا يضر بهم فكل أحد ممنوع من أن يلحق الضرر بغيره فكيف لا يمنع من إلحاق الضرر بالعامة ، والسلطان نائب عنهم في النظر لهم فيمنعه من ذلك لا بطريق أنه يختص به بل ; لأنه إلى تسكين الفتنة أقرب فأما لكل أحد أن يمنعه من ذلك ، والضرر يتوهم من ، وجهين أحدهما من حيث كسر ضفة الوادي ، والثاني أنه يكثر دخول الماء في هذا النهر ، وربما يتحول أكثر الماء إلى هذا الماء ليضر بأهل مرو ، وقيل له فإن كان رجل له كوى معروفة أله أن يزيد فيها قال إن كانت الكوى في النهر الأعظم فزاد في ملكه كوة أو كوتين ، ولا يضر ذلك بأهل النهر فله ذلك ; لأن الماء في النهر الأعظم لم يقع في المقاسم بعد فهو على أصل الإباحة كما كان قبل أن يدخل مرو فزيادة كوة أو كوتين في خالص ملكه لا يكون أقوى من سبق نهر ابتداء من هذا النهر الأعظم ، وهو غير ممنوع من ذلك كما بينا فهذا مثله .

فإن كان نهر خاص لقوم فأخذ من هذا النهر الأعظم لكل رجل منهم في هذا النهر كوى مسماة لشربه لم يكن لأحد منهم أن يزيد كوة ، وإن كان لا يضر بأهل النهر الخاص ; لأن الماء في هذا النهر الخاص قد ، وقع في المقاسمة ، والشركة في هذا النهر شركة خاصة حتى يستحق فيها الشفعة ، وليس لبعض الشركاء أن يزيد فيما يستوفي على مقدار حقه سواء أضر ذلك بالشركاء أو لم يضر فزيادة كوة في فوهة أرضه يكون ليزداد فيه دخول الماء على مقدار حقه ، وهو كالشركاء في الطريق ليس لأحدهم أن يحدث فيه طريقا لدار لم يكن لها طريقا في هذه السكة الخاصة بفتح باب حادث فإن قيل : كيف يمنع من إحداث الكوة في لوح ، وهو خالص ملكه قلنا ; لأن الكوى منهم سبب لبيان مقدار كل واحد منهم فلو لم يمنع من ذلك لكان إذا تقادم العهد ادعى لنفسه زيادة حق ، واستدل بالكوى إن كان الماء يدخل في هذه الكوى في الحال فسبب المنع ظاهر فإن ما يدخل في هذه الكوى زيادة على حقه في النهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية