الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو مات صاحب الشرب ، وعليه ديون لم يبع في دينه إلا أن يكون معه أرض فيباع مع أرضه ; لأن في حال حياته كان لا يجوز منه بيع الشرب بدون الأرض فكذا بعد موته ، وقد تكلم مشايخنا رحمهم الله في أن الإمام ماذا يصنع بهذا الشرب فمنهم من يقول يتخذ حوضا ، ويجمع فيه ذلك الماء في كل يومه ثم يبيع الماء الذي جمعه في الحوض بثمن معلوم - فيقضي به الدين .

( قال الشيخ الإمام الأجل ) رحمه الله ، والأصح عندي أنه ينظر صاحب أرض ليس له شرب فيضم ذلك الشرب إلى أرضه ، ويبيعها برضاه ثم ينظر إلى قيمة الأرض بدون الشرب ، ومع الشرب فيجعل تفاوت ما بينهما من الثمن مصروفا إلى قضاء دين الميت ، وما ، وراء ذلك لصاحب الأرض ، وإن لم يجد ذلك اشترى على تركة هذا الميت أرضا بغير شرب ثم ضم هذا الشرب إليها ، وباعها فيصرف الثمن إلى قضاء ثمن الأرض المشتراة ، وما يفضل [ ص: 185 ] من ذلك للغرماء ، وكذلك لو أوصى أن يباع من هذا الرجل أو يوهب له أو يتصدق عليه كان ذلك باطلا ; لأنه لو باعه بنفسه في حياته لم يجر فكذلك إذا أوصى أن يباع منه بعد موته قال إلا أن يكون معه أرض فيجوز من ثلثه يريد الهبة أو الصدقة أو المحاباة في البيع فإن ذلك يجوز من ثلثه .

قال : وإن أوصى أن يسقي أرض فلان يوما أو شهرا أو سنة من شربه أجزت ذلك من ثلثه لما بينا أن الوصية بالشرب كالوصية بالغلة المجهولة ، وذلك ينفذ من ثلثه ، وإن مات الذي له الوصية بطلت ، وصيته في الشرب قال ، وهي بمنزلة الخدمة يعني إذا أوصى بخدمة عبده لإنسان فمات الموصى له بطلت الوصية ، وهذا ; لأن الشرب كالمنفعة إلا أنها مجهولة جهالة لا تقبل الإعلام ، والخدمة تقبل الإعلام ببيان المدة فيجوز استحقاقها بالإجارة إذا كانت معلومة فيجوز استحقاقها بالوصية من الثلث ، وإن لم يكن معلوما ببيان المدة فكذلك استحقاق الشرب بالوصية يجوز ، وإن كانت مجهولة ، ولكن الاستحقاق للموصى له باعتبار حاجته فيبطل بموته ; لأن الورثة يخلفونه فيما كان ملكا أو حقا متأكدا له ، وذلك غير موجود في الشرب كما في الخدمة فإن أوصى أن يتصدق بشربه على المساكين فهذا باطل ; لأن حاجة المساكين إلى الطعام دون الماء ، وإنما يحتاج إلى الشرب من له أرض ، وليس للمساكين ذلك ، ولا بدل للشرب حتى يصرف بدله إلى المساكين فإنه لا يحتمل البيع ، والإجارة فكان باطلا ، وكذلك لو قال في حياته : هو صدقة في المساكين إن فعلت كذا ففعله لم يلزمه شيء ; لأنه لا طريق لتنفيذ هذه الوصية في عين الشرب ، ولا في بدله إلا أن يكون معه أرض فحينئذ تصح ، وصيته ، ونذره فتنعقد - يمينه فإذا حنث يجب تنفيذه في التصدق بعينه أو بقيمته بعد البيع .

ولو أوصى بأن يسقي مسكينا بعينه في حياته فذلك جائز فيه باعتبار عينه كما لو أوصى له - بعين بخلاف ما أوصى به في المساكين فتصحيح تلك الوصية باعتبار التقرب إلى الله تعالى يجعل شيء من ماله خالصا لله تعالى ليكون مصروفا إلى سد حاجة المحتاجين ، وذلك لا يتأتى في الشرب بدون الأرض .

التالي السابق


الخدمات العلمية