الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا اتخذ الرجل مشرعة على شاطئ الفرات ليستقي منها السقاءون ، ويأخذ منهم الأجر لم يجز ذلك ; لأنه لم يبتعهم شيئا ، ولم يؤاجرهم أرضا ، معناه : أنهم يأخذون الماء من الفرات في أوانيهم ، والماء في الفرات غير مملوك لصاحب المشرعة ثم الموضع الذي اتخذ فيه المشرعة من الأرض غير مملوك له ، ولو كان مملوكا فهو لم يؤاجرهم ذلك الموضع .

( ألا ترى ) أنه في يده على حاله ، وشرط إجارة الأرض تسليمها إلى المستأجر ; ولأنهم لا ينتفعون بالأرض ، وإنما ينتفعون بالماء فما يعطونه من الماء لا يكون عوضا عن منفعة الأرض بل هو أكل مال الغير بالباطل ، ولو تقبل هذه المشرعة كل شهر بشيء مسمى تقوم فيه الدواب أجزت ذلك ; لأنه التزم الأجر بمقابلة منفعة الأرض فإن إيقاف الدواب في موضع من الأرض انتفاع بها ، ويد المستأجر تثبت عليه بإيقاف الدواب فيها ، وهي معلومة ببيان المدة فصحت الإجارة لذلك ، وكذلك لو استأجر رجل قطعة منها يوم يقيم فيها بغير آلة جاز ، وهذا بخلاف الأول فإن السقائين ما استأجروا موضعا معلوما ، ولا بينوا لوقوفهم مدة معلومة فبطلت الإجارة هناك للغرر ، والجهالة ، وإن كانت هذه المشرعة لا يملكها الذي اتخذها فلا ينبغي له هذا ، ولا يصح له بمنزلة من أراد أن يبني دكانا في الطريق ليؤاجره من الناس منع من ذلك ، وهذا ; لأن في الطريق حق عامة المسلمين فكذلك في موضع المشرعة من شط الفرات حق جميع المسلمين فلا ينبغي له أن يحول بينهم ، وبين حقهم باتخاذ المشرعة فيه ليؤاجره فيكتسب لنفسه .

ولو كانت في موضع لا حق فيه لأحد فاتخذ مشرعة في ذلك المكان كان للمسلمين أن يستقوا من ذلك المكان بغير أجر كما كان لهم ذلك قبل أن تتخذ فيه مشرعة ، وهذا ; لأن بتصرفه لا يملك إبطال حق المسلمين ، ولا أن يحول بينهم ، وبين حوائجهم ، وإنما أرخص له في ذلك إذا كانت الأرض له يملك رقبتها فحينئذ لا حق لأحد فيه خصوصا في غير وقت الضرورة .

ولو أراد المسلمون أن يمروا في تلك الأرض ليسقوا من ذلك الماء فمنعهم منه فإن لم يكن له طريق غيره لم يكن له أن يمنعهم ، وإن كان يملك رقبتها [ ص: 192 ] ولكنهم يمرون في أرضه ، ومشرعته بغير إذنه ; لأن الموضع موضع الحاجة ، والضرورة فالماء سبب لحياة العالم قال الله تعالى { ، وجعلنا من الماء كل شيء حي } فإذا لم يجدوا طريقا آخر كان هذا الطريق متعينا لوصولهم منه إلى حاجتهم فليس له أن يمنعهم من ذلك فإن كان لهم طريق غير ذلك كان له أن يمنعهم من ذلك ; لأنه لا ضرورة إلى التطرق في ملكه ، وهو نظير من أصابته مخمصة يباح له أن يتناول من طعام الغير فإن كان عنده مثل ذلك الطعام لم يكن له أن يتناول من طعام الغير بغير إذنه إلا أن هناك عند الضرورة يجب الضمان لما في التناول من إتلاف مال متقوم على صاحبه ، وهنا ليس في المرور بين أرضه إتلاف شيء عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية