الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو كان نهر بين قوم لهم عليه أرضون لكل رجل منهم أرض معلومة فأراد بعضهم أن يسوق شربه إلى أرض أخرى لم يكن لها في ذلك النهر شرب فيما مضى فليس له ذلك ; لأنه يستوجب بذلك في النهر غير ما لم يكن له قبل ذلك أما إذا كان يسقي أرضه التي لها شرب من هذا النهر مع ذلك فهو يستوفي أكثر من حقه ، وإن كان يريد أن يسوق شربه الأول إلى هذه الأرض الأخرى لم يكن له ذلك أيضا ; لأنه إذا فعل ذلك ، وتقادم العهد ادعى للأرض شربا من هذا النهر مع الأول ، واستدل على ذلك بالنهر المعد لإجراء الماء فيه من ذلك النهر إلى هذه الأرض فهذا معنى قوله يستوجب بذلك في النهر شربا لم يكن له قبل ذلك ، وكذلك لو أراد أن يسوق شربه في أرضه الأولى حتى ينتهي إلى هذه الأخرى فليس له ذلك ; لأنه يستوفي فوق حقه فالأرض تنشف بعض [ ص: 190 ] الماء قبل أن ينتهي إلى هذه الأرض الأخرى ثم هذا بمنزلة طريق بين قوم إذا أراد أحدهم أن يفتح فيه طريقا في دار أخرى ، وساكن تلك الدار غير ساكن هذه الدار فهو ممنوع من ذلك ، وقد بينا الفرق في كتاب القسمة بين هذا ، وبين ما إذا كان ساكن الدارين واحدا ، وإذا أراد هذا الرجل أن يسقي من هذا النهر نخيلا في أرض أخرى ليس لها في هذا النهر شرب فليس له ذلك كما لو أراد أن يسقي زرعا من هذه الأرض الأخرى ، وإذا استأجر أصحاب النهر رجلا يقسم بينهم الشرب كل شهر بشيء معلوم ، ويقوم على نهرهم فذلك جائز ; لأن العقد يتناول منافعه التي توجد في المدة ، وهي معلومة ببيان المدة ، والبدل الذي بمقابلتها معلوم ، وإن استأجروه بشرب من النهر مكان الآخر لم يجز ; لأن الأجرة إذا كانت معينة فهي كالمبيع ، والشرب لا يجوز أن يكون مبيعا مقصودا ، ويكون له أجر مثله ; لأنه أوفاه منافعه بعقد فاسد .

ولو أعطوه كفيلا بذلك لم يجز ، ولو لم يكن على الكفيل شيء ; لأن الكفيل إنما التزم المطالبة بما هو مستحق على الأصيل ، وليس على الأصيل من تسليم الشرب شيء فكذلك لا يجب على الكفيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية