( وحجر الصبي ) الذكر والأنثى ( يرتفع ) من حيث الصبا بمجرد بلوغه ومطلقا ( ببلوغه رشيدا ) لقوله تعالى { فإن آنستم منهم رشدا } أي : أبصرتم أي : علمتم وزعم الإسنوي أن الصبا بكسر الصاد [ ص: 163 ] لا يستقيم وأنه بفتحها بعيد من كلامه مردود بأن المحفوظ هو فتحها وبأنه لا بعد فيه وبما قررت به عبارته المفيد أن القصد ارتفاع الحجر المطلق لا المقيد اندفع اعتراضها بأن الأولى حذف رشيدا ؛ لأن الصبا سبب مستقل بالحجر وكذا التبذير وأحكامهما متغايرة ؛ إذ من بلغ مبذرا حكم تصرف حكم تصرف السفيه لا حكم تصرف الصبي .
( فرع ) غاب يتيم فبلغ ولم يعلم رشده لم يجز لوليه النظر في ماله معتمدا استصحاب الحجر للشك في الولاية عند العقد وهي شرط وهو لا بد من تحققه فإن تصرف أثم ثم إن بان غير رشيد نفذ التصرف وإلا فلا وقد ينافيه ما يأتي من تصديق الولي في دوام الحجر ؛ لأن الأصل إلا أن يقال محل ذاك في حاضر ؛ لأنه يعرف حاله غالبا بخلاف الغائب وليس قول الولي قبضت مهرها بإذنها ولا قوله له اضمني إقرارا بالرشد فلا ينعزل به .
( والبلوغ ) في الذكر والأنثى إنما يتحقق بأحد شيئين : أحدهما ويسمى بلوغا بالسن ( باستكمال خمس عشرة سنة ) قمرية تحديدا من انفصال جميع الولد بشهادة عدلين خبيرين وشذ من قال بخلاف ذلك .
قال الشافعي رضي الله عنه { رد النبي صلى الله عليه وسلم سبعة عشر صحابيا وهم أبناء أربع عشرة سنة ؛ لأنه لم يرهم بلغوا وعرضوا عليه وهم أبناء خمس عشرة سنة فأجازهم منهم زيد بن ثابت ورافع بن خديج وابن عمر رضي الله عنهم } وقصة ابن عمر صححها ابن حبان وأصلها في الصحيحين ثانيهما ويسمى بلوغا بالاحتلام خروج المني كما قال ( أو خروج مني ) من ذكر أو أنثى لقوله تعالى { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم } مع خبر { رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم } والحلم الاحتلام وهو لغة ما يراه النائم وكنى به هنا عن خروج المني ولو يقظة بجماع أو غيره [ ص: 164 ] ويشترط تحققه فلو أتت زوجة صبي بلغ تسع سنين بولد للإمكان لحقه ؛ لأن النسب يكتفى فيه بمجرد الإمكان ولم يحكم ببلوغه ؛ لأنه لا بد من تحقق خروج المني وخرج لخروجه ما لو أحس بانتقاله من صلبه فأمسك ذكره فرجع فلا يحكم ببلوغه كما لا غسل وبحث الزركشي ومن تبعه الحكم ببلوغه بعيد والفرق بأن مدار البلوغ على العلم بإنزال المني والغسل على حصوله في الظاهر بالتحكم أشبه على أنه لا يتصور العلم بأنه مني قبل خروجه إذ كثيرا ما يقع الاشتباه فيما يحس بنزوله ثم رجوعه ( ووقت إمكانه ) فيهما ( استكمال تسع سنين ) قمرية تقريبا نظير ما مر في الحيض .
( ونبات العانة ) الخشن بحيث تحتاج إزالته للحلق وظاهره أنها اسم للمنبت لا للنابت وفيه خلاف لأهل اللغة والأشهر أنها النابت وأن المنبت شعرة بكسر أوله ووقته وقت الاحتلام ( يقتضي الحكم ببلوغ ولد الكافر ) بالسن أو الاحتلام ومثله ولد من جهل إسلامه لا من عدم من يعرف سنه على الأوجه للخبر الصحيح { أن عطية القرظي رضي الله عنه كان في سبي بني قريظة فكانوا ينظرون من أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل وأنهم كشفوا عن عانته فوجدوها لم تنبت فجعلوه في السبي } وخرج بها نبات نحو اللحية [ ص: 165 ] فليس بلوغا كما صرح به في الشرح الصغير في الإبط وألحق به اللحية والشارب بالأولى فإن البغوي ألحق الإبط بالعانة دونهما وفي كل ذلك نظر بل الشعر الخشن من ذلك كالعانة في ذلك وأولى إلا أن يقال إن الاقتصار عليها أمر تعبدي وأفهم قوله يقتضي الحكم أنه أمارة على البلوغ بأحدهما نعم إن ثبت أن سنه دون خمس عشرة سنة ولم يحتلم لم يحكم ببلوغه ويقبل قوله بيمينه وإن لم يحلف الصبي احتياطا لحقن الدم استعجلته بدواء إن كان ولد حربي سبي لا ذمي طولب بالجزية ويحل النظر للخبر .
وأفهم قوله كالروضة ولد أنه لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى وهو كذلك وإن كان قضية المحرر إخراج النساء ؛ لأنهن لا يقتلن ونقله السبكي عن الجوري والخنثى لا بد أن ينبت على فرجيه معا ( لا المسلم في الأصح ) لسهولة مراجعة أقاربه المسلمين غالبا ولأنه متهم باستعجاله تشوفا للولايات بخلاف الكافر ؛ لأنه يفضي به إلى القتل أو الجزية أو ضرب الرق في الأنثى وما مر عام في الذكر والأنثى كما تقرر ( وتزيد المرأة ) عليه ( حيضا ) في سنه السابق إجماعا ( وحبلا ) [ ص: 166 ] لكنه دليل على سبق الإمناء ؛ لأن الولد يخلق من الماءين فبالوضع يحكم ببلوغها قبله بستة أشهر ولحظة ما لم تكن مطلقة وتأتي بولد يلحق المطلق فيحكم ببلوغها قبل الطلاق بلحظة ، ولو حاض الخنثى بفرجه وأمنى بذكره حكم ببلوغه فإن وجد أحدهما فلا عند الجمهور ولا يشكل عليهم ما مر أن خروج المني من الزائد يوجب الغسل فيقتضي البلوغ ؛ لأن محله مع انسداد الأصلي وهذا غير موجود هنا .
وخالفهم الإمام ما لم يظهر خلافه فيغير قالا وهو الحق وقال المتولي إن تكرر فنعم وإلا فلا قال المصنف وهو حسن غريب .


