nindex.php?page=treesubj&link=22096_27061الأصل في المنافع الإذن ، وفي المضار المنع خلافا لبعضهم . وهذا عندنا من الأدلة فيما بعد ورود الشرع . أعني أن الدليل السمعي دل على أن الأصل ذلك فيهما إلا ما دل دليل خاص على خلافهما . أما قبله ، فقد سبقت المسألة في أول الكتاب : " لا حكم للأشياء قبل الشرع " ، ولم يحكموا هنا قولا بالوقف كما هناك ، لأن الشرع ناقل . وقد خلط بعضهم الصورتين وأجرى الخلاف هنا أيضا . وكأنه استصحب ما قبل السمع إلى ما بعده ورأى أن ما لم يشكل أمره ولا دليل فيه خاص يشبه الحادثة قبل الشرع ، وسبق هناك ما فيه . ثم رأيت
القاضي عبد الوهاب حقق المسألة تحقيقا فقال ، بعد حكاية الخلاف في الأفعال قبل الشرع : " مسألة : زعم قوم من الفقهاء أن الشرع قد قرر الأصل في الأشياء على أنها على الإباحة إلا ما استثناه الدليل ، وفائدة ذلك أنه إذا وقع الخلاف في حكم شيء في الشرع " هل هو على الإباحة أو المنع ؟ " حكم بأنه على الإباحة ، لأن الشرع قد قرر ذلك ، فصار كالعقل عند القائلين بالإباحة . وقد حكى ذلك عن بعض متأخري أصحابنا ، وأشار إليه
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم .
[ ص: 9 ] قال : والباقون على أن الأصل في أنه لا يعلم حكم كل شيء إلا بقيام دليل يختصه أو يختص نوعه . ومن ذهب إلى القول الأول احتج بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } وقوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة } فجعل الأصل الإباحة . والتحريم مستثنى . قال : ويدل على فساد هذا القول قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام } فأخبر أن التحريم والتحليل ليس إلينا ، وإنما هو من عنده ، وأن الحلال والحرام لا يعلم إلا بإذنه . وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=119وقد فصل لكم ما حرم عليكم } وكل هذا يدل على إبطال القول بأن حكم الأشياء في السمع الإباحة . وأما الجواب عن أدلتهم ، فهي فيما ورد الشرع بإباحته . والكلام في إباحة الجملة بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قل لا أجد } . . . يصلح أن يحتج به على أن
nindex.php?page=treesubj&link=22096الأصل في المأكولات الإباحة ، وإنما الممتنع الإباحة المطلقة .
وقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62669وما سكت فهو مما عفي عنه } يريد : من ذلك النوع الذي كان الخطاب متعلقا به . ألا ترى أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14090الحلال بين ، والحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات } فشرك بينهما ، ولم يجعل الأصل أحدهما . واحتج غيره للقائلين بأن الأصل الإباحة بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29خلق لكم [ ص: 10 ] ما في الأرض جميعا } ذكره في معرض الامتنان ، واللام للاختصاص . وأورد أنها تأتي لغير الانتفاع كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وإن أسأتم فلها } ورجح الأول بالظهور . وكذلك قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5أحل لكم الطيبات } ، {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } لأنه استفهام إنكار فيدل على امتناع تحريم مطلق الزينة ، ويلزم من امتناع تحريم مسمى الزينة أن لا يحرم شيء من آحادها ، فإذا انتفت الحرمة بقيت الإباحة ، وهو المطلوب .
وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=12الله الذي سخر لكم البحر } إلى قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=13وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه } وفي الصحيحين " من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10895إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء [ لم ] يحرم على السائل فحرم من أجل مسألته } وهذا ظاهر في أن الأصل في الأشياء الإباحة ، وأن التحريم عارض . وعن
سلمان الفارسي قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19991سئل رسول الله عن السمن والجبن والفراء فقال : الحلال ما أحل الله في كتابه ، والحرام ما حرمه الله في كتابه ، وما سكت عنه فهو مما عفي عنه } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه والترمذي . ولا يخفى أجوبة ذلك مما سبق عن القاضي . على أن هذا الحديث يقتضي أنه لا يقال في هذا النوع أن الشرع أذن فيه ، بل عفي ، ولا يوصف بإذن ولا منع . وليس في الآيات المستدل بها إلا أنها خلقت لنا وسخرت لنا ، ولا يدل ذلك على أنها أبيحت لنا ، إذ يجوز أن يخلق لنا ولا يباح ، بل يتوقف ذلك على إذن من جهته ، كذا قاله
ابن برهان في كلام له ، قال : فصار هذا بمثابة قول السلطان لجنده : هذه الأموال التي أجمعها لكم . فلا .
[ ص: 11 ] يدل على أنه أباحها لهم وأذن لهم في التناول ، بل قد يجوز أن يجمعها لهم وإنما بإذن في الأخذ بعد زمان آخر ، فلا بد إذن من إذن جديد ، وزيف قول
أبي زيد إن الأفعال لا حكم لها قبل الشرع ، وبعدما ورد الشرع تبينا بالأدلة الشرعية أنها كانت مباحة . قال : ثم هو معارض بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=40ونهى النفس عن الهوى } وأما احتجاج
الرازي بأنه انتفاع لا يضر بالمالك قطعا ، فليس على أصلنا ، لابتنائه على التحسين العقلي . وأما الدليل على
nindex.php?page=treesubj&link=22096تحريم المضار ، فقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30905لا ضرر ولا ضرار } وهو عام . وضعف
ابن دقيق العيد الاستدلال [ به ] ، لأن السابق إلى الفهم ، النهي عن الإضرار ، ولا إضرار بالنفس ، فقد يؤخذ على عمومه فيدخل فيه الإضرار بالنفس ، فيتم الدليل .
تنبيهان الأول : قيل : ينبغي أن يستثنى من المنافع الأموال ، فإن الأصل فيها التحريم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62671إن دماءكم وأموالكم . . . } الحديث .
وهو أخص من الدليل الذي استدلوا به على الإباحة فيقضى عليها .
قلت : قد نص
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الرسالة " على ذلك فقال : أصل مال كل امرئ يحرم على غيره إلا بما أحل به وذكر قبله أن النكاح كذلك ، والنساء محرمات الفروج إلا بعقد أو بملك يمين . فجعل
nindex.php?page=treesubj&link=26108_22098الأصل في الأموال والأبضاع التحريم ، ثم قال آخره : وهذا يدخل في عامة العلم . قال
[ ص: 12 ] الصيرفي : وهو كلام صحيح لا ينكسر أبدا ، وهو أن ينظر في الأصل إلى الشيء المحظور كائنا ما كان من دم أو مال أو فرج أو عرض ، فلا ينتقل عنه إلى الإباحة إلا بدليل يدل على نقله . انتهى . وينازع فيه تخريج
الماوردي مسألة
nindex.php?page=treesubj&link=22101النهر المشكوك في أنه مباح أو مملوك على هذا الخلاف . ثم إن سلم فغير محتاج إليه ، لأن وضع المسألة في أصل المنافع التي لم تطرأ عليها يد ملك ولا اختصاص . الثاني : من القواعد المترتبة على هذا الأصل
nindex.php?page=treesubj&link=22101_22100القول بالبراءة الأصلية ، واستصحاب حكم النفي في كل دليل مشكوك فيه حتى يدل دليل على الوجوب ، كما في تعميم مسح الرأس في الوضوء . وكلام
القرافي يقتضي أن تلك غير هذه المسألة ، وليس كذلك وجعل البراءة الأصلية هي استصحاب حكم العقل في عدم الأحكام ، وليس كما قال ، فإن البراءة تكون في العدم الأصلي ، والاستصحاب يكون في الطارئ : ثبوتا كان أو عدما . الثالث : ليس المراد بالمنافع هنا مقابل الأعيان بل كل ما ينتفع به ، ولهذا قال
الرافعي عن الأصحاب :
nindex.php?page=treesubj&link=22096_22100الأصل في الأعيان الحل ، ثم المراد بالنفع المكنة أو ما يكون وسيلة إليها ، وبالمضرة الألم أو ما يكون وسيلة إليه . .
nindex.php?page=treesubj&link=22096_27061الْأَصْلُ فِي الْمَنَافِعِ الْإِذْنُ ، وَفِي الْمَضَارِّ الْمَنْعُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ . وَهَذَا عِنْدَنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ فِيمَا بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ . أَعْنِي أَنَّ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ ذَلِكَ فِيهِمَا إلَّا مَا دَلَّ دَلِيلٌ خَاصٌّ عَلَى خِلَافِهِمَا . أَمَّا قَبْلَهُ ، فَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ : " لَا حُكْمَ لِلْأَشْيَاءِ قَبْلَ الشَّرْعِ " ، وَلَمْ يَحْكُمُوا هُنَا قَوْلًا بِالْوَقْفِ كَمَا هُنَاكَ ، لِأَنَّ الشَّرْعَ نَاقِلٌ . وَقَدْ خَلَطَ بَعْضُهُمْ الصُّورَتَيْنِ وَأَجْرَى الْخِلَافَ هُنَا أَيْضًا . وَكَأَنَّهُ اسْتَصْحَبَ مَا قَبْلَ السَّمْعِ إلَى مَا بَعْدَهُ وَرَأَى أَنَّ مَا لَمْ يُشْكِلُ أَمْرُهُ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ خَاصٌّ يُشْبِهُ الْحَادِثَةَ قَبْلَ الشَّرْعِ ، وَسَبَقَ هُنَاكَ مَا فِيهِ . ثُمَّ رَأَيْت
الْقَاضِيَ عَبْدَ الْوَهَّابِ حَقَّقَ الْمَسْأَلَةَ تَحْقِيقًا فَقَالَ ، بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْأَفْعَالِ قَبْلَ الشَّرْعِ : " مَسْأَلَةٌ : زَعَمَ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ قَرَّرَ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ عَلَى أَنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الدَّلِيلُ ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي حُكْمِ شَيْءٍ فِي الشَّرْعِ " هَلْ هُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَوْ الْمَنْعِ ؟ " حَكَمَ بِأَنَّهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ ، لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ قَرَّرَ ذَلِكَ ، فَصَارَ كَالْعَقْلِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْإِبَاحَةِ . وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا ، وَأَشَارَ إلَيْهِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ .
[ ص: 9 ] قَالَ : وَالْبَاقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حُكْمَ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا بِقِيَامِ دَلِيلٍ يَخْتَصُّهُ أَوْ يَخْتَصُّ نَوْعَهُ . وَمَنْ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } وَقَوْلُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَى مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً } فَجَعَلَ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةَ . وَالتَّحْرِيمَ مُسْتَثْنَى . قَالَ : وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ } فَأَخْبَرَ أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ لَيْسَ إلَيْنَا ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِهِ ، وَأَنَّ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِإِذْنِهِ . وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=119وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ الْقَوْلِ بِأَنَّ حُكْمَ الْأَشْيَاءِ فِي السَّمْعِ الْإِبَاحَةُ . وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ أَدِلَّتِهِمْ ، فَهِيَ فِيمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ . وَالْكَلَامُ فِي إبَاحَةِ الْجُمْلَةِ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قُلْ لَا أَجِدُ } . . . يَصْلُحُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=22096الْأَصْلَ فِي الْمَأْكُولَاتِ الْإِبَاحَةُ ، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ الْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62669وَمَا سَكَتَ فَهُوَ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ } يُرِيدُ : مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ الَّذِي كَانَ الْخِطَابُ مُتَعَلِّقًا بِهِ . أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14090الْحَلَالُ بَيِّنٌ ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ } فَشَرَّك بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ يَجْعَلْ الْأَصْلَ أَحَدَهُمَا . وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ لِلْقَائِلَيْنِ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29خَلَقَ لَكُمْ [ ص: 10 ] مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ ، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ . وَأَوْرَدَ أَنَّهَا تَأْتِي لِغَيْرِ الِانْتِفَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ بِالظُّهُورِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=5أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ } ، {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=32قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامُ إنْكَارٍ فَيَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ تَحْرِيمِ مُطْلَقِ الزِّينَةِ ، وَيَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ تَحْرِيمِ مُسَمَّى الزِّينَةِ أَنْ لَا يَحْرُمَ شَيْءٌ مِنْ آحَادِهَا ، فَإِذَا انْتَفَتْ الْحُرْمَةُ بَقِيَتْ الْإِبَاحَةُ ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ .
وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=12اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمْ الْبَحْرَ } إلَى قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=13وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10895إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ [ لَمْ ] يَحْرُمْ عَلَى السَّائِلِ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ } وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ ، وَأَنَّ التَّحْرِيمَ عَارِضٌ . وَعَنْ
سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19991سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْفِرَاءِ فَقَالَ : الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ } رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ . وَلَا يَخْفَى أَجْوِبَةُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ عَنْ الْقَاضِي . عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي هَذَا النَّوْعِ أَنَّ الشَّرْعَ أَذِنَ فِيهِ ، بَلْ عُفِيَ ، وَلَا يُوصَفُ بِإِذْنٍ وَلَا مَنْعٍ . وَلَيْسَ فِي الْآيَاتِ الْمُسْتَدَلِّ بِهَا إلَّا أَنَّهَا خُلِقَتْ لَنَا وَسُخِّرَتْ لَنَا ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا أُبِيحَتْ لَنَا ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يُخْلَقَ لَنَا وَلَا يُبَاحُ ، بَلْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى إذْنٍ مِنْ جِهَتِهِ ، كَذَا قَالَهُ
ابْنُ بَرْهَانٍ فِي كَلَامٍ لَهُ ، قَالَ : فَصَارَ هَذَا بِمَثَابَةِ قَوْلِ السُّلْطَانِ لِجُنْدِهِ : هَذِهِ الْأَمْوَالُ الَّتِي أَجْمَعُهَا لَكُمْ . فَلَا .
[ ص: 11 ] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَبَاحَهَا لَهُمْ وَأَذِنَ لَهُمْ فِي التَّنَاوُلِ ، بَلْ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَهَا لَهُمْ وَإِنَّمَا بِإِذْنٍ فِي الْأَخْذِ بَعْدَ زَمَانٍ آخَرَ ، فَلَا بُدَّ إذْنٌ مِنْ إذْنٍ جَدِيدٍ ، وَزَيْفٌ قَوْلُ
أَبِي زَيْدٍ إنَّ الْأَفْعَالَ لَا حُكْمَ لَهَا قَبْلَ الشَّرْعِ ، وَبَعْدَمَا وَرَدَ الشَّرْعُ تَبَيَّنَّا بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً . قَالَ : ثُمَّ هُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=40وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى } وَأَمَّا احْتِجَاجُ
الرَّازِيَّ بِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ لَا يَضُرُّ بِالْمَالِكِ قَطْعًا ، فَلَيْسَ عَلَى أَصْلِنَا ، لِابْتِنَائِهِ عَلَى التَّحْسِينِ الْعَقْلِيِّ . وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=22096تَحْرِيمِ الْمَضَارِّ ، فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30905لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } وَهُوَ عَامٌّ . وَضَعَّفَ
ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ الِاسْتِدْلَالَ [ بِهِ ] ، لِأَنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ ، النَّهْيُ عَنْ الْإِضْرَارِ ، وَلَا إضْرَارَ بِالنَّفْسِ ، فَقَدْ يُؤْخَذُ عَلَى عُمُومِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِضْرَارُ بِالنَّفْسِ ، فَيَتِمُّ الدَّلِيلُ .
تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ : قِيلَ : يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْمَنَافِعِ الْأَمْوَالُ ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهَا التَّحْرِيمُ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62671إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ . . . } الْحَدِيثُ .
وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الدَّلِيلِ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَيُقْضَى عَلَيْهَا .
قُلْت : قَدْ نَصَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ " عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ : أَصْلُ مَالِ كُلِّ امْرِئٍ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا بِمَا أَحَلَّ بِهِ وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ النِّكَاحَ كَذَلِكَ ، وَالنِّسَاءُ مُحَرَّمَاتُ الْفُرُوجِ إلَّا بِعَقْدٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ . فَجَعَلَ
nindex.php?page=treesubj&link=26108_22098الْأَصْلَ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ ، ثُمَّ قَالَ آخِرُهُ : وَهَذَا يَدْخُلُ فِي عَامَّةِ الْعِلْمِ . قَالَ
[ ص: 12 ] الصَّيْرَفِيُّ : وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ لَا يَنْكَسِرُ أَبَدًا ، وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْأَصْلِ إلَى الشَّيْءِ الْمَحْظُورِ كَائِنًا مَا كَانَ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فَرْجٍ أَوْ عَرْضٍ ، فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى الْإِبَاحَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى نَقْلِهِ . انْتَهَى . وَيُنَازِعُ فِيهِ تَخْرِيجُ
الْمَاوَرْدِيِّ مَسْأَلَةَ
nindex.php?page=treesubj&link=22101النَّهْرِ الْمَشْكُوكِ فِي أَنَّهُ مُبَاحٌ أَوْ مَمْلُوكٌ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ . ثُمَّ إنْ سَلَّمَ فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ ، لِأَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي أَصْلِ الْمَنَافِعِ الَّتِي لَمْ تَطْرَأْ عَلَيْهَا يَدُ مِلْكٍ وَلَا اخْتِصَاصٍ . الثَّانِي : مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ
nindex.php?page=treesubj&link=22101_22100الْقَوْلُ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ ، وَاسْتِصْحَابُ حُكْمِ النَّفْيِ فِي كُلِّ دَلِيلٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى الْوُجُوبِ ، كَمَا فِي تَعْمِيمِ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ . وَكَلَامُ
الْقَرَافِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ تِلْكَ غَيْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَجَعَلَ الْبَرَاءَةَ الْأَصْلِيَّةَ هِيَ اسْتِصْحَابُ حُكْمِ الْعَقْلِ فِي عَدَمِ الْأَحْكَامِ ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ، فَإِنَّ الْبَرَاءَةَ تَكُونُ فِي الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ ، وَالِاسْتِصْحَابَ يَكُونُ فِي الطَّارِئِ : ثُبُوتًا كَانَ أَوْ عَدَمًا . الثَّالِثُ : لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَنَافِعِ هُنَا مُقَابِلَ الْأَعْيَانِ بَلْ كُلُّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ
الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ :
nindex.php?page=treesubj&link=22096_22100الْأَصْلُ فِي الْأَعْيَانِ الْحِلُّ ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالنَّفْعِ الْمُكْنَةُ أَوْ مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَيْهَا ، وَبِالْمَضَرَّةِ الْأَلَمُ أَوْ مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَيْهِ . .