الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة إذا اجتهد مجتهد في حكم واقعة ، وبلغ إلى حكمها ، ثم تكررت تلك الواقعة ، وتجدد ما يقتضي الرجوع ، ولم يكن ذاكرا للدليل الأول ، وجب تجديد الاجتهاد ، وكذا إن لم يتجدد ، لا إن كان ذاكرا على المختار .

                                                      [ ص: 355 ] وقيل : يلزمه تجديد النظر ، لعله يظفر بخطأ أو زيادة لمقتض . ذكر بعض هذا التفصيل الإمام الرازي وأتباعه ، وفصل أبو الخطاب من الحنابلة ، بين ما دل عليه دليل قاطع ، فلا يحتاج إلى إعادته ، وأما ابن السمعاني ، فأطلق حكاية وجهين ، واختار أنه لا يلزمه تكرير الاجتهاد ، وأطلق الرافعي أيضا ، حكاية وجهين ، وقال النووي : أصحهما لزوم الاجتهاد ، قال : وهذا إذا لم يكن ذاكرا للدليل الأول ، ولم يتجدد ما قد يوجب رجوعه ، فإن كان ذاكرا لم يلزمه قطعا ، وإن تجدد ما قد يوجب الرجوع لزمه قطعا . وقال القاضي شريح الروياني في كتابه روضة الحكام " : إذا اجتهد لنازلة ، فحكم أو لم يحكم ، ثم حدثت تلك النازلة ثانيا ، فهل يستأنف الاجتهاد ؟ وجهان : والصحيح : إن كان الزمان قريبا لا يختلف في مثله الاجتهاد لا يستأنف الاجتهاد ، وإن تطاول الزمان استأنف . انتهى . وهكذا العامي ، يستفتي ثم تقع له الواقعة هل يعيد السؤال ؟ فيه هذا الخلاف . وقال الروياني في البحر " والخوارزمي في الكافي " والرافعي وغيره : ينظر ، إن علم أنه أفتاه عن نص كتاب أو سنة ، أو إجماع أو كان قد تبحر في مذهب واحد من أئمة السلف ، ولم يبلغ رتبة الاجتهاد ، فأفتاه عن نص صاحب المذهب ، فله أن يعمل بالفتوى الأولى ، وكذا لو كان المقلد ميتا ، وجوزناه ، وإن علم أنه أفتاه عن اجتهاد أو شك فلا يدري ، والمقلد حي ، فوجهان : ( أحدهما ) : أنه لا يحتاج إلى السؤال ثانيا لأن الظاهر استمراره على الجواب الأول .

                                                      [ ص: 356 ] وأصحهما : قال الرافعي : واختاره القفال ، أنه يجب عليه تجديد السؤال ثانيا ، لأنه ربما يتغير اجتهاده ، فعلى هذا يعمل بالفتوى الثانية ، سواء وافقت الأولى أم لا ، قال في البحر " : وهما كالوجهين فيمن صلى الظهر إلى جهة الاجتهاد ، ثم صلى العصر ، هل يعمل على اجتهاده الأول ؟ وجهان ، قال : وهذا عندي إذا مضت مدة الفتوى الأولى يجوز لغير الاجتهاد فيها غالبا ، فإن قرب ، لم يلزم الاستفتاء ثانيا . قال النووي : محل الخلاف فيما إذا لم يكثر وقوع هذه المسألة ، فإن كثر لم يجب على العامي تجديد السؤال قطعا ، وحكى في المنخول " وجهين في وجوب المراجعة ، ثم اختار التفصيل ، بين أن تبعد المسافة بينهما ، أو تكرر الواقعة في كل يوم ، كالطهارة والصلاة ، فلا يراجع قطعا ، وأطلق القاضي أبو الطيب في تعليقه " القول بوجوب المراجعة على المقلد عند التكرار ، وكلامه يقتضي تخصيص ذلك بما إذا كانت المسألة مجتهدا فيها ، أما لو كان المفتي حين أفتاه قال له ذلك عن نص فلا يحتاج إلى الإعادة ، وجعل الهندي في النهاية " فيما إذا كان العامي ذاكرا للحكم ، وإلا وجب عليه الاستفتاء ثانيا قطعيا ، وخص ابن الصلاح الخلاف بما إذا قلد حيا ، وقطع فيما إذا كان خبرا عن ميت أنه لا يلزم العامي تجديد السؤال . .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية