مسألة إذا
nindex.php?page=treesubj&link=22166قال الفقيه : بحثت وفحصت فلم أظفر بالدليل ، هل يقبل منه ويكون الاستدلال بعدم الدليل ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي : نعم ، لأنه يغلب ظن عدمه . وقال
ابن برهان في الأوسط " : إن صدر هذا عن المجتهد في باب الاجتهاد والفتوى قبل منه ، أو في محل المناظرة لا يقبل ، لأن قوله : " بحثت فلم أظفر " يصلح أن يكون عذرا بينه وبين الله تعالى ، أما انتهاضه في حق
[ ص: 38 ] خصمه فلا ، لأنه يدعو نفسه إلى مذهب خصمه . وقوله " لم أظفر به " إظهار عجز ولا يحسن قبوله فيجب على خصمه إظهار الدليل إن كان . وهذا التفصيل هو حاصل ما ذكره
إلكيا ، على طول فيه ، بعد أن قيد الجواز عدم التعلق بالدليل بشرط الإحاطة بمآخذ الأدلة إما من جهة العبارة أو غيرها ، كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم } فجعل عدم الوحي في الأمر دليلا ، إذ هو عالم بالعدم .
وهذه الطريقة اشتهرت بين المتأخرين ، يستدلون بها في مسائل لا تحصى في طرق النفي ، وهو أن يقول : هذا الحكم غير ثابت ، لأنه لو ثبت لثبت بدليل ، ولا دليل لأنه إما نص أو إجماع أو قياس ، والأول منتف ، لأنه لو كان عن نص لنقل ولم ينقل ولو نقل لعرفناه بعد البحث والفحص التام والإجماع منتف لوجود الخلاف بيننا ، والقياس منتف لقيام الفارق بينه وبين الأصل الذي هو قياس علة الخصم . ونازع
القاضي نجم الدين القدسي صاحب الركن الطاوسي في كتابه الفصول " بأنه يحتاج إلى الاطلاع على جميع النصوص من الكتاب والسنة ، ثم إلى معرفة جميع وجوه الدلالات . وهذا أمر لا يستطاع للبشر . وأسرار القرآن والسنة كثيرة ، ومظانها دقيقة ، وعقول الناس في فهمها مختلفة ، حتى إن منهم من يتكلم على الآية الواحدة أو الحديث الواحد مجلدات كثيرة في فوائدها ودلالتها ، ومع ذلك لا ينتهي .
ولذلك {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62673قال النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن : هو الذي لا تنقضي عجائبه } فلا يمكن الإنسان علم عدم النص الدال على نفي الحكم إلا إذا علم ذلك كله ، وهو مستحيل ، ولو فرض علمه به لغفل عنه في بعض الأوقات ، كما رووا أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - أنكر المغالاة في المهر حتى قالت له المرأة : كيف منعناه وقد أعطانا الله ثم قرأت : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=20وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } ولا شك أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - كان حافظا للآية عالما بها ، ولكن ذهبت عنه ذلك الوقت ، فعلم أن ذلك عسر جدا ، فكيف يصير قوله : " بحثت فلم أجد " دليلا ؟ ، وقد يكون علمه قليلا وفهمه ناقصا وقوله غير
[ ص: 39 ] مقبول ، فلعله وجد وكتم ، خوفا أو غيره . وفي تجويز ذلك فساد عظيم . انتهى ملخصا ، وقال
الحواري في النهاية " : بعض الفقهاء يتكايس ويقول : الدليل على أنه لا نص هاهنا أنه لو كان لعثر عليه صاحب المذهب مع مبالغته في البحث وعلمه بموارد النصوص .
والظاهر أنه إذا عثر على النص لا يخالفه . وهذا قريب ، لأنه لا يدعي نفي الحكم قطعا بل ظنا ، فيكفيه نفي الدليل ظاهرا إن تمسك بالقياس النافي للحكم .
مَسْأَلَةٌ إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=22166قَالَ الْفَقِيهُ : بَحَثْت وَفَحَصْت فَلَمْ أَظْفَرْ بِالدَّلِيلِ ، هَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ وَيَكُونُ الِاسْتِدْلَال بِعَدَمِ الدَّلِيلِ ؟ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13926الْبَيْضَاوِيُّ : نَعَمْ ، لِأَنَّهُ يَغْلِبُ ظَنُّ عَدَمِهِ . وَقَالَ
ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ " : إنْ صَدَرَ هَذَا عَنْ الْمُجْتَهِدِ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ وَالْفَتْوَى قُبِلَ مِنْهُ ، أَوْ فِي مَحَلِّ الْمُنَاظَرَةِ لَا يُقْبَلْ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : " بَحَثَتْ فَلَمْ أَظْفَرْ " يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عُذْرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، أَمَّا انْتِهَاضُهُ فِي حَقِّ
[ ص: 38 ] خَصْمِهِ فَلَا ، لِأَنَّهُ يَدْعُو نَفْسَهُ إلَى مَذْهَبِ خَصْمِهِ . وَقَوْلُهُ " لَمْ أَظْفَرْ بِهِ " إظْهَارُ عَجْزٍ وَلَا يَحْسُنُ قَبُولُهُ فَيَجِبُ عَلَى خَصْمِهِ إظْهَارُ الدَّلِيلِ إنْ كَانَ . وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ حَاصِلٌ مَا ذَكَرَهُ
إلْكِيَا ، عَلَى طُولٍ فِيهِ ، بَعْدَ أَنْ قَيَّدَ الْجَوَازَ عَدَمُ التَّعَلُّقِ بِالدَّلِيلِ بِشَرْطِ الْإِحَاطَةِ بِمَآخِذِ الْأَدِلَّةِ إمَّا مِنْ جِهَةِ الْعِبَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَى مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ } فَجَعَلَ عَدَمَ الْوَحْيِ فِي الْأَمْرِ دَلِيلًا ، إذْ هُوَ عَالِمٌ بِالْعَدَمِ .
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ اشْتَهَرَتْ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ، يَسْتَدِلُّونَ بِهَا فِي مَسَائِلَ لَا تُحْصَى فِي طُرُقِ النَّفْيِ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : هَذَا الْحُكْمُ غَيْرُ ثَابِتٍ ، لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَثَبَتَ بِدَلِيلٍ ، وَلَا دَلِيلَ لِأَنَّهُ إمَّا نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ أَوْ قِيَاسٌ ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَنْ نَصٍّ لَنُقِلَ وَلَمْ يُنْقَلْ وَلَوْ نُقِلَ لَعَرَفْنَاهُ بَعْدَ الْبَحْثِ وَالْفَحْصِ التَّامِّ وَالْإِجْمَاعُ مُنْتَفٍ لِوُجُودِ الْخِلَافِ بَيْنَنَا ، وَالْقِيَاسُ مُنْتَفٍ لِقِيَامِ الْفَارِقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ قِيَاسُ عِلَّةِ الْخَصْمِ . وَنَازَعَ
الْقَاضِي نَجْمُ الدِّينِ الْقُدْسِيُّ صَاحِبُ الرُّكْنِ الطَّاوُسِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُصُولِ " بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى جَمِيعِ النُّصُوصِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، ثُمَّ إلَى مَعْرِفَةِ جَمِيعِ وُجُوهِ الدَّلَالَات . وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُسْتَطَاعُ لِلْبَشَرِ . وَأَسْرَارُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ ، وَمَظَانُّهَا دَقِيقَةٌ ، وَعُقُولُ النَّاسِ فِي فَهْمِهَا مُخْتَلِفَةٌ ، حَتَّى إنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْآيَةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ مُجَلَّدَاتٍ كَثِيرَةً فِي فَوَائِدِهَا وَدَلَالَتِهَا ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَنْتَهِي .
وَلِذَلِكَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62673قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ : هُوَ الَّذِي لَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ } فَلَا يُمْكِنُ الْإِنْسَانُ عِلْمَ عَدَمِ النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ إلَّا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ كُلَّهُ ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ ، وَلَوْ فُرِضَ عِلْمُهُ بِهِ لَغَفَلَ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ، كَمَا رَوَوْا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْكَرَ الْمُغَالَاةَ فِي الْمَهْرِ حَتَّى قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ : كَيْفَ مُنِعْنَاهُ وَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ ثُمَّ قَرَأْت : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=20وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا } وَلَا شَكَّ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ حَافِظًا لِلْآيَةِ عَالِمًا بِهَا ، وَلَكِنْ ذَهَبَتْ عَنْهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ ، فَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ عَسِرٌ جِدًّا ، فَكَيْفَ يَصِيرُ قَوْلُهُ : " بَحَثْتُ فَلَمْ أَجِدْ " دَلِيلًا ؟ ، وَقَدْ يَكُونُ عِلْمُهُ قَلِيلًا وَفَهْمُهُ نَاقِصًا وَقَوْلُهُ غَيْرُ
[ ص: 39 ] مَقْبُولٍ ، فَلَعَلَّهُ وَجَدَ وَكَتَمَ ، خَوْفًا أَوْ غَيْرَهُ . وَفِي تَجْوِيزِ ذَلِكَ فَسَادٌ عَظِيمٌ . انْتَهَى مُلَخَّصًا ، وَقَالَ
الْحَوَارِيُّ فِي النِّهَايَةِ " : بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَتَكَايَسُ وَيَقُولُ : الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا نَصَّ هَاهُنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَعَثَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ مَعَ مُبَالَغَتِهِ فِي الْبَحْثِ وَعِلْمِهِ بِمَوَارِدِ النُّصُوصِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا عَثَرَ عَلَى النَّصِّ لَا يُخَالِفُهُ . وَهَذَا قَرِيبٌ ، لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي نَفْيَ الْحُكْمِ قَطْعًا بَلْ ظَنًّا ، فَيَكْفِيهِ نَفْيُ الدَّلِيلِ ظَاهِرًا إنْ تَمَسَّكَ بِالْقِيَاسِ النَّافِي لِلْحُكْمِ .