شرع من قبلنا ويشتمل على مسألتين . إحداهما :
nindex.php?page=treesubj&link=22124_22123فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم [ متعبدا به ] قبل البعثة : وقد اختلفوا في ذلك على مذاهب : أحدها : أنه كان متعبدا بشرع قطعا ، ثم اختلفوا : فقيل : كان على شريعة
آدم عليه السلام ، لأنه أول الشرائع . وقيل :
نوح ، لقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا } قيل :
إبراهيم ، لقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=68إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه } ، وحكاه
الرافعي في " كتاب السير " عن صاحب البيان " وأقره ، وقال
الواحدي : إنه الصحيح ، قال
ابن القشيري في المرشد " وعزي
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16392الأستاذ أبو منصور :
[ ص: 40 ] وبه نقول ، وحكاه صاحب المصادر " عن أكثر أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وإليه أشار
أبو علي الجبائي . وقيل : على شريعة
موسى . وقيل :
عيسى ، لأنه أقرب الأنبياء إليه . ولأنه الناسخ المتأخر . وبه جزم
الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني فيما حكاه
الواحدي عنه . لكن قال
ابن القشيري في المرشد " : ميل
الأستاذ أبي إسحاق إلى أن نبينا
محمدا صلى الله عليه وسلم كان على شرع من الشرائع ولا يقال كان من أمة ذاك النبي كما يقال كان على شرعه . انتهى .
وقيل : كان متعبدا بشريعة كل من كان قبله إلا ما نسخ واندرس ، حكاه صاحب الملخص " . وقيل : يتعبد لا ملتزما دينا واحدا من المذكورين ، حكاه
النووي - رحمه الله تعالى - في زوائد الروضة " . وقيل : كان متعبدا بشرع ولكنا لا ندري بشرع من تعبد ، حكاه
ابن القشيري . والمذهب الثاني : أنه لم يكن قبل البعثة متعبدا بشيء منها قطعا ، وحكاه في المنخول " عن إجماع
المعتزلة . وقال القاضي في مختصر التقريب "
وابن القشيري : هو الذي صار إليه جماهير
المتكلمين . ثم اختلفوا فقالت
المعتزلة بإحالة ذلك عقلا ، إذ لو تعبد باتباع أحد لكان عصى من
[ ص: 41 ] مبعثه ، بل كان على شريعة العقل . قال
ابن القشيري : وهذا باطل إذ ليس للعقل شريعة . وذهبت عصبة أهل الحق إلى أنه لم يقع ولكنه ممتنع عقلا . قال
القاضي : وهذا نرتضيه وننصره ، لأنه لو كان على دين لنقل ، ولذكره عليه السلام ، إذ لا يظن به الكتمان .
وعارض ذلك
إمام الحرمين وقال : لو لم يكن على دين أصلا لنقل ، فإن ذلك أبعد عن المعتاد مما ذكره
القاضي قال : فقد تعارض الأمران ، والوجه أن يقال : كانت العادة انخرقت في أمور الرسول عليه الصلاة والسلام ، منها انصراف هم الناس عن أمر دينه والبحث عنه . والمذهب الثالث : التوقف ، وبه قال
إمام الحرمين وابن القشيري وإلكيا والآمدي والشريف المرتضى في الذريعة " واختاره
النووي في الروضة " إذ ليس فيه دلالة عقل ، ولا ثبت فيه نص ولا إجماع . وقال
ابن القشيري في المرشد " : كل هذه أقوال متعارضة ، وليس فيها دلالة قاطعة ، والعقل يجوز ذلك ، لكن أين السمع فيه . ثم
الواقفية انقسموا : فقيل : نعلم أنه كان متعبدا ونتوقف في عين ما كان متعبدا به . ومنهم من توقف في الأصل ، فجوز أن يكون وألا يكون . تنبيهات الأول : الخلاف في الفروع . أما
nindex.php?page=treesubj&link=22124_22123في الأصول فدين الأنبياء كلهم واحد ، على التوحيد ومعرفة الله وصفاته . الثاني : قال
العراقي في شرح التنقيح " : المختار في هذه المسألة أن يقال : متعبد ( بكسر الباء ) على أنه اسم فاعل ، أي إنه عليه السلام كان كما قيل في سيرته : ينظر إلى ما عليه الناس فيجدهم على طريقة لا تليق بصانع العالم ، فكان يخرج إلى
غار حراء يتعبد ، حتى بعثه الله .
أما ( بفتحها )
[ ص: 42 ] فيقتضي أن الله تعالى تعبده بشريعة سابقة ، وذلك يأباه حكايتهم الخلاف ، هل كان متعبدا بشريعة
موسى أو
عيسى ؟ فإن شرائع
بني إسرائيل لم تتعد إلى
بني إسماعيل ، بل كان كل نبي بين
موسى وعيسى يبعث إلى قومه فلا تتعدى رسالته قومه . حتى نقل المفسرون أن
موسى عليه السلام لم يبعث إلى أهل
مصر بل
لبني إسرائيل وليأخذهم من القبط من يد
فرعون ، ولذلك لما جاوز البحر لم يرجع إلى
مصر لتعم فيها شريعته ، بل أعرض عنهم إعراضا كليا . وحينئذ لا يكون الله تعالى تعبد نبينا
محمدا صلى الله عليه وسلم بشريعتهما ألبتة ، فبطل قولنا أنه كان متعبدا ( بفتح الباء ) ، بل ( بكسرها ) . وهذا بخلاف ما بعد نبوته ، فإن الله تعالى تعبده بشرع من قبله على الخلاف ، بنصوص خاصة ، فيستقيم الفتح بعد النبوة دون ما قبلها . وكلام
الآمدي يقتضي خلاف ذلك ، فإنه قال : غير مستبعد في العقول أن يعلم الله تعالى مصلحة شخص معين في تكليفه شريعة من قبله ، وهذا يقتضي ( فتح الباء ) . ولم نر لغيره تعرضا لذلك .
قلت : قد وقع ذلك في عبارة غيره ، كما سبق . الثالث : قال
إمام الحرمين هذه المسألة لا يظهر لها فائدة ، بل تجري مجرى التواريخ المنقولة . ووافقه
المازري والإبياري وغيرهما ويمكن أن يظهر في إطلاق النسخ على ما تعبد به بورود شريعته المؤيدة .
شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا وَيَشْتَمِلُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ . إحْدَاهُمَا :
nindex.php?page=treesubj&link=22124_22123فِيمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ مُتَعَبِّدًا بِهِ ] قَبْلَ الْبَعْثَةِ : وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى مَذَاهِبَ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعٍ قَطْعًا ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا : فَقِيلَ : كَانَ عَلَى شَرِيعَةِ
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ الشَّرَائِعِ . وَقِيلَ :
نُوحٌ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا } قِيلَ :
إبْرَاهِيمُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=68إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ } ، وَحَكَاهُ
الرَّافِعِيُّ فِي " كِتَابِ السِّيَرِ " عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ " وَأَقَرَّهُ ، وَقَالَ
الْوَاحِدِيُّ : إنَّهُ الصَّحِيحُ ، قَالَ
ابْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي الْمُرْشِدِ " وَعُزِّيَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790لِلشَّافِعِيِّ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16392الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ :
[ ص: 40 ] وَبِهِ نَقُولُ ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ " عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ
أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ . وَقِيلَ : عَلَى شَرِيعَةِ
مُوسَى . وَقِيلَ :
عِيسَى ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْأَنْبِيَاءِ إلَيْهِ . وَلِأَنَّهُ النَّاسِخُ الْمُتَأَخِّرُ . وَبِهِ جَزَمَ
الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فِيمَا حَكَاهُ
الْوَاحِدِيُّ عَنْهُ . لَكِنْ قَالَ
ابْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي الْمُرْشِدِ " : مَيْلُ
الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ إلَى أَنَّ نَبِيَّنَا
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى شَرْعٍ مِنْ الشَّرَائِعِ وَلَا يُقَالُ كَانَ مِنْ أُمَّةِ ذَاكَ النَّبِيِّ كَمَا يُقَالُ كَانَ عَلَى شَرْعِهِ . انْتَهَى .
وَقِيلَ : كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرِيعَةِ كُلِّ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ إلَّا مَا نُسِخَ وَانْدَرَسَ ، حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُلَخَّصِ " . وَقِيلَ : يَتَعَبَّدُ لَا مُلْتَزِمًا دِينًا وَاحِدًا مِنْ الْمَذْكُورِينَ ، حَكَاهُ
النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ " . وَقِيلَ : كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعٍ وَلَكِنَّا لَا نَدْرِي بِشَرْعِ مَنْ تَعَبَّدَ ، حَكَاهُ
ابْنُ الْقُشَيْرِيّ . وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ مُتَعَبِّدًا بِشَيْءٍ مِنْهَا قَطْعًا ، وَحَكَاهُ فِي الْمَنْخُولِ " عَنْ إجْمَاعِ
الْمُعْتَزِلَةِ . وَقَالَ الْقَاضِي فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ "
وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ : هُوَ الَّذِي صَارَ إلَيْهِ جَمَاهِيرُ
الْمُتَكَلِّمِينَ . ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَتْ
الْمُعْتَزِلَةُ بِإِحَالَةِ ذَلِكَ عَقْلًا ، إذْ لَوْ تَعَبَّدَ بِاتِّبَاعِ أَحَدٍ لَكَانَ عَصَى مِنْ
[ ص: 41 ] مَبْعَثِهِ ، بَلْ كَانَ عَلَى شَرِيعَةِ الْعَقْلِ . قَالَ
ابْنُ الْقُشَيْرِيّ : وَهَذَا بَاطِلٌ إذْ لَيْسَ لِلْعَقْلِ شَرِيعَةٌ . وَذَهَبَتْ عُصْبَةُ أَهْلِ الْحَقِّ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ وَلَكِنَّهُ مُمْتَنِعٌ عَقْلًا . قَالَ
الْقَاضِي : وَهَذَا نَرْتَضِيهِ وَنَنْصُرُهُ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى دَيْنٍ لَنُقِلَ ، وَلَذَكَرَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، إذْ لَا يُظَنُّ بِهِ الْكِتْمَانُ .
وَعَارَضَ ذَلِكَ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ : لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينٍ أَصْلًا لَنُقِلَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ عَنْ الْمُعْتَادِ مِمَّا ذَكَرَهُ
الْقَاضِي قَالَ : فَقَدْ تَعَارَضَ الْأَمْرَانِ ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ : كَانَتْ الْعَادَةُ انْخَرَقَتْ فِي أُمُورِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، مِنْهَا انْصِرَافُ هَمِّ النَّاسِ عَنْ أَمْرِ دِينِهِ وَالْبَحْثِ عَنْهُ . وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ : التَّوَقُّفُ ، وَبِهِ قَالَ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيِّ وَإِلْكِيَا وَالْآمِدِيُّ وَالشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى فِي الذَّرِيعَةِ " وَاخْتَارَهُ
النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ " إذْ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةُ عَقْلٍ ، وَلَا ثَبَتَ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ . وَقَالَ
ابْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي الْمُرْشِدِ " : كُلُّ هَذِهِ أَقْوَالٌ مُتَعَارِضَةٌ ، وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ قَاطِعَةٌ ، وَالْعَقْلُ يُجَوِّزُ ذَلِكَ ، لَكِنْ أَيْنَ السَّمْعُ فِيهِ . ثُمَّ
الْوَاقِفِيَّةُ انْقَسَمُوا : فَقِيلَ : نَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ مُتَعَبَّدًا وَنَتَوَقَّفُ فِي عَيْنِ مَا كَانَ مُتَعَبِّدًا بِهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ فِي الْأَصْلِ ، فَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ وَأَلَّا يَكُونَ . تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ : الْخِلَافُ فِي الْفُرُوعِ . أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=22124_22123فِي الْأُصُولِ فَدِينُ الْأَنْبِيَاءِ كُلُّهُمْ وَاحِدٌ ، عَلَى التَّوْحِيدِ وَمَعْرِفَةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ . الثَّانِي : قَالَ
الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ " : الْمُخْتَارُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ : مُتَعَبِّدٌ ( بِكَسْرِ الْبَاءِ ) عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ ، أَيْ إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ كَمَا قِيلَ فِي سِيرَتِهِ : يَنْظُرُ إلَى مَا عَلَيْهِ النَّاسُ فَيَجِدُهُمْ عَلَى طَرِيقَةٍ لَا تَلِيقُ بِصَانِعِ الْعَالَمِ ، فَكَانَ يَخْرُجُ إلَى
غَارِ حِرَاءَ يَتَعَبَّدُ ، حَتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ .
أَمَّا ( بِفَتْحِهَا )
[ ص: 42 ] فَيَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَعَبَّدَهُ بِشَرِيعَةٍ سَابِقَةٍ ، وَذَلِكَ يَأْبَاهُ حِكَايَتُهُمْ الْخِلَافَ ، هَلْ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرِيعَةِ
مُوسَى أَوْ
عِيسَى ؟ فَإِنَّ شَرَائِعَ
بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ تَتَعَدَّ إلَى
بَنِي إسْمَاعِيلَ ، بَلْ كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ بَيْنَ
مُوسَى وَعِيسَى يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ فَلَا تَتَعَدَّى رِسَالَتُهُ قَوْمَهُ . حَتَّى نَقَلَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُبْعَثْ إلَى أَهْلِ
مِصْرَ بَلْ
لِبَنِي إسْرَائِيلَ وَلِيَأْخُذَهُمْ مِنْ الْقِبْطِ مِنْ يَدِ
فِرْعَوْنَ ، وَلِذَلِكَ لَمَّا جَاوَزَ الْبَحْرَ لَمْ يَرْجِعْ إلَى
مِصْرَ لِتَعُمَّ فِيهَا شَرِيعَتُهُ ، بَلْ أَعْرَضَ عَنْهُمْ إعْرَاضًا كُلِّيًّا . وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ اللَّهُ تَعَالَى تَعَبَّدَ نَبِيَّنَا
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيعَتِهِمَا أَلْبَتَّةَ ، فَبَطَلَ قَوْلُنَا أَنَّهُ كَانَ مُتَعَبِّدًا ( بِفَتْحِ الْبَاءِ ) ، بَلْ ( بِكَسْرِهَا ) . وَهَذَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ نُبُوَّتِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَعَبَّدَهُ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى الْخِلَافِ ، بِنُصُوصٍ خَاصَّةٍ ، فَيَسْتَقِيمُ الْفَتْحُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ دُونَ مَا قَبْلَهَا . وَكَلَامُ
الْآمِدِيَّ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ قَالَ : غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ فِي الْعُقُولِ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى مَصْلَحَةَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فِي تَكْلِيفِهِ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَهُ ، وَهَذَا يَقْتَضِي ( فَتْحَ الْبَاءِ ) . وَلَمْ نَرَ لِغَيْرِهِ تَعَرُّضًا لِذَلِكَ .
قُلْت : قَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ ، كَمَا سَبَقَ . الثَّالِثُ : قَالَ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يَظْهَرُ لَهَا فَائِدَةٌ ، بَلْ تَجْرِي مَجْرَى التَّوَارِيخِ الْمَنْقُولَةِ . وَوَافَقَهُ
الْمَازِرِيُّ وَالْإِبْيَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَظْهَرَ فِي إطْلَاقِ النَّسْخِ عَلَى مَا تَعَبَّدَ بِهِ بِوُرُودِ شَرِيعَتِهِ الْمُؤَيِّدَةِ .