[ ص: 95 ] الاستحسان وقد نوزع في ذكره في جملة الأدلة بأن الاستحسان العقلي لا مجال له في الشرع ، والاستحسان الشرعي لا يخرج عما ذكرناه ، فما وجه ذكره ؟ وهو لغة : اعتماد الشيء حسنا ، سواء كان علما أو جهلا ، ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي :
nindex.php?page=treesubj&link=22148_22149_22150_22147القول بالاستحسان باطل ، فإنه لا ينبئ عن انتحال مذهب بحجة شرعية ، وما اقتضته الحجة الشرعية هو الدين سواء استحسنه نفسه أم لا . ونسب القول به إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وعن أصحابه أنه أحد القياسين ، وقد حكاه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=15211وبشر المريسي . قال
الماوردي : وأنكر أصحابه ما حكى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عنه ، ونسبه
إمام الحرمين إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وأنكره
nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي وقال : ليس معروفا من مذهبه . وقد أنكره الجمهور ، حتى قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : " من استحسن فقد شرع " . وهي من محاسن كلامه . قال
الروياني : ومعناه أن ينصب من جهة نفسه شرعا غير شرع
المصطفى .
[ ص: 96 ] قال أصحابنا : ومن شرع فقد كفر . وسكت
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن المقدمة الثانية لوضوحها . قال
السنجي في شرح التلخيص " : مراده لو جاز الاستحسان بالرأي على خلاف الدليل لكان هذا بعث شريعة أخرى على خلاف ما أمر الله ، والدليل عليه أن أكثر الشريعة مبني على خلاف العادات ، وعلى أن النفوس لا تميل إليها . ولهذا قال عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18128حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات } وحينئذ فلا يجوز استحسان ما في العادات على خلاف الدليل . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " الرسالة " : الاستحسان تلذذ ، ولو جاز لأحد الاستحسان في الدين جاز ذلك لأهل العقول من غير أهل العلم ، ولجاز أن يشرع في الدين في كل باب ، وأن يخرج كل واحد لنفسه شرعا ، وأي استحسان في سفك دم امرئ مسلم . وأشار بذلك إلى إيجاب الحد على المشهود عليه بالزنى في الزوايا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : القياس أنه لا رجم عليه ولكنا نرجمه استحسانا . وقال في آخر " الرسالة " : " تلذذ " وإنما قال ذلك لأنه قد اشتهر عنهم أن المراد به حكم المجتهد بما يقع في خاطره من غير دليل . وقال
ابن القطان : قد كان أهل
العراق على طريقة في القول بالاستحسان ، وهو ما استحسنته عقولهم وإن لم يكن على أصل ، فقالوا به في كثير من مسائلهم حتى قالوا في الجزاء : إن القياس أن فيه القيمة ، والاستحسان : شاة ، وقالوا في الشهود بالزوايا : الحد استحسانا . قال : وقد تكلم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحابه عن بطلانه بقوله عليه السلام ، حين بعث
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا ودله على الاجتهاد عند فقد النص ، ولم يذكر له الاستحسان . وقد نهى الله عن اتباع الهوى وممن أنكروا الاستحسان من الحنفية
الطحطاوي ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم .
[ ص: 97 ] واعلم أنه إذا حرر المراد بالاستحسان زال التشنيع ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة بريء إلى الله من إثبات حكم بلا حجة . قال
الفارض المعتزلي في النكت " : وقد جرت لفظة ( الاستحسان )
nindex.php?page=showalam&ids=12444لإياس بن معاوية ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ولمالك بن أنس في كتابه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي في مواضع . انتهى . وعن
ابن القاسم ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : تسعة أعشار العلم الاستحسان . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12322أصبغ بن الفرج : الاستحسان في العلم يكون أبلغ من القياس . ذكره في كتاب أمهات الأولاد من " المستخرجة " نقله
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في الأحكام " . وقال
الباجي : ذكر
محمد بن خويز منداد معنى الاستحسان الذي ذهب إليه أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : هو القول بأقوى الدليلين ، كتخصيص بيع العرايا من بيع الرطب بالتمر ، وتخصيص الرعاف دون القيء بالبناء ، للحديث فيه ، وذلك لأنه لو لم ترد سنة بالبناء في الرعاف لكان في حكم القيء في أنه لا يصح البناء ، لأن القياس يقتضي تتابع الصلاة ، فإذا وردت السنة في الرخصة بترك التتابع في بعض المواضع صرنا إليه ، وأبقينا الباقي على الأصل . قال : وهذا الذي ذهب إليه هو الدليل ، فإن سماه استحسانا فلا مشاحة في التسمية . انتهى .
[ ص: 98 ] وقال
الإبياري : الذي يظهر من مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك القول بالاستحسان ، لا على ما سبق ، بل حاصله استعمال مصلحة جزئية في مقابلة قياس كلي ، فهو يقدم الاستدلال المرسل على القياس . ومثاله : لو
nindex.php?page=treesubj&link=21704_22150_22149اشترى سلعة بالخيار ثم مات وله ورثة . فقيل : يرد ، وقيل : يختار الإمضاء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب : القياس الفسخ ، ولكنا نستحسن إن أراد الإمضاء أن يأخذ من لم يمض إذا امتنع البائع من قبول نصيب الراد . وقال
ابن القاسم : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك : لم يقض بالشاهد واليمين في جراح العمد وليس بمال ؟ فقال : إنه لشيء استحسناه . والظاهر أنه قاسه على الأموال .
وقال بعض محققي المالكية : بحثت عن موارد الاستحسان في مذهبنا فإذا هو يرجع إلى ترك الدليل بمعارضة ما يعارضه بعض مقتضاه ، كترك الدليل للعرف في رد الأيمان إلى العرف أو المصالحة ، كما في
nindex.php?page=treesubj&link=21661_22147تضمين الأجير المشترك ، ولإجماع أهل
المدينة كما في إيجاب غرم القيمة على من قط ذنب بغلة الحاكم ، أو في اليسير ، كرفع المشقة وإيثار التوسعة كما جاز التفاضل اليسير في المراطلة ، وإجازة بيع وصرف في اليسير . وقال بعضهم : هو معنى ليس في سلوكه إبطال القواعد ، ولا يجري عليها جريا مخلصا ، كما في مسألة خيار الرؤية . وقال
ابن السمعاني : إن كان الاستحسان هو القول بما يستحسنه الإنسان ويشتهيه من غير دليل فهو باطل ، ولا أحد يقول به . ثم حكى كلام
أبي زيد أنه اسم لضرب دليل يعارض القياس الجلي ، حتى كان القياس غير الاستحسان على سبيل المعارضة ، وكأنهم سموه بهذا الاسم لاستحسانهم ترك القياس أو الوقوف عن العمل به بدليل آخر فوقه في المعنى المؤثر أو مثله ، ولم يكن لهم من هذه التسمية إلا التمييز بين حكم الأصل الذي يبنى على الأصل قياسا ، والذي قال استحسانا وهذا كما ميز أهل النحو بين وجوه
[ ص: 99 ] النصب فقالوا : هذا نصب على الظرف ، وهذا نصب على المصدر . ثم نبه
ابن السمعاني على أن الخلاف بيننا وبينهم لفظي ، فإن تفسير الاستحسان بما يشنع عليهم لا يقولون به .
والذي يقولون به إنه العدول في الحكم من دليل إلى دليل هو أقوى منه . فهذا مما لم ينكره . لكن هذا الاسم لا نعرفه اسما لما يقال به بمثل هذا الدليل . وقريب منه قول
القفال : إن كان المراد بالاستحسان ما دل عليه الأصول لمعانيها فهو حسن ، لقيام الحجة له وتحسين الدلائل ، فهذا لا ننكره ونقول به . وإن كان ما يقبح في الوهم من استقباح الشيء واستحسانه بحجة دلت عليه من أصل ونظير فهو محظور والقول به غير سائغ . وقال
السنجي :
nindex.php?page=treesubj&link=22147الاستحسان كلمة يطلقها أهل العلم ، وهي على ضربين : أحدهما : واجب بالإجماع ، وهو أن يقدم الدليل الشرعي أو العقلي على حسنه ، كالقول بحدوث العالم ، وقدم المحدث ، وبعثه الرسل وإثبات صدقهم ، وكون المعجزة حجة عليهم ، ومثل مسائل الفقه ، لهذا الضرب يجب تحسينه ، لأن الحسن ما حسنه الشرع ، والقبح ما قبحه . والثاني : أن يكون على مخالفة الدليل مثل أن يكون الشيء محظورا بدليل شرعي وفي عادات الناس إباحته ، ويكون في الشرع دليل يغلظه ، وفي عادات الناس التخفيف ، فهذا عندنا يحرم القول به ويجب اتباع الدليل وترك العادة والرأي . وسواء كان ذلك الدليل نصا أو إجماعا أو قياسا . وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه إلى أن ذلك الدليل إن كان خبر واحد أو قياسا استحسن تركهما والأخذ بالعادات ، كقوله في خبر المتبايعين : أرأيت لو كانا في سفينة ، فرد الخبر بالاستحسان وعادة الناس . وكقوله في
nindex.php?page=treesubj&link=22147شهود الزوايا . انتهى .
[ ص: 100 ] إذا علمت هذا فاعلم أنه قد اختلفت الحنفية في
nindex.php?page=treesubj&link=22149_22147حقيقة الاستحسان على أقوال : أحدها : أنه العمل بأقوى القياسين : وعلى هذا يرتفع الخلاف ، كما قال
الماوردي والروياني ، لأنا نوافقهم عليه ، لأنه الأحسن . والثاني : أنه تخصيص العلة ، كما خص خروج الجص والنورة من علة الربا في البر وإن كان مكيلا ، وجزم به صاحب " العنوان " . قال شارحه : وفي حصره في هذا المعنى نظر عندي ، وعلى هذا التفسير قال
القفال والماوردي : نحن نخالفهم بناء على أنه لا يجوز تخصيص العلة عندنا . قال
ابن الصباغ : ولو كان هذا التخصيص لما جاز تركه إلى القياس ، كما لا يجوز التمسك بالعام مع قيام دليل المخصص . الثالث : أنه ترك أقوى القياسين بأضعفهما إذا كان حتما ، كما قال في شهود الزنى : القياس أنه لا يحد ، ولكن أحده استحسانا .
قال
الماوردي والروياني : وهو بهذا التفسير يخالف فيه ، لأن أقوى القياسين عندنا أحسن من أضعفهما ، ولأن في مسألة الزوايا لا قياس أصلا ولا خبرا . الرابع : أنه تخصيص القياس بالسنة ، حكاه
القاضي الحسين ، ولأجله قال
إمام الحرمين أنهم ربما يسندون لما يرونه إلى خبر ، كمصيرهم إلى أن الناسي بالأكل لا يفطر ، لخبر
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . الخامس : قال
إلكيا : وهو أحسن ما قيل في تفسيره ، ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15071أبو الحسن الكرخي أنه قطع المسائل عن نظائرها لدليل خاص يقتضي العدول عن الحكم الأول فيه إلى الثاني ، سواء كان قياسا أو نصا ، يعني أن المجتهد يعدل عن الحكم من مسألة بما يحكم في نظائرها إن الحكم بخلافه ، لوجه
[ ص: 101 ] يقتضي العدول عنه ، كتخصيص
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة قول القائل : ما لي صدقة على الزكاة . فإن هذا القول منه عام في التصديق بجميع ماله .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : يختص بمال الزكاة ، لقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خذ من أموالهم صدقة } والمراد من الأموال المضافة إليهم أموال الزكاة ، فعدل عن الحكم في مسألة المال الذي ليس هو بزكوي بما حكم به في نظائرها من الأموال الزكوية إلى خلاف ذلك الحكم ، لدليل اقتضى العدول وهو الآية . وقال
عبد الوهاب : هو قول المحصلين من الحنفية ، قال : ويجب أن يكون هو الذي قال به أصحابنا ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب : يجب أن يكون ذلك الدليل أقوى من القياس الذي اقتضى إلحاقها بنظائرها ، لأنه لا يجوز ترك القياس ولا غيره من الأدلة إلا لما هو أقوى منه ، وحينئذ فيكون مذهبه كله استحسانا ، لأنه عدول بالخاص عن بقية أفراد العام لدليل . وحكى
ابن القطان عن
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي أنه فسره بأدق القياسين . وقال في المنخول " : الصحيح في ضبطه قول
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي . وقد قسمه أربعة أقسام : أحدها : اتباع الحديث وترك القياس ، كما فعلوا في مسألة القهقهة ونبيذ التمر . الثاني : اتباع قول الصحابي إذا خالف القياس ، كما قالوا في أجرة العبد الآبق بأربعين ، اتباعا
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس . الثالث : اتباع العادة المطردة ، كالمعاطاة ، فإن استمرارها يشهد بصحة نقلها خلفا عن سلف ، ويغلب على الظن أنه في عصر الرسول .
الرابع : اتباع معنى خفي هو أخص بالمقصود ، كما في إيجاب الحد بشهود الزوايا ، لإمكان أن يكون فعلة واحدة كأن يزحف فيها . قال
الغزالي :
nindex.php?page=treesubj&link=22147_22083وتقديم الخبر على القياس وجب عندنا ، لكن الخبر الصحيح . وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=10284_22147_22083قول الصحابي إذا خالف القياس يتبع عندنا . وأما أن الأعصار .
[ ص: 102 ] لا تتفاوت فمردود ، لأن العقود الفاسدة في الكثرة حدثت بعد عصر الصحابة
والسلف . فأما المعنى الخفي إذا كان أخص فهو متبع . ولكن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة لم يكتف بموجبه حتى أتى بالعجب فقال : يجب الحد على من شهد عليه أربعة بالزنى أربع زوايا ، كل واحد يشهد على زاوية . قال : ولعله كان يتزحف في زنية واحدة . وأي استحسان في سفك دم امرئ مسلم بهذا الخيال . انتهى . وقضية كلام
الرافعي أن الخلاف في الثالث ، فقال : المنقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أنه يتبع ما استحسن بالعادة ويترك الكتاب والسنة المتواترة . ومثله بشهود الزنى . انتهى . وذكر
أبو بكر محمد بن أحمد البلعمي الحنفي في كتاب الغرر في الأصول " أنه تعليق الحكم بالمعنى الخفي قال : ولا عيب إذن في إطلاقه ، بل العيب على من جهل حقيقته وقال به من حيث عيب عن قائله . قال : وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14330أبو بكر الرازي في كتابه قال : حدثني بعض قضاة
مدينة السلام ممن كان يلي القضاء في زمان
المستعين بالله ، قال : سمعت
إبراهيم بن جابر ، وكان رجلا كثير العلم ، صنف في اختلاف الفقهاء ، وكان يقول بنفي القياس بعد أن أثبته .
قلت له : ما الذي أوجب عندك القول بنفي القياس بعد القول به ؟ قال : قرأت كتاب إبطال الاستحسان "
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ، فرأيته صحيحا في معناه ، إلا أن جميع ما احتج به هو بعينه يبطل القياس ، وصح به عندي بطلانه . قال : فهذه حكاية تنادي على الخصم أنه يقول بما يعود عليه بالنقض .
قلت : إن كان الاستحسان كما نقول فهو نوع من القياس ، فلا وجه لتسميتك به باسم آخر . ولئن قلت : لا مشاحة في الاصطلاح قلنا : هنا يوهم أنه دليل غير القياس ، فقل : هو قياس في المعنى . وله اسم آخر في
[ ص: 103 ] اللفظ ، وهو أحد أنواع القياس ، وحينئذ فيرتفع الخلاف . السادس : أنه دليل ينقدح في نفس المجتهد تقتصر عنه عبارته ، فلا يقدر أن يتفوه به . قال
الغزالي رحمه الله : وهذا هو بين ، لأن ما يقدر على التعبير عنه لا يدري هو وهم أو تحقيق .
ورد عليه
nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي : بأن ما يحصل في النفس من مجموع قرائن الأقوال من علم أو ظن ، لا يتأتى عن دليله عبارة مطابقة له . ثم لا يلزم من الاختلال بالعبارة الإخلال بالمعبر عنه ، فإن تصحيح المعاني بالعلم اليقيني لا بالنطق اللفظي ، قال : ويظهر لي أن هذا أشبه ما يفسر به الاستحسان .
قلت : وعلى هذا ينبغي أن يتمسك به المجتهد فيما غلب على ظنه . أما المناظر فلا يسمع منه ، بل لا بد من بيانه ليظهر خطؤه من صوابه . وقال
الخوارزمي في " الكافي " : ينبغي أن يكون هذا هو محل الخلاف ولا ينبغي أن يكون حجة ، إذ لا شاهد له . السابع : أنه مما يستحسنه المجتهد برأي نفسه وحديثه من غير دليل . وهذا هو ظاهر لفظ الاستحسان ، وهو الذي حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في تعليقه " ، قال : وأنكره أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وقال
الشيخ الشيرازي : إنه الذي يصح عنه . وإليه أشار
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بقوله : " من استحسن فقد شرع " .
وهذا مردود ، لأنه قول في الشريعة بمجرد التشهي ، ومخالف لقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=10وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } لكن الحنفية ينكرون هذا التفسير لما فيه من الشناعة .
قلت : وهو الصواب في النقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة . وفد صنف
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي كتابا في الأم " في الرد على
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة في الاستحسان ، وقال من جملته : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة لما رد خيار المجلس بين المتتابعين : أرأيت لو كانا في سفينة ، فترك الحديث الصحيح بهذا التخمين . وقال في مسألة شهود الزوايا : القياس أنهم قذفة يحدون وترد شهادتهم ، لكن استحسن قبولها .
[ ص: 104 ] ورجم المشهود عليه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى : وأي استحسان في قتل مسلمين ؟ ، وقال في
nindex.php?page=treesubj&link=10479_21700_22147الزوجين إذا تقاذفا ، قال لها : يا زانية ، فقالت : بل أنت زان ، لا حد ولا لعان ، لأني أستقبح أن ألاعن بينهما ثم أحدها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : وأقبح منه تعليل حكم الله عليهما . انتهى . وهذا صريح في أن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أن مراده بالاستحسان هذا ، فلا وجه لإنكار أصحابه ذلك . وقد احتج أصحابنا على بطلانه بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } إلى {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35ذلك خير وأحسن تأويلا } فجعل الأحسن ما كان كذلك ، وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=10وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } ولم يقل : إلى الاستحسان . ولأن القياس أقوى من الاستحسان بدليل جواز تخصيص العموم به دون الاستحسان ، فلم يجز أن يتقدم عليه الاستحسان . وقد استدل الخصم بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=18الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } ، وقوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34364ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن } ، ولأن المسلمين أجمعوا على أحكام عدلوا عن الأصول فيها إلى الاستحسان : ( منها ) دخول الواحد إلى الحمام ليستعمل ماء غير مقدر .
[ ص: 105 ] ويشتري المأكول بالمساومة من غير عقد يتلفظ به ، فدل على أن استحسان المسلمين حجة وإن لم يقترن بحجة . وأجاب أصحابنا عن الآية بأنها تتضمن الأخذ بالأحسن دون المستحسن ، وهو ما جاء به الكتاب والسنة لا غيرهما . والحديث موقوف على
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود . وعن الإجماع بأن المصير إليه بالإجماع لا بالاستحسان .
[ ص: 95 ] الِاسْتِحْسَانُ وَقَدْ نُوزِعَ فِي ذِكْرِهِ فِي جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ بِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ الْعَقْلِيَّ لَا مَجَالَ لَهُ فِي الشَّرْعِ ، وَالِاسْتِحْسَانُ الشَّرْعِيُّ لَا يَخْرُجُ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ ، فَمَا وَجْهُ ذِكْرِهِ ؟ وَهُوَ لُغَةً : اعْتِمَادُ الشَّيْءِ حَسَنًا ، سَوَاءٌ كَانَ عِلْمًا أَوْ جَهْلًا ، وَلِهَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=22148_22149_22150_22147الْقَوْلُ بِالِاسْتِحْسَانِ بَاطِلٌ ، فَإِنَّهُ لَا يُنَبِّئُ عَنْ انْتِحَالِ مَذْهَبٍ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ ، وَمَا اقْتَضَتْهُ الْحُجَّةُ الشَّرْعِيَّةُ هُوَ الدِّينُ سَوَاءٌ اسْتَحْسَنَهُ نَفْسُهُ أَمْ لَا . وَنَسَبَ الْقَوْلَ بِهِ إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ ، وَقَدْ حَكَاهُ عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15211وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ . قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَأَنْكَرَ أَصْحَابُهُ مَا حَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ عَنْهُ ، وَنَسَبَهُ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ ، وَأَنْكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14979الْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ : لَيْسَ مَعْرُوفًا مِنْ مَذْهَبِهِ . وَقَدْ أَنْكَرَهُ الْجُمْهُورُ ، حَتَّى قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : " مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ " . وَهِيَ مِنْ مَحَاسِنِ كَلَامِهِ . قَالَ
الرُّويَانِيُّ : وَمَعْنَاهُ أَنْ يَنْصِبَ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ شَرْعًا غَيْرَ شَرْعِ
الْمُصْطَفَى .
[ ص: 96 ] قَالَ أَصْحَابُنَا : وَمَنْ شَرَّعَ فَقَدْ كَفَرَ . وَسَكَتَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ عَنْ الْمُقَدَّمَةِ الثَّانِيَةِ لِوُضُوحِهَا . قَالَ
السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ " : مُرَادُهُ لَوْ جَازَ الِاسْتِحْسَانُ بِالرَّأْيِ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ لَكَانَ هَذَا بَعْثَ شَرِيعَةٍ أُخْرَى عَلَى خِلَافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ أَكْثَرَ الشَّرِيعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْعَادَاتِ ، وَعَلَى أَنَّ النُّفُوسَ لَا تَمِيلُ إلَيْهَا . وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18128حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ ، وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ } وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ اسْتِحْسَانُ مَا فِي الْعَادَاتِ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فِي " الرِّسَالَةِ " : الِاسْتِحْسَانُ تَلَذُّذٌ ، وَلَوْ جَازَ لِأَحَدٍ الِاسْتِحْسَانُ فِي الدِّينِ جَازَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْعُقُولِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَلَجَازَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الدِّينِ فِي كُلِّ بَابٍ ، وَأَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدِ لِنَفْسِهِ شَرْعًا ، وَأَيُّ اسْتِحْسَانٍ فِي سَفْكِ دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ . وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالزِّنَى فِي الزَّوَايَا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا رَجْمَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّا نَرْجُمُهُ اسْتِحْسَانًا . وَقَالَ فِي آخَرِ " الرِّسَالَةِ " : " تَلَذُّذٌ " وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ اشْتَهَرَ عَنْهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ حُكْمُ الْمُجْتَهِدِ بِمَا يَقَعُ فِي خَاطِرِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ . وَقَالَ
ابْنُ الْقَطَّانِ : قَدْ كَانَ أَهْلُ
الْعِرَاقِ عَلَى طَرِيقَةٍ فِي الْقَوْلِ بِالِاسْتِحْسَانِ ، وَهُوَ مَا اسْتَحْسَنَتْهُ عُقُولُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَصْلٍ ، فَقَالُوا بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِهِمْ حَتَّى قَالُوا فِي الْجَزَاءِ : إنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ فِيهِ الْقِيمَة ، وَالِاسْتِحْسَانُ : شَاةٌ ، وَقَالُوا فِي الشُّهُودِ بِالزَّوَايَا : الْحَدُّ اسْتِحْسَانًا . قَالَ : وَقَدْ تَكَلَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ عَنْ بُطْلَانِهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، حِينَ بَعَثَ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذًا وَدَلَّهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ عِنْدَ فَقْدِ النَّصِّ ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ الِاسْتِحْسَانَ . وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ اتِّبَاعِ الْهَوَى وَمِمَّنْ أَنْكَرُوا الِاسْتِحْسَانَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ
الطَّحْطَاوِيُّ ، حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ .
[ ص: 97 ] وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حُرِّرَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِحْسَانِ زَالَ التَّشْنِيعُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ بَرِيءَ إلَى اللَّهِ مِنْ إثْبَاتِ حُكْمٍ بِلَا حُجَّةٍ . قَالَ
الْفَارِضُ الْمُعْتَزِلِيُّ فِي النُّكَتِ " : وَقَدْ جَرَتْ لَفْظَةُ ( الِاسْتِحْسَانِ )
nindex.php?page=showalam&ids=12444لِإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867وَلِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي كِتَابِهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَلِلشَّافِعِيِّ فِي مَوَاضِعَ . انْتَهَى . وَعَنْ
ابْنِ الْقَاسِمِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ : تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعِلْمِ الِاسْتِحْسَانُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12322أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ : الِاسْتِحْسَانُ فِي الْعِلْمِ يَكُونُ أَبْلَغُ مِنْ الْقِيَاسِ . ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ " الْمُسْتَخْرَجَةِ " نَقَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ فِي الْأَحْكَامِ " . وَقَالَ
الْبَاجِيُّ : ذَكَرَ
مُحَمَّدُ بْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ مَعْنَى الِاسْتِحْسَانِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ : هُوَ الْقَوْلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ ، كَتَخْصِيصِ بَيْعِ الْعَرَايَا مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ ، وَتَخْصِيصُ الرُّعَافِ دُونَ الْقَيْءِ بِالْبِنَاءِ ، لِلْحَدِيثِ فِيهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَرِدْ سُنَّةٌ بِالْبِنَاءِ فِي الرُّعَافِ لَكَانَ فِي حُكْمِ الْقَيْءِ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ ، لِأَنَّ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي تَتَابُعَ الصَّلَاةِ ، فَإِذَا وَرَدَتْ السُّنَّةُ فِي الرُّخْصَةِ بِتَرْكِ التَّتَابُعِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ صِرْنَا إلَيْهِ ، وَأَبْقَيْنَا الْبَاقِي عَلَى الْأَصْلِ . قَالَ : وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ هُوَ الدَّلِيلُ ، فَإِنْ سَمَّاهُ اسْتِحْسَانًا فَلَا مُشَاحَّةَ فِي التَّسْمِيَةِ . انْتَهَى .
[ ص: 98 ] وَقَالَ
الْإِبْيَارِيُّ : الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ الْقَوْلُ بِالِاسْتِحْسَانِ ، لَا عَلَى مَا سَبَقَ ، بَلْ حَاصِلُهُ اسْتِعْمَالُ مَصْلَحَةٍ جُزْئِيَّةٍ فِي مُقَابَلَةِ قِيَاسٍ كُلِّيٍّ ، فَهُوَ يُقَدِّمُ الِاسْتِدْلَالَ الْمُرْسَلَ عَلَى الْقِيَاسِ . وَمِثَالُهُ : لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=21704_22150_22149اشْتَرَى سِلْعَةً بِالْخِيَارِ ثُمَّ مَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ . فَقِيلَ : يُرَدُّ ، وَقِيلَ : يَخْتَارُ الْإِمْضَاءَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12321أَشْهَبُ : الْقِيَاسُ الْفَسْخُ ، وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ إنْ أَرَادَ الْإِمْضَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ لَمْ يَمْضِ إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ قَبُولِ نَصِيبِ الرَّادِّ . وَقَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ : قُلْت
nindex.php?page=showalam&ids=16867لِمَالِكٍ : لَمْ يَقْضِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَلَيْسَ بِمَالٍ ؟ فَقَالَ : إنَّهُ لِشَيْءٍ اسْتَحْسَنَّاهُ . وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى الْأَمْوَالِ .
وَقَالَ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْمَالِكِيَّةِ : بَحَثْت عَنْ مَوَارِدِ الِاسْتِحْسَانِ فِي مَذْهَبِنَا فَإِذَا هُوَ يَرْجِعُ إلَى تَرْكِ الدَّلِيلِ بِمُعَارَضَةِ مَا يُعَارِضُهُ بَعْضُ مُقْتَضَاهُ ، كَتَرْكِ الدَّلِيلِ لِلْعُرْفِ فِي رَدِّ الْأَيْمَانِ إلَى الْعُرْفِ أَوْ الْمُصَالَحَةِ ، كَمَا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21661_22147تَضْمِينِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ ، وَلِإِجْمَاعِ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ كَمَا فِي إيجَابِ غُرْمِ الْقِيمَةِ عَلَى مَنْ قَطَّ ذَنَبَ بَغْلَةِ الْحَاكِمِ ، أَوْ فِي الْيَسِيرِ ، كَرَفْعِ الْمَشَقَّةِ وَإِيثَارِ التَّوْسِعَةِ كَمَا جَازَ التَّفَاضُلُ الْيَسِيرُ فِي الْمُرَاطَلَةِ ، وَإِجَازَةِ بَيْعٍ وَصَرْفٍ فِي الْيَسِيرِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ مَعْنَى لَيْسَ فِي سُلُوكِهِ إبْطَالُ الْقَوَاعِدِ ، وَلَا يَجْرِي عَلَيْهَا جَرْيًا مُخْلِصًا ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ . وَقَالَ
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ : إنْ كَانَ الِاسْتِحْسَانُ هُوَ الْقَوْلُ بِمَا يَسْتَحْسِنُهُ الْإِنْسَانُ وَيَشْتَهِيهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَلَا أَحَدَ يَقُولُ بِهِ . ثُمَّ حَكَى كَلَامُ
أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ اسْمٌ لِضَرْبِ دَلِيلٍ يُعَارِضُ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ ، حَتَّى كَانَ الْقِيَاسُ غَيْرَ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَارَضَةِ ، وَكَأَنَّهُمْ سَمَّوْهُ بِهَذَا الِاسْمِ لِاسْتِحْسَانِهِمْ تَرْكَ الْقِيَاسِ أَوْ الْوُقُوفَ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ فَوْقَهُ فِي الْمَعْنَى الْمُؤَثِّرِ أَوْ مِثْلِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ إلَّا التَّمْيِيزُ بَيْنَ حُكْمِ الْأَصْلِ الَّذِي يُبْنَى عَلَى الْأَصْلِ قِيَاسًا ، وَاَلَّذِي قَالَ اسْتِحْسَانًا وَهَذَا كَمَا مَيَّزَ أَهْلُ النَّحْوِ بَيْنَ وُجُوهِ
[ ص: 99 ] النَّصْبِ فَقَالُوا : هَذَا نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ ، وَهَذَا نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ . ثُمَّ نَبَّهَ
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ لَفْظِيٌّ ، فَإِنَّ تَفْسِيرَ الِاسْتِحْسَانِ بِمَا يُشَنَّعُ عَلَيْهِمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ .
وَاَلَّذِي يَقُولُونَ بِهِ إنَّهُ الْعُدُولُ فِي الْحُكْمِ مِنْ دَلِيلٍ إلَى دَلِيلٍ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ . فَهَذَا مِمَّا لَمْ يُنْكِرْهُ . لَكِنْ هَذَا الِاسْمُ لَا نَعْرِفُهُ اسْمًا لِمَا يُقَالُ بِهِ بِمِثْلِ هَذَا الدَّلِيلِ . وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُ
الْقَفَّالِ : إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِحْسَانِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأُصُولُ لِمَعَانِيهَا فَهُوَ حَسَنٌ ، لِقِيَامِ الْحُجَّةِ لَهُ وَتَحْسِينِ الدَّلَائِلِ ، فَهَذَا لَا نُنْكِرُهُ وَنَقُولُ بِهِ . وَإِنْ كَانَ مَا يُقَبَّحُ فِي الْوَهْمِ مِنْ اسْتِقْبَاحِ الشَّيْءِ وَاسْتِحْسَانِهِ بِحُجَّةٍ دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ وَنَظِيرٍ فَهُوَ مَحْظُورٌ وَالْقَوْلُ بِهِ غَيْرُ سَائِغٍ . وَقَالَ
السِّنْجِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=22147الِاسْتِحْسَانُ كَلِمَةٌ يُطْلِقُهَا أَهْلُ الْعِلْمِ ، وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَهُوَ أَنْ يُقَدَّمَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ أَوْ الْعَقْلِيُّ عَلَى حُسْنِهِ ، كَالْقَوْلِ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ ، وَقِدَمِ الْمُحْدِثِ ، وَبَعْثِهِ الرُّسُلَ وَإِثْبَاتِ صِدْقِهِمْ ، وَكَوْنِ الْمُعْجِزَةِ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ، وَمِثْلُ مَسَائِلِ الْفِقْهِ ، لِهَذَا الضَّرْبِ يَجِبُ تَحْسِينُهُ ، لِأَنَّ الْحُسْنَ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ ، وَالْقُبْحُ مَا قَبَّحَهُ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَحْظُورًا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَفِي عَادَاتِ النَّاسِ إبَاحَتُهُ ، وَيَكُونُ فِي الشَّرْعِ دَلِيلٌ يُغَلِّظُهُ ، وَفِي عَادَاتِ النَّاسِ التَّخْفِيفُ ، فَهَذَا عِنْدَنَا يَحْرُمُ الْقَوْلُ بِهِ وَيَجِبُ اتِّبَاعُ الدَّلِيلِ وَتَرْكُ الْعَادَةِ وَالرَّأْيِ . وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا . وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ إنْ كَانَ خَبَرَ وَاحِدٍ أَوْ قِيَاسًا اُسْتُحْسِنَ تَرْكُهُمَا وَالْأَخْذُ بِالْعَادَاتِ ، كَقَوْلِهِ فِي خَبَرِ الْمُتَبَايِعَيْنِ : أَرَأَيْت لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ ، فَرَدَّ الْخَبَرَ بِالِاسْتِحْسَانِ وَعَادَةِ النَّاسِ . وَكَقَوْلِهِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=22147شُهُودِ الزَّوَايَا . انْتَهَى .
[ ص: 100 ] إذَا عَلِمْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَتْ الْحَنَفِيَّةُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=22149_22147حَقِيقَةِ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ : وَعَلَى هَذَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ ، كَمَا قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ، لِأَنَّا نُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ الْأَحْسَنُ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ ، كَمَا خَصَّ خُرُوجَ الْجِصِّ وَالنُّورَةِ مِنْ عِلَّةِ الرِّبَا فِي الْبُرِّ وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ " الْعُنْوَانِ " . قَالَ شَارِحُهُ : وَفِي حَصْرِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى نَظَرٌ عِنْدِي ، وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ قَالَ
الْقَفَّالُ وَالْمَاوَرْدِيُّ : نَحْنُ نُخَالِفُهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ عِنْدَنَا . قَالَ
ابْنُ الصَّبَّاغِ : وَلَوْ كَانَ هَذَا التَّخْصِيصُ لَمَا جَازَ تَرْكُهُ إلَى الْقِيَاسِ ، كَمَا لَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْعَامِّ مَعَ قِيَامِ دَلِيلِ الْمُخَصِّصِ . الثَّالِثُ : أَنَّهُ تَرَكَ أَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ بِأَضْعَفِهِمَا إذَا كَانَ حَتْمًا ، كَمَا قَالَ فِي شُهُودِ الزِّنَى : الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ ، وَلَكِنْ أَحَدَّهُ اسْتِحْسَانًا .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ : وَهُوَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ يُخَالِفُ فِيهِ ، لِأَنَّ أَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ عِنْدَنَا أَحْسَنُ مِنْ أَضْعَفِهِمَا ، وَلِأَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوَايَا لَا قِيَاسَ أَصْلًا وَلَا خَبَرًا . الرَّابِعُ : أَنَّهُ تَخْصِيصُ الْقِيَاسِ بِالسُّنَّةِ ، حَكَاهُ
الْقَاضِي الْحُسَيْنُ ، وَلِأَجْلِهِ قَالَ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُمْ رُبَّمَا يُسْنِدُونَ لِمَا يَرَوْنَهُ إلَى خَبَرٍ ، كَمَصِيرِهِمْ إلَى أَنَّ النَّاسِي بِالْأَكْلِ لَا يُفْطِرُ ، لِخَبَرِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ . الْخَامِسُ : قَالَ
إلْكِيَا : وَهُوَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ ، مَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15071أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيّ أَنَّهُ قَطَعَ الْمَسَائِلَ عَنْ نَظَائِرِهَا لِدَلِيلٍ خَاصٍّ يَقْتَضِي الْعُدُولَ عَنْ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فِيهِ إلَى الثَّانِي ، سَوَاءٌ كَانَ قِيَاسًا أَوْ نَصًّا ، يَعْنِي أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يَعْدِلُ عَنْ الْحُكْمِ مِنْ مَسْأَلَةٍ بِمَا يَحْكُمُ فِي نَظَائِرِهَا إنَّ الْحُكْمَ بِخِلَافِهِ ، لِوَجْهٍ
[ ص: 101 ] يَقْتَضِي الْعُدُولَ عَنْهُ ، كَتَخْصِيصِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلَ الْقَائِلِ : مَا لِي صَدَقَةٌ عَلَى الزَّكَاةِ . فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ عَامٌّ فِي التَّصْدِيقِ بِجَمِيعِ مَالِهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ : يَخْتَصُّ بِمَالِ الزَّكَاةِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } وَالْمُرَادُ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُضَافَةِ إلَيْهِمْ أَمْوَالُ الزَّكَاةِ ، فَعَدَلَ عَنْ الْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَالِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ بِزَكَوِيٍّ بِمَا حَكَمَ بِهِ فِي نَظَائِرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ إلَى خِلَافِ ذَلِكَ الْحُكْمِ ، لِدَلِيلٍ اقْتَضَى الْعُدُولَ وَهُوَ الْآيَةُ . وَقَالَ
عَبْدُ الْوَهَّابِ : هُوَ قَوْلُ الْمُحَصِّلِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ، قَالَ : وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي قَالَ بِهِ أَصْحَابُنَا ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11872الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ : يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ الَّذِي اقْتَضَى إلْحَاقَهَا بِنَظَائِرِهَا ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِيَاسِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ إلَّا لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مَذْهَبُهُ كُلُّهُ اسْتِحْسَانًا ، لِأَنَّهُ عُدُولٌ بِالْخَاصِّ عَنْ بَقِيَّةِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لِدَلِيلٍ . وَحَكَى
ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15071الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ فَسَّرَهُ بِأَدَقِّ الْقِيَاسَيْنِ . وَقَالَ فِي الْمَنْخُولِ " : الصَّحِيحُ فِي ضَبْطِهِ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=15071الْكَرْخِيِّ . وَقَدْ قَسَّمَهُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ وَتَرْكُ الْقِيَاسِ ، كَمَا فَعَلُوا فِي مَسْأَلَةِ الْقَهْقَهَةِ وَنَبِيذِ التَّمْرِ . الثَّانِي : اتِّبَاعُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ ، كَمَا قَالُوا فِي أُجْرَةِ الْعَبْدِ الْآبِقِ بِأَرْبَعِينَ ، اتِّبَاعًا
nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ . الثَّالِثُ : اتِّبَاعُ الْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ ، كَالْمُعَاطَاةِ ، فَإِنَّ اسْتِمْرَارَهَا يَشْهَدُ بِصِحَّةِ نَقْلِهَا خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ فِي عَصْرِ الرَّسُولِ .
الرَّابِعُ : اتِّبَاعُ مَعْنَى خَفِيٍّ هُوَ أَخَصُّ بِالْمَقْصُودِ ، كَمَا فِي إيجَابِ الْحَدِّ بِشُهُودِ الزَّوَايَا ، لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ فَعْلَةً وَاحِدَةً كَأَنْ يَزْحَفُ فِيهَا . قَالَ
الْغَزَالِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=22147_22083وَتَقْدِيمُ الْخَبَرِ عَلَى الْقِيَاسِ وَجَبَ عِنْدَنَا ، لَكِنَّ الْخَبَرَ الصَّحِيحَ . وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=10284_22147_22083قَوْلُ الصَّحَابِيِّ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ يُتَّبَعُ عِنْدَنَا . وَأَمَّا أَنَّ الْأَعْصَارَ .
[ ص: 102 ] لَا تَتَفَاوَتُ فَمَرْدُودٌ ، لِأَنَّ الْعُقُودَ الْفَاسِدَةَ فِي الْكَثْرَةِ حَدَثَتْ بَعْدَ عَصْرِ الصَّحَابَةِ
وَالسَّلَفِ . فَأَمَّا الْمَعْنَى الْخَفِيُّ إذَا كَانَ أَخَصَّ فَهُوَ مُتَّبَعٌ . وَلَكِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَكْتَفِ بِمُوجِبِهِ حَتَّى أَتَى بِالْعَجَبِ فَقَالَ : يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى أَرْبَعُ زَوَايَا ، كُلُّ وَاحِدٍ يَشْهَدُ عَلَى زَاوِيَةٍ . قَالَ : وَلَعَلَّهُ كَانَ يَتَزَحَّفُ فِي زَنْيَةٍ وَاحِدَةٍ . وَأَيُّ اسْتِحْسَانٍ فِي سَفْكِ دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِهَذَا الْخَيَالِ . انْتَهَى . وَقَضِيَّةُ كَلَامِ
الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الثَّالِثِ ، فَقَالَ : الْمَنْقُولُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتَّبِعُ مَا اُسْتُحْسِنَ بِالْعَادَةِ وَيَتْرُكُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ . وَمَثَّلَهُ بِشُهُودِ الزِّنَى . انْتَهَى . وَذَكَرَ
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْعَمِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ فِي الْأُصُولِ " أَنَّهُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْمَعْنَى الْخَفِيِّ قَالَ : وَلَا عَيْبَ إذَنْ فِي إطْلَاقِهِ ، بَلْ الْعَيْبُ عَلَى مَنْ جَهِلَ حَقِيقَتَهُ وَقَالَ بِهِ مِنْ حَيْثُ عِيبَ عَنْ قَائِلِهِ . قَالَ : وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14330أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ فِي كِتَابِهِ قَالَ : حَدَّثَنِي بَعْضُ قُضَاةِ
مَدِينَةِ السَّلَامِ مِمَّنْ كَانَ يَلِي الْقَضَاءَ فِي زَمَانِ
الْمُسْتَعِينِ بِاَللَّهِ ، قَالَ : سَمِعْت
إبْرَاهِيمَ بْنَ جَابِرٍ ، وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ الْعِلْمِ ، صَنَّفَ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ ، وَكَانَ يَقُولُ بِنَفْيِ الْقِيَاسِ بَعْدَ أَنْ أَثْبَتَهُ .
قُلْت لَهُ : مَا الَّذِي أَوْجَبَ عِنْدَك الْقَوْلَ بِنَفْيِ الْقِيَاسِ بَعْدَ الْقَوْلِ بِهِ ؟ قَالَ : قَرَأْت كِتَابَ إبْطَالِ الِاسْتِحْسَانِ "
nindex.php?page=showalam&ids=13790لِلشَّافِعِيِّ ، فَرَأَيْتُهُ صَحِيحًا فِي مَعْنَاهُ ، إلَّا أَنَّ جَمِيعَ مَا احْتَجَّ بِهِ هُوَ بِعَيْنِهِ يُبْطِلُ الْقِيَاسَ ، وَصَحَّ بِهِ عِنْدِي بُطْلَانُهُ . قَالَ : فَهَذِهِ حِكَايَةٌ تُنَادِي عَلَى الْخَصْمِ أَنَّهُ يَقُولُ بِمَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِالنَّقْضِ .
قُلْت : إنْ كَانَ الِاسْتِحْسَانُ كَمَا نَقُولُ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْقِيَاسِ ، فَلَا وَجْهَ لِتَسْمِيَتِك بِهِ بِاسْمٍ آخَرَ . وَلَئِنْ قُلْت : لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ قُلْنَا : هُنَا يُوهِمُ أَنَّهُ دَلِيلٌ غَيْرُ الْقِيَاسِ ، فَقُلْ : هُوَ قِيَاسٌ فِي الْمَعْنَى . وَلَهُ اسْمٌ آخَرُ فِي
[ ص: 103 ] اللَّفْظِ ، وَهُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ ، وَحِينَئِذٍ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ . السَّادِسُ : أَنَّهُ دَلِيلٌ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ تَقْتَصِرُ عَنْهُ عِبَارَتُهُ ، فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَفَوَّهَ بِهِ . قَالَ
الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَهَذَا هُوَ بَيِّنٌ ، لِأَنَّ مَا يَقْدِرُ عَلَى التَّعْبِيرُ عَنْهُ لَا يَدْرِي هُوَ وَهْمٌ أَوْ تَحْقِيقٌ .
وَرَدَّ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14979الْقُرْطُبِيُّ : بِأَنَّ مَا يَحْصُلُ فِي النَّفْسِ مِنْ مَجْمُوعِ قَرَائِنِ الْأَقْوَالِ مِنْ عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ ، لَا يَتَأَتَّى عَنْ دَلِيلِهِ عِبَارَةٌ مُطَابِقَةٌ لَهُ . ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاخْتِلَالِ بِالْعِبَارَةِ الْإِخْلَالُ بِالْمُعَبَّرِ عَنْهُ ، فَإِنَّ تَصْحِيحَ الْمَعَانِي بِالْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ لَا بِالنُّطْقِ اللَّفْظِيِّ ، قَالَ : وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا أَشْبَهَ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الِاسْتِحْسَانُ .
قُلْت : وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ الْمُجْتَهِدُ فِيمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ . أَمَّا الْمُنَاظِرُ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِيَظْهَرَ خَطَؤُهُ مِنْ صَوَابِهِ . وَقَالَ
الْخُوَارِزْمِيُّ فِي " الْكَافِي " : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُجَّةً ، إذْ لَا شَاهِدَ لَهُ . السَّابِعُ : أَنَّهُ مِمَّا يَسْتَحْسِنُهُ الْمُجْتَهِدُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَحَدِيثِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ . وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الِاسْتِحْسَانِ ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11872الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ " ، قَالَ : وَأَنْكَرَهُ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ
الشَّيْخُ الشِّيرَازِيُّ : إنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ عَنْهُ . وَإِلَيْهِ أَشَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ : " مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ " .
وَهَذَا مَرْدُودٌ ، لِأَنَّهُ قَوْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي ، وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=10وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ } لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يُنْكِرُونَ هَذَا التَّفْسِيرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّنَاعَةِ .
قُلْت : وَهُوَ الصَّوَابُ فِي النَّقْلِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ . وَفْد صَنَّفَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ كِتَابًا فِي الْأُمِّ " فِي الرَّدِّ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ فِي الِاسْتِحْسَانِ ، وَقَالَ مِنْ جُمْلَتِهِ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ لَمَّا رَدَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ بَيْنَ الْمُتَتَابِعَيْنِ : أَرَأَيْت لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ ، فَتَرَكَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ بِهَذَا التَّخْمِينِ . وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ شُهُودِ الزَّوَايَا : الْقِيَاسُ أَنَّهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ ، لَكِنْ اسْتَحْسَنَ قَبُولَهَا .
[ ص: 104 ] وَرَجْمَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَأَيُّ اسْتِحْسَانٍ فِي قَتْلِ مُسْلِمِينَ ؟ ، وَقَالَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=10479_21700_22147الزَّوْجَيْنِ إذَا تَقَاذَفَا ، قَالَ لَهَا : يَا زَانِيَةُ ، فَقَالَتْ : بَلْ أَنْتَ زَانٍ ، لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ ، لِأَنِّي أَسْتَقْبِحُ أَنْ أُلَاعِنَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَحُدُّهَا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : وَأَقْبَحُ مِنْهُ تَعْلِيلُ حُكْمِ اللَّهِ عَلَيْهِمَا . انْتَهَى . وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيَّ فَهِمَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُرَادَهُ بِالِاسْتِحْسَانِ هَذَا ، فَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِ أَصْحَابِهِ ذَلِكَ . وَقَدْ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى بُطْلَانِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } إلَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=35ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } فَجَعَلَ الْأَحْسَنَ مَا كَانَ كَذَلِكَ ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=10وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ } وَلَمْ يَقُلْ : إلَى الِاسْتِحْسَانِ . وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِحْسَانِ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِهِ دُونَ الِاسْتِحْسَانِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ الِاسْتِحْسَانُ . وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْخَصْمُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=18الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34364مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ } ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَحْكَامٍ عَدَلُوا عَنْ الْأُصُولِ فِيهَا إلَى الِاسْتِحْسَانِ : ( مِنْهَا ) دُخُولُ الْوَاحِدِ إلَى الْحَمَّامِ لِيَسْتَعْمِلَ مَاءً غَيْرَ مُقَدَّرٍ .
[ ص: 105 ] وَيَشْتَرِي الْمَأْكُولَ بِالْمُسَاوَمَةِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ يَتَلَفَّظُ بِهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اسْتِحْسَانَ الْمُسْلِمِينَ حُجَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِحُجَّةٍ . وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْأَخْذَ بِالْأَحْسَنِ دُونَ الْمُسْتَحْسَنِ ، وَهُوَ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ لَا غَيْرُهُمَا . وَالْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ . وَعَنْ الْإِجْمَاعِ بِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِالِاسْتِحْسَانِ .