الثاني : بوقت الرواية    - فيرجح الراوي في البلوغ على الذي روى في الصبا وفي البلوغ ، لأن البالغ أقرب إلى الضبط ، ويرجح الخبر الذي لم يتحمل رواية إلا في زمن بلوغه على من لم يتحمل إلا في زمن صباه ، ولهذا قدم رواية  ابن عمر  في الإفراد على رواية  أنس  في القران . فإن قيل : فكيف قدم  الشافعي  رواية  ابن عباس  في التشهد على رواية  ابن مسعود  ؟ قلنا    : لأن متأخر الصحبة مقدم على متقدمها في الرواية ، لاحتمال النسخ . - ويرجح من لم يرو إلا في حال الإسلام ، ويرجح متأخر الإسلام ، فيرجح من تأخر إسلامه على من تقدم إسلامه ، لأن تأخر الإسلام دليل  [ ص: 180 ] على روايته آخرا ، كتقديم رواية  أبي هريرة  في النقض من مس الذكر على رواية قيس    . والظاهر أن روايته بعد إسلامه . هكذا ذكره  الشيخ أبو إسحاق  وابن برهان  ، وتبعهم  البيضاوي  وغيره . وجزم الآمدي  بعكسه معتلا بعراقة المتقدم في الإسلام ومعرفته . وليس بشيء . وقال الأستاذ أبو إسحاق    : يقدم خبر المتأخر الإسلام إن كان في أحد الخبرين ما يدل على أنه كان في ابتداء الإسلام ، وإن جاز أن تكون روايته متأخرة عن رواية المتأخر ، فإذا مات المتقدم قبل إسلام المتأخر وعلمنا أن الأكثر رواية المتقدم  فتقدم على رواية المتأخر ، فهاهنا نحكم بالرجحان ، لأن النادر ملحق بالغالب . 
وقال  الأستاذ أبو منصور    : إن جهل تاريخهما  فالغالب أن رواية متأخر الإسلام ناسخ ، كما نسخنا رواية طلق  برواية  أبي هريرة  ، وإن علم التاريخ في أحدهما وجهل في الآخر  نظر : فإن كان المؤرخ منهما في آخر أيام النبي صلى الله عليه وسلم فهو الناسخ لما لا يعلم تاريخه فينسخ قوله عليه السلام : { إذا صلى الإمام قاعدا فصلوا قعودا   } بصلاة أصحابه قياما خلفه وهو يصلي قاعدا في مرضه الذي مات فيه ، وإن لم يعلم التاريخ فيهما ولا في أحدهما واحتيج إلى نسخ أحدهما بالآخر  فقيل : الناقل منهم عن العادة أولى من الموافق لها . 
وقيل : المحرم أولى من المبيح ، وكذا الموجب أولى ، فإن كان أحدهما موجبا والآخر محرما لم يقدم أحدهما على الآخر إلا بدليل . وقال إلكيا    : يرجح أحد الخبرين على الآخر بإمكان تطرق النسخ إلى أحدهما إن لم يجد متعلقا سواهما ، كحديث طلق   وأبي هريرة    . هذا إذا لم يكن أحدهما محتملا ، فإن كان فلا ، كحديث ابن عكيم    : { جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب   } ، فإنه يمكن أن يكون المراد به قبل الدباغ ، فإن الإهاب اسم له قبل الدباغ ، وبعده يسمى السختيان للأديم .  [ ص: 181 ] ويدخل في هذا القول في الترجيع في الأذان وإيتار الإقامة ، لأن الترجيع في رواية أبي محذورة  ، وسعد القرظ  ، متأخر عن أذان  بلال  رضي الله عنهم . واعلم أن التراجيح كثيرة ، ومناطها ما كان إفادته للظن أكثر فهو الأرجح . وقد تتعارض هذه المرجحات ، كما في كثرة الرواة وقوة العدالة وغيره ، فيعتمد المجتهد في ذلك ما غلب على ظنه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					