[ ص: 255 ] المسألة الثانية في جواز
nindex.php?page=treesubj&link=22272الاجتهاد من غير الأنبياء في زمانهم كاجتهاد الصحابة في عصر الرسول . والكلام فيه في مقامين : الجواز ، والوقوع . أما الجواز : فمنهم من منع منه مطلقا ، ونقل عن
الجبائي nindex.php?page=showalam&ids=12187وأبي هاشم . وهو ضعيف ، لأنه لا يؤدي إلى مستحيل . فإن أرادوا منع الشرع توقف على الدليل فهو مفقود . ومنهم من جوزه مطلقا ، وبه قال أكثر أصحابنا ، كما نقله
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبو الطيب وغيرهما ، ونقله
إلكيا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن ، وهو المختار عند الأكثرين ، منهم صاحب المستصفى ، وقال في " التقريب " : إنه المختار . ومنهم من فصل بين القريب والبعيد . ومنهم من فصل بين الغائب والحاضر مطلقا . ومنهم من فصل بين الغائب عنه من الولاة والقضاة فيجوز دون الحاضرين ، حكاه
الغزالي . ثم المجوزون اختلفوا : فقيل : يكتفى بسكوته عليه السلام ، حكاه في
[ ص: 256 ] المستصفى . ومنهم من قال : يجوز إن لم يوجد في ذلك منع . قال
الهندي : وليس بمرضي ، لأن ما بعده أيضا كذلك ، فلم تكن له خصوصية بزمانه عليه الصلاة والسلام ومنهم من قال : إن ورد الإذن بذلك جاز ، وإلا فلا . ثم من هؤلاء من نزل السكوت على المنع منه مع العلم بوقوعه منزلة الإذن ، ومنهم من اشترط صريح الإذن ، حكاه
ابن السمعاني . ثم قال : والأولى أن يقال : إنه لا يجوز للحاضر الاجتهاد قبل سؤال النبي عليه السلام ، كما لا يجوز الاجتهاد قبل طلب النص ، وكما لا يجوز للسالك في برية مخوفة أن يقول على رأيه مع تمكنه من سؤال من يخبره عن الطريق عن علم . وإذا سأل النبي عليه الصلاة والسلام يجوز أن يكله النبي عليه السلام إلى اجتهاده ، ولا مانع من ذلك عقلا ولا شرعا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك : يشترط تقريره عليه ، قال : ويجوز أن يجتهد مع النص ثم يتأمل : فإن كان النص بخلافه صرنا إلى النص ، كذلك يجتهد بحضرته ، فإن أفتى عليه علمنا أنه حق ، وفصل
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في الحاضر بين الاجتهاد في الأحكام ، كإيجاب شيء أو تحريمه فلا يجوز . وقد أفتى
أبو السنابل باجتهاده في المتوفى عنها الحامل بأربعة أشهر وعشر فأخطأ ، وأما غير ذلك فيجوز ، كاجتهادهم فيما يجعلون علما للدعاء إلى الصلاة ، ولم يكن ذلك على إيجاب شريعة تلزم ، وإنما كان إيذانا من بعضهم لبعض ، واجتهد قوم بحضرته عليه الصلاة والسلام فيمن هم السبعون ألفا الذي يدخلون الجنة وجوههم كالقمر ليلة البدر ، فأخطئوا في ذلك ، حتى بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم من هم ، ولم يعنفهم في اجتهادهم .
قلت : وإذا جوزنا للغائب فما ضابط الغيبة ؟ هل هي مسافة القصر أم لا ؟ لم أر فيه نصا . لكن ذكر
الغزالي في " المنخول " أنه من بعد عنه بفرسخ أو فراسخ .
[ ص: 257 ] وأما الوقوع : فاختلف المجوزون فيه : فمنهم من منعه ، لقدرته على اليقين بأن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من قال : وقع ظنا لا قطعا ، واختاره
الآمدي nindex.php?page=showalam&ids=12671وابن الحاجب . ومنهم من فصل بين الحاضر والغائب ، فقال : وقع للغائب دون الحاضر . واختاره
القاضي في " التقريب "
والغزالي وابن الصباغ في " العدة " وإليه ميل
إمام الحرمين . ونقله
إلكيا عن أكثر الفقهاء
والمتكلمين . قال : وهو استبشع في الاستقامة ، وأميل إلى الاقتصاد من حيث تعذر المراجعة مع تأني الدار في كل واقعة . وقال
عبد الوهاب : إن الأقوى على أصول أصحابهم . وقال صاحب " اللباب " : إنه الصحيح . ومنهم من توقف في الحاضر ، وقطع في الغائب بالوقوع . هذا حاصل ما في كتب الأصول من الأقوال . وقال
الماوردي والروياني في كتاب الأقضية : اجتهاد الصحابة في زمنه له حالتان : أحدهما - أن تكون له ولاية ،
nindex.php?page=showalam&ids=8كعلي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل حين بعثهما إلى
اليمن ، فيجوز اجتهادهما ، لأن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذا قال : أجتهد برأيي ، فاستصوبه ، وسواء اجتهد في حق نفسه أو غيره . ويكون اجتهاده أمرا مسوغا ما لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه . ثانيهما - أن لا يكون للمجتهد ولاية فله حالان : ( أحدهما ) - أن يظفر بأصل من كتاب أو سنة فيجوز اجتهاده في الرجوع إليهما ، ولا يلزم إذا قدر على النبي أن يسأله عما اجتهد فيه ، لأنه إذا أخذ بأصل لازم . و ( ثانيهما ) - أن يعدم أصلا من كتاب أو سنة فلا يجوز أن يجتهد في حق غيره لعدم ولايته . وأما في حق نفسه فإن كان مما يخاف فواته ففيه وجهان : ( أحدهما ) لا يجوز أن يجتهد لأنه لا يصح منه أن يشرع .
[ ص: 258 ] و ( الثاني ) يجوز إن كان أهلا للاجتهاد . وعلى هذا ففي جواز تقليده وجهان ( أحدهما ) لا يجوز لغيره أن يقلده فيه ، لوجود ما هو أقوى منه . فعلى هذا لا يلزم المجتهد إذا قدم الرسول أن يسأله . القسم الثاني - أن يكون المجتهد حاصلا في مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام وغائبا عن محلته ، فإن رجع في اجتهاده إلى أصل من كتاب أو سنة صح وجاز أن يعمل به ، لأن
العجلاني سأل بعض الصحابة
بالمدينة عن قذف امرأته بما سماه فقال له : حد في ظهرك إن لم تأت بأربعة شهداء ، ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما قيل له فتوقف فيه حتى نزلت آية اللعان ، ولم ينكر على من أجابه .
وإن لم يرجع المجتهد إلى أصل ففي جواز اجتهاده وجهان ، قال صاحب " الحاوي " : والذي عندي أنه يصح اجتهاده في المعاملات دون العبادات ، لأن العبادات تكليف فتتوقف على الأوامر بها ، والمعاملات تخفيف فتعتبر النواهي عنها . الثالث : أن يكون المجتهد حاضرا في مجلس الرسول ، فإن أمره بالاجتهاد صح اجتهاده ، كما حكم
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ في
بني قريظة ، وإن لم يأمره بالاجتهاد لم يصح اجتهاده إلا أن يعلم به فيقره عليه ، فيصير بإقراره عليه صحيحا ، كما قال
أبو بكر رضي الله عنه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في سلب القتيل وقد أخذه غير قاتله .
قلت : وفي معنى أمره به المشاورة . لقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159وشاورهم في الأمر } [ وقد شاورهم في أمر الأسرى وغيره ] . وكذلك اجتهادهم بحضرته ليعرضوا عليه رأيهم ، فإن صح قبله ، وإلا رده . كبحث الطالب عند أستاذه .
وقد اجتهد
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ في تركه قضاء الغائب أولا ، ثم الدخول في الصلاة ورضيه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ( قد سن لكم
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ ) وكذلك امتناع
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه من محو اسم النبي صلى الله عليه وسلم من الصحيفة ، وكان اجتهادا عظيما للنبي صلى الله عليه وسلم وخرج من ذلك صور يجوز فيها
nindex.php?page=treesubj&link=22272الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي أن تكون من موضع الخلاف .
[ ص: 259 ] وقد احتج
الآمدي وغيره على الوقوع : ( 1 ) بقضية
أبو بكر هذه وقوله صلى الله عليه وسلم : ( صدق ) ولم يقله
الصديق بغير الاجتهاد .
( 2 ) : وكذلك حكم النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ في
بني قريظة باجتهاده ثم قال : ( لقد حكمت بحكم الله ) . ( 3 ) وروي أنه صلى الله عليه وسلم أمر
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص nindex.php?page=showalam&ids=27وعقبة بن عامر أن يحكما بين خصمين ، وقال لهما : إن أصبتما فلكما عشر حسنات ، وإن أخطأتما فلكما حسنة واحدة . وفي الاستدلال بهذه الأحاديث نظر : أما ( الأول ) ففي الصحيحين ما حاصله أن
nindex.php?page=showalam&ids=60أبا قتادة قتل عام
حنين مشركا ثم إنه عليه السلام قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62737من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ثلاث مرات ، في كل مرة يقوم nindex.php?page=showalam&ids=60أبو قتادة [ ص: 260 ] فلا يجد من يشهد له . فلما كان الثالثة قال : يا nindex.php?page=showalam&ids=60أبا قتادة ما لك ؟ قال : فقصصت عليه القصة ، فقال رجل من القوم : صدق يا رسول الله ، سلب ذلك القتيل عندي فأرضه من حقه } . قال
أبو بكر . . . الحديث . وظاهره أن
الصديق لم يقله بالاجتهاد ، بل هو تنفيذ لقوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37018من قتل قتيلا فله سلبه } .
وأما ( الثاني ) فالنزاع أن الصحابي إذا وقعت له واقعة هل يجب عليه أن يسأله صلى الله عليه وسلم ليخبره ، كغالب عاداتهم ، ويجوز له أن يجتهد فيها برأيه مما أداه إليه اجتهاده فهو حكم الله . وتحكيم
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ ليس من هذا القبيل ، لأنه عليه السلام فوض إليه الحكم في واقعة فلا يلزم من ذلك جواز الاجتهاد بغير أمره عليه السلام . وأما ( الثالث ) فقيل ليس له أصل ، بل روى
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد في مسنده عن
يزيد بن الحباب حدثه عن
فرج بن فضالة حدثني
محمد بن عبد الأعلى عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبيه أن خصمين جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( اقض بينهما ) وذكر
أبو سعيد النقاش في كتاب القضاة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15550بقية عن
فرج بن فضالة عن
محمد بن عبد الله البهراني عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص : جاء خصمان إلى النبي ( ص ) ، فقال عليه السلام : ( اقض بينهما ) فقلت ، يا رسول الله : كنت أولى به ،
[ ص: 261 ] قال : وإن كان ، قلت : ما أقضي ؟ قال : ( على أنك إن أصبت كان لك عشر حسنات وإن أخطأت كان لك حسنة واحدة ) ومداره على
فرج ، وقد ضعفه الأكثرون ، وشيخه
محمد وأبوه مجهولان مع الاختلاف في اسم أبيه ، والاختلاف هل هو عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو أو عن أبيه . وقد صحح
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في ( المستدرك ) الحديث ، وفيه نظر .
واستدل
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام نادى يوم انصرف من الأحزاب : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62738لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة . وقال آخرون : لا نصلي إلا حيث أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم وإن فات الوقت . قال : فما عنف واحدا من الفريقين } . متفق عليه . وفيه نظر من وجهين : ( أحدهما ) أن النزاع في أنه هل يجتهد فيما ليس منصوصا عليه أو يراجع ، وهذا اجتهاد في نصه عليه السلام ما المراد به . وقد يقال : إن المقصود وقوع الاجتهاد في الجملة . و ( الثاني ) أنهم كانوا غائبين ، وقد سبق القول بجوازه لهم . ومما يدل على الجواز حديث
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ لما بعثه قال : أجتهد برأيي . وصوبه عليه الصلاة والسلام . أخرجه
الترمذي . وحديث بعثه عليه السلام
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا قاضيا ، وقال : لا علم لي بالقضاء ، فقال : ( اللهم اهد قلبه وثبت لسانه ) أخرجه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم في " المستدرك " .
[ ص: 262 ] وعن
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم أن رجلا من أهل
اليمن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62739حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر ، فأتوا nindex.php?page=showalam&ids=8عليا يختصمون في الولد ، فقال : أنتم شركاء متشاكسون أرى أن نقرع بينكم ، فقرع أحدهم فدفع إليه الولد ، فقال عليه السلام : ما أعلم فيها إلا ما قال nindex.php?page=showalam&ids=8علي } . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في مسنده ، بسند
على شرطهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62740كان الناس على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سبق الرجل ببعض صلاته سألهم فأومئوا إليه بالذي سبق . فقال عليه السلام : اصنعوا كما صنع nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ } . وظاهره أن الحكم تغير من يومئذ وأنه إنما فعل ذلك باجتهاده بأمره عليه السلام ونسخ به الحكم الأول . بل صرح بذلك فأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني هذا الحديث في معجمه " ، بسند على شرطهما إلا
فليحا فعلى شرط
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ولفظه : عن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62741 nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ قال : فجئت يوما وقد سبقت وأشير إلي بالذي سبقت به . فقلت : لا أجده على حال كنت عليها ، فكنت بحالهم التي وجدتهم عليها ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قمت . فصليت واستقبل عليه الصلاة والسلام الناس وقال : من القائل كذا وكذا ؟ قالوا : nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ ، فقال قد سن لكم فاقتدوا به . إذا جاء أحدكم وقد سبق بشيء من الصلاة فليصل مع الإمام بصلاته ، فإذا فرغ الإمام فليقض ما سبقه به } . وكذلك حديث موافقة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ربه عز وجل في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . فدل ذلك على جواز الاجتهاد بحضرته عليه الصلاة والسلام .
[ ص: 263 ] فائدة قال
الرازي في " المحصول " : الخلاف في هذه المسألة لا ثمرة له في الفقه . واعترضه
ابن الوكيل وقال : بل في مسائل الفقه ما يبنى عليه . من ذلك ما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=22272_25612شك في نجاسة أحد الإناءين ومعه ماء طاهر بيقين . ففي جواز الاجتهاد وجهان : ( أصحهما ) يجتهد ولا يكلف الغير ، بدليل طهارته من الإناء المظنون طهارته وهو على شاطئ البحر . وهذا قول من يجوز الاجتهاد في زمنه . ( الثاني ) لا ، وهو قول من يمنع الاجتهاد . وكذلك من اجتهد في دخول الوقت ، هل تجوز له الصلاة مع القدرة على تمكن الوقت . ورجحان العمل بالاجتهاد فيها أقوى من التي قبلها . وقال بعضهم : هذا الترجيح وهم ، فالقادر على سؤال الرسول لا يتيقن أنه قادر على اليقين حتى يتيقن أنه أنزل عليه في مسألة وحي ، وإلا فما لم ينزل الوحي فلا حكم فلا قطع ولا ظن . فغاية القادر سؤال على الرسول أن يجوز نزول الوحي فيكون مجوزا لليقين ، وإنما مأخذ هذا الخلاف الأصولي ما في الاجتهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من التحري ، وما فيه من سلوك طريق لا يأمن فيها الخطأ مع التمكن من طريق يأمن فيه الخطأ ، فما قاله
الرازي أنه لا ثمرة للخلاف صحيح . نعم ، الخلاف في جواز الاجتهاد له عليه السلام تظهر ثمرته فيما ذكرناه ، لقدرته على اليقين بسؤال الله ، وهذا كلام عجيب ، بل قدرته على اليقين مقطوع بها ، سواء وقع الجواب في الحال . كما كان أغلب أحواله ، أو بعد انتظار الوحي كما في اجتهاده سواء . وإنما المانع من التخريج أن الاجتهاد في ذلك ليس في حكم شرعي لأن الحكم قد
[ ص: 264 ] علم ، وإنما هو اجتهاد في تعيينه ، ومسألتنا اجتهاد في حكم شرعي غير معلوم له ، فلا يلزم من التجويز في المشتبه بعد علمه الجواز في أصل الحكم . .
[ ص: 255 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=22272الِاجْتِهَادِ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فِي زَمَانِهِمْ كَاجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ فِي عَصْرِ الرَّسُولِ . وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَقَامَيْنِ : الْجَوَازُ ، وَالْوُقُوعُ . أَمَّا الْجَوَازُ : فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ مِنْهُ مُطْلَقًا ، وَنُقِلَ عَنْ
الْجُبَّائِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=12187وَأَبِي هَاشِمٍ . وَهُوَ ضَعِيفٌ ، لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى مُسْتَحِيلٍ . فَإِنْ أَرَادُوا مَنْعَ الشَّرْعِ تَوَقَّفَ عَلَى الدَّلِيلِ فَهُوَ مَفْقُودٌ . وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ مُطْلَقًا ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا ، كَمَا نَقَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابْنُ فُورَكٍ nindex.php?page=showalam&ids=11872وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا ، وَنَقَلَهُ
إلْكِيَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُسْتَصْفَى ، وَقَالَ فِي " التَّقْرِيبِ " : إنَّهُ الْمُخْتَارُ . وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ . وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ مُطْلَقًا . وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ الْغَائِبِ عَنْهُ مِنْ الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ فَيَجُوزُ دُونَ الْحَاضِرِينَ ، حَكَاهُ
الْغَزَالِيُّ . ثُمَّ الْمُجَوِّزُونَ اخْتَلَفُوا : فَقِيلَ : يُكْتَفَى بِسُكُوتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، حَكَاهُ فِي
[ ص: 256 ] الْمُسْتَصْفَى . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَجُوزُ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ مَنْعٌ . قَالَ
الْهِنْدِيُّ : وَلَيْسَ بِمَرَضِيٍّ ، لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ أَيْضًا كَذَلِكَ ، فَلَمْ تَكُنْ لَهُ خُصُوصِيَّةٌ بِزَمَانِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنْ وَرَدَ الْإِذْنُ بِذَلِكَ جَازَ ، وَإِلَّا فَلَا . ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ نَزَّلَ السُّكُوتَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ مَعَ الْعِلْمِ بِوُقُوعِهِ مَنْزِلَةَ الْإِذْنِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ اشْتَرَطَ صَرِيحَ الْإِذْنِ ، حَكَاهُ
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ . ثُمَّ قَالَ : وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَاضِرِ الِاجْتِهَادُ قَبْلَ سُؤَالِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، كَمَا لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ قَبْلَ طَلَبِ النَّصِّ ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ لِلسَّالِكِ فِي بَرِّيَّةٍ مَخُوفَةٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى رَأْيِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ سُؤَالِ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ الطَّرِيقِ عَنْ عِلْمٍ . وَإِذَا سَأَلَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَجُوزُ أَنْ يَكِلَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى اجْتِهَادِهِ ، وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابْنُ فُورَكٍ : يُشْتَرَطُ تَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ ، قَالَ : وَيَجُوزُ أَنْ يَجْتَهِدَ مَعَ النَّصِّ ثُمَّ يَتَأَمَّلُ : فَإِنْ كَانَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ صِرْنَا إلَى النَّصِّ ، كَذَلِكَ يَجْتَهِدُ بِحَضْرَتِهِ ، فَإِنْ أَفْتَى عَلَيْهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ حَقٌّ ، وَفَصَّلَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ فِي الْحَاضِرِ بَيْنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ ، كَإِيجَابِ شَيْءٍ أَوْ تَحْرِيمِهِ فَلَا يَجُوزُ . وَقَدْ أَفْتَى
أَبُو السَّنَابِلِ بِاجْتِهَادِهِ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَأَخْطَأَ ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَيَجُوزُ ، كَاجْتِهَادِهِمْ فِيمَا يَجْعَلُونَ عَلَمًا لِلدُّعَاءِ إلَى الصَّلَاةِ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى إيجَابِ شَرِيعَةٍ تُلْزِمُ ، وَإِنَّمَا كَانَ إيذَانًا مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ ، وَاجْتَهَدَ قَوْمٌ بِحَضْرَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيمَنْ هُمْ السَّبْعُونَ أَلْفًا الَّذِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، فَأَخْطَئُوا فِي ذَلِكَ ، حَتَّى بَيَّنَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هُمْ ، وَلَمْ يُعَنِّفْهُمْ فِي اجْتِهَادِهِمْ .
قُلْت : وَإِذَا جَوَّزْنَا لِلْغَائِبِ فَمَا ضَابِطُ الْغَيْبَةِ ؟ هَلْ هِيَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ أَمْ لَا ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا . لَكِنْ ذَكَرَ
الْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ " أَنَّهُ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ بِفَرْسَخٍ أَوْ فَرَاسِخَ .
[ ص: 257 ] وَأَمَّا الْوُقُوعُ : فَاخْتَلَفَ الْمُجَوِّزُونَ فِيهِ : فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ بِأَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : وَقَعَ ظَنًّا لَا قَطْعًا ، وَاخْتَارَهُ
الْآمِدِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=12671وَابْنُ الْحَاجِبِ . وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ ، فَقَالَ : وَقَعَ لِلْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ . وَاخْتَارَهُ
الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ "
وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ " وَإِلَيْهِ مَيْلُ
إمَامِ الْحَرَمَيْنِ . وَنَقَلَهُ
إلْكِيَا عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ
وَالْمُتَكَلِّمِينَ . قَالَ : وَهُوَ اُسْتُبْشِعَ فِي الِاسْتِقَامَةِ ، وَأَمْيَلُ إلَى الِاقْتِصَادِ مِنْ حَيْثُ تَعَذُّرُ الْمُرَاجَعَةِ مَعَ تَأَنِّي الدَّارِّ فِي كُلِّ وَاقِعَةٌ . وَقَالَ
عَبْدُ الْوَهَّابِ : إنَّ الْأَقْوَى عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِهِمْ . وَقَالَ صَاحِبُ " اللُّبَابِ " : إنَّهُ الصَّحِيحُ . وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ فِي الْحَاضِرِ ، وَقَطَعَ فِي الْغَائِبِ بِالْوُقُوعِ . هَذَا حَاصِلُ مَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ الْأَقْوَالِ . وَقَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ : اجْتِهَادُ الصَّحَابَةِ فِي زَمَنِهِ لَهُ حَالَتَانِ : أَحَدُهُمَا - أَنْ تَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=8كَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ nindex.php?page=showalam&ids=32وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُمَا إلَى
الْيَمَنِ ، فَيَجُوزُ اجْتِهَادُهُمَا ، لِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذًا قَالَ : أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي ، فَاسْتَصْوَبَهُ ، وَسَوَاءٌ اجْتَهَدَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ . وَيَكُونُ اجْتِهَادُهُ أَمْرًا مُسَوَّغًا مَا لَمْ يَرِدْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُهُ . ثَانِيهِمَا - أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُجْتَهِدِ وِلَايَةٌ فَلَهُ حَالَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) - أَنْ يَظْفَرَ بِأَصْلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ فَيَجُوزُ اجْتِهَادُهُ فِي الرُّجُوعِ إلَيْهِمَا ، وَلَا يَلْزَمُ إذَا قَدَرَ عَلَى النَّبِيِّ أَنْ يَسْأَلَهُ عَمَّا اجْتَهَدَ فِيهِ ، لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ بِأَصْلٍ لَازِمٍ . و ( ثَانِيهِمَا ) - أَنْ يَعْدَمَ أَصْلًا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ . وَأَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخَافُ فَوَاتَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَهِدَ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَشْرَعَ .
[ ص: 258 ] وَ ( الثَّانِي ) يَجُوزُ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلِاجْتِهَادِ . وَعَلَى هَذَا فَفِي جَوَازِ تَقْلِيدِهِ وَجْهَانِ ( أَحَدُهُمَا ) لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُقَلِّدَهُ فِيهِ ، لِوُجُودِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ . فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ الْمُجْتَهِدَ إذَا قَدِمَ الرَّسُولُ أَنْ يَسْأَلَهُ . الْقِسْمُ الثَّانِي - أَنْ يَكُونَ الْمُجْتَهِدُ حَاصِلًا فِي مَدِينَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَغَائِبًا عَنْ مَحَلَّتِهِ ، فَإِنْ رَجَعَ فِي اجْتِهَادِهِ إلَى أَصْلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحَّ وَجَازَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ ، لِأَنَّ
الْعَجْلَانِيُّ سَأَلَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ
بِالْمَدِينَةِ عَنْ قَذْفِ امْرَأَتِهِ بِمَا سَمَّاهُ فَقَالَ لَهُ : حَدٌّ فِي ظَهْرِك إنْ لَمْ تَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ، ثُمَّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قِيلَ لَهُ فَتَوَقَّفَ فِيهِ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى مَنْ أَجَابَهُ .
وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ الْمُجْتَهِدُ إلَى أَصْلٍ فَفِي جَوَازِ اجْتِهَادِهِ وَجْهَانِ ، قَالَ صَاحِبُ " الْحَاوِي " : وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ يَصِحُّ اجْتِهَادُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ دُونَ الْعِبَادَاتِ ، لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ تَكْلِيفٌ فَتَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَوَامِرِ بِهَا ، وَالْمُعَامَلَاتُ تَخْفِيفٌ فَتُعْتَبَرُ النَّوَاهِي عَنْهَا . الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الْمُجْتَهِدُ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الرَّسُولِ ، فَإِنْ أَمَرَهُ بِالِاجْتِهَادِ صَحَّ اجْتِهَادُهُ ، كَمَا حَكَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي
بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالِاجْتِهَادِ لَمْ يَصِحَّ اجْتِهَادُهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِهِ فَيُقِرَّهُ عَلَيْهِ ، فَيَصِيرُ بِإِقْرَارِهِ عَلَيْهِ صَحِيحًا ، كَمَا قَالَ
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَلَبَ الْقَتِيلِ وَقَدْ أَخَذَهُ غَيْرُ قَاتِلِهِ .
قُلْت : وَفِي مَعْنَى أَمْرِهِ بِهِ الْمُشَاوَرَةُ . لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } [ وَقَدْ شَاوَرَهُمْ فِي أَمْرِ الْأَسْرَى وَغَيْرِهِ ] . وَكَذَلِكَ اجْتِهَادُهُمْ بِحَضْرَتِهِ لِيَعْرِضُوا عَلَيْهِ رَأْيَهُمْ ، فَإِنْ صَحَّ قَبِلَهُ ، وَإِلَّا رَدَّهُ . كَبَحْثِ الطَّالِبِ عِنْدَ أُسْتَاذِهِ .
وَقَدْ اجْتَهَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذٌ فِي تَرْكِهِ قَضَاءَ الْغَائِبِ أَوَّلًا ، ثُمَّ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ وَرَضِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : ( قَدْ سَنَّ لَكُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذٌ ) وَكَذَلِكَ امْتِنَاعُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَحْوِ اسْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّحِيفَةِ ، وَكَانَ اجْتِهَادًا عَظِيمًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ صُوَرٌ يَجُوزُ فِيهَا
nindex.php?page=treesubj&link=22272الِاجْتِهَادُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِنْ مَوْضِعِ الْخِلَافِ .
[ ص: 259 ] وَقَدْ احْتَجَّ
الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الْوُقُوعِ : ( 1 ) بِقَضِيَّةِ
أَبُو بَكْرٍ هَذِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَدَقَ ) وَلَمْ يَقُلْهُ
الصِّدِّيقُ بِغَيْرِ الِاجْتِهَادِ .
( 2 ) : وَكَذَلِكَ حَكَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي
بَنِي قُرَيْظَةَ بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ قَالَ : ( لَقَدْ حَكَمْت بِحُكْمِ اللَّهِ ) . ( 3 ) وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=59عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ nindex.php?page=showalam&ids=27وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنْ يَحْكُمَا بَيْنَ خَصْمَيْنِ ، وَقَالَ لَهُمَا : إنْ أَصَبْتُمَا فَلَكُمَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَإِنْ أَخْطَأْتُمَا فَلَكُمَا حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ . وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ نَظَرٌ : أَمَّا ( الْأَوَّلُ ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=60أَبَا قَتَادَةَ قَتَلَ عَامَ
حُنَيْنٍ مُشْرِكًا ثُمَّ إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62737مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَقُومُ nindex.php?page=showalam&ids=60أَبُو قَتَادَةَ [ ص: 260 ] فَلَا يَجِدُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ . فَلَمَّا كَانَ الثَّالِثَةُ قَالَ : يَا nindex.php?page=showalam&ids=60أَبَا قَتَادَةَ مَا لَك ؟ قَالَ : فَقَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، سَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنْ حَقِّهِ } . قَالَ
أَبُو بَكْرٍ . . . الْحَدِيثَ . وَظَاهِرُهُ أَنَّ
الصِّدِّيقَ لَمْ يَقُلْهُ بِالِاجْتِهَادِ ، بَلْ هُوَ تَنْفِيذٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37018مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ } .
وَأَمَّا ( الثَّانِي ) فَالنِّزَاعُ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إذَا وَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَهُ ، كَغَالِبِ عَادَاتِهِمْ ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِيهَا بِرَأْيِهِ مِمَّا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ . وَتَحْكِيمُ
nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَوَّضَ إلَيْهِ الْحُكْمَ فِي وَاقِعَةٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ . وَأَمَّا ( الثَّالِثُ ) فَقِيلَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ، بَلْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16298عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ
يَزِيدَ بْنِ الْحُبَابِ حَدَّثَهُ عَنْ
فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ خَصْمَيْنِ جَاءَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( اقْضِ بَيْنَهُمَا ) وَذَكَرَ
أَبُو سَعِيدٍ النَّقَّاشُ فِي كِتَابِ الْقُضَاةِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15550بَقِيَّةَ عَنْ
فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهْرَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : جَاءَ خَصْمَانِ إلَى النَّبِيِّ ( ص ) ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : ( اقْضِ بَيْنَهُمَا ) فَقُلْت ، يَا رَسُولَ اللَّهِ : كُنْتَ أَوْلَى بِهِ ،
[ ص: 261 ] قَالَ : وَإِنْ كَانَ ، قُلْتَ : مَا أَقْضِي ؟ قَالَ : ( عَلَى أَنَّك إنْ أَصَبْتَ كَانَ لَك عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَإِنْ أَخْطَأْتَ كَانَ لَك حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ ) وَمَدَارُهُ عَلَى
فَرَجٍ ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُونَ ، وَشَيْخُهُ
مُحَمَّدٌ وَأَبُوهُ مَجْهُولَانِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي اسْمِ أَبِيهِ ، وَالِاخْتِلَافُ هَلْ هُوَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَوْ عَنْ أَبِيهِ . وَقَدْ صَحَّحَ
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ فِي ( الْمُسْتَدْرَكِ ) الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ نَظَرٌ .
وَاسْتَدَلَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13933الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَادَى يَوْمَ انْصَرَفَ مِنْ الْأَحْزَابِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62738لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَتَخَوَّفَ نَاسٌ فَوْتَ الْوَقْتِ فَصَلَّوْا دُونَ بَنِي قُرَيْظَةَ . وَقَالَ آخَرُونَ : لَا نُصَلِّي إلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ . قَالَ : فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ } . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ النِّزَاعَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجْتَهِدُ فِيمَا لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ أَوْ يُرَاجِعُ ، وَهَذَا اجْتِهَادٌ فِي نَصِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا الْمُرَادُ بِهِ . وَقَدْ يُقَالُ : إنَّ الْمَقْصُودَ وُقُوعُ الِاجْتِهَادِ فِي الْجُمْلَةِ . و ( الثَّانِي ) أَنَّهُمْ كَانُوا غَائِبِينَ ، وَقَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ لَهُمْ . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ قَالَ : أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي . وَصَوَّبَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ . أَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ . وَحَدِيثُ بَعْثِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا قَاضِيًا ، وَقَالَ : لَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ ، فَقَالَ : ( اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ وَثَبِّتْ لِسَانَهُ ) أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُد nindex.php?page=showalam&ids=15395وَالنَّسَائِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ nindex.php?page=showalam&ids=14070وَالْحَاكِمُ فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " .
[ ص: 262 ] وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=68زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ
الْيَمَنِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62739حَدَّثَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ثَلَاثَةً وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ ، فَأَتَوْا nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا يَخْتَصِمُونَ فِي الْوَلَدِ ، فَقَالَ : أَنْتُمْ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ أَرَى أَنْ نُقْرِعَ بَيْنَكُمْ ، فَقَرَعَ أَحَدُهُمْ فَدَفَعَ إلَيْهِ الْوَلَدَ ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : مَا أَعْلَمُ فِيهَا إلَّا مَا قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ } . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ، بِسَنَدٍ
عَلَى شَرْطِهِمَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذٍ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62740كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سُبِقَ الرَّجُلُ بِبَعْضِ صَلَاتِهِ سَأَلَهُمْ فَأَوْمَئُوا إلَيْهِ بِاَلَّذِي سُبِقَ . فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : اصْنَعُوا كَمَا صَنَعَ nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذٌ } . وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ تَغَيَّرَ مِنْ يَوْمئِذٍ وَأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ بِأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَنُسِخَ بِهِ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ . بَلْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُعْجَمِهِ " ، بِسَنَدٍ عَلَى شَرْطِهِمَا إلَّا
فُلَيْحًا فَعَلَى شَرْطِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ ، وَلَفْظُهُ : عَنْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62741 nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذٍ قَالَ : فَجِئْت يَوْمًا وَقَدْ سُبِقْت وَأُشِيرَ إلَيَّ بِاَلَّذِي سُبِقْت بِهِ . فَقُلْتُ : لَا أَجِدُهُ عَلَى حَالٍ كُنْت عَلَيْهَا ، فَكُنْت بِحَالِهِمْ الَّتِي وَجَدْتُهُمْ عَلَيْهَا ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْتُ . فَصَلَّيْتُ وَاسْتَقْبَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ النَّاسَ وَقَالَ : مَنْ الْقَائِلُ كَذَا وَكَذَا ؟ قَالُوا : nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذٌ ، فَقَالَ قَدْ سَنَّ لَكُمْ فَاقْتَدُوا بِهِ . إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَقَدْ سُبِقَ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ فَلِيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ بِصَلَاتِهِ ، فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ فَلْيَقْضِ مَا سَبَقَهُ بِهِ } . وَكَذَلِكَ حَدِيثُ مُوَافَقَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ بِحَضْرَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
[ ص: 263 ] فَائِدَةٌ قَالَ
الرَّازِيَّ فِي " الْمَحْصُولِ " : الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي الْفِقْهِ . وَاعْتَرَضَهُ
ابْنُ الْوَكِيلِ وَقَالَ : بَلْ فِي مَسَائِلَ الْفِقْهِ مَا يُبْنَى عَلَيْهِ . مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=22272_25612شَكَّ فِي نَجَاسَةِ أَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ وَمَعَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ . فَفِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ وَجْهَانِ : ( أَصَحُّهُمَا ) يَجْتَهِدُ وَلَا يُكَلِّفُ الْغَيْرَ ، بِدَلِيلِ طَهَارَتِهِ مِنْ الْإِنَاءِ الْمَظْنُونِ طَهَارَتُهُ وَهُوَ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ . وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يُجَوِّزُ الِاجْتِهَادَ فِي زَمَنِهِ . ( الثَّانِي ) لَا ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يَمْنَعُ الِاجْتِهَادَ . وَكَذَلِكَ مَنْ اجْتَهَدَ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ ، هَلْ تَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَمَكُّنِ الْوَقْتِ . وَرُجْحَانُ الْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ فِيهَا أَقْوَى مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هَذَا التَّرْجِيحُ وَهْمٌ ، فَالْقَادِرُ عَلَى سُؤَالِ الرَّسُولِ لَا يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْيَقِينِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَحْيٌ ، وَإِلَّا فَمَا لَمْ يَنْزِلْ الْوَحْيُ فَلَا حُكْمَ فَلَا قَطْعَ وَلَا ظَنَّ . فَغَايَةُ الْقَادِرِ سُؤَال عَلَى الرَّسُولِ أَنْ يُجَوِّزُ نُزُولَ الْوَحْيِ فَيَكُونُ مُجَوِّزًا لِلْيَقِينِ ، وَإِنَّمَا مَأْخَذُ هَذَا الْخِلَافِ الْأُصُولِيِّ مَا فِي الِاجْتِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّحَرِّي ، وَمَا فِيهِ مِنْ سُلُوكِ طَرِيقٍ لَا يَأْمَنُ فِيهَا الْخَطَأُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ طَرِيقٍ يَأْمَنُ فِيهِ الْخَطَأَ ، فَمَا قَالَهُ
الرَّازِيَّ أَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ لِلْخِلَافِ صَحِيحٌ . نَعَمْ ، الْخِلَافُ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ بِسُؤَالِ اللَّهِ ، وَهَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ ، بَلْ قُدْرَتُهُ عَلَى الْيَقِينِ مَقْطُوعٌ بِهَا ، سَوَاءٌ وَقَعَ الْجَوَابُ فِي الْحَالِ . كَمَا كَانَ أَغْلَبُ أَحْوَالِهِ ، أَوْ بَعْدَ انْتِظَارِ الْوَحْيِ كَمَا فِي اجْتِهَادِهِ سَوَاءٌ . وَإِنَّمَا الْمَانِعُ مِنْ التَّخْرِيجِ أَنَّ الِاجْتِهَادَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ
[ ص: 264 ] عُلِمَ ، وَإِنَّمَا هُوَ اجْتِهَادٌ فِي تَعْيِينِهِ ، وَمَسْأَلَتُنَا اجْتِهَادٌ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ غَيْرِ مَعْلُومٍ لَهُ ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّجْوِيزِ فِي الْمُشْتَبَهِ بَعْدَ عِلْمِهِ الْجَوَازُ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ . .