وهذا يلتفت إلى خلاف آخر وهو أنه هل يقتضي التكرار أم لا ؟ وفيه مذاهب :
أحدها : يعم ، وبه جزم ، فقال : القاضي أبو بكر ، يفيد في عرف اللغة تكثير الفعل وتكريره ، لأنهم لا يقولون : كان فلان يطعم الطعام ، ويحمي الذمار إذا فعله مرة أو مرتين ، بل يخصون به المداوم على ذلك ، وقد قال تعالى : { قول الراوي : كان يفعل كذا وكان يأمر أهله بالصلاة } يريد المداومة على ذلك ، وكذا قال : هي تقتضي تكرير الفعل من طريق اللغة ، لأنه لا يقال في اللغة : كان يفعل كذا إلا إذا تكرر منه ، وتبعه القاضي أبو الطيب في مختصريه . ابن الحاجب
والثاني : أنها لا تقتضي التكرار لا عرفا ولا لغة ، واختاره في " المحصول " . وقال النووي في " شرح " : إنه المختار الذي عليه أكثر المحققين من الأصوليين ، وإنما هي فعل ماض دل على وقوعه مرة ، وإن دل الدليل على التكرار عمل به ، وإلا فلا يقتضيها بوضعها . وقال بعض النحاة : " كان " عبارة عن وجود الشيء في زمن ماض على سبيل الإبهام ، وليس فيه دليل على عدم سابق ، ولا انقطاع طارئ . [ ص: 236 ] مسلم
والثالث : أنها لا تفيده لغة وتقيده عرفا ، إذ لا يقال : كان يتهجد إذا فعله مرة . ونقله في " المعتمد " عن أبو الحسين عبد الجبار بعد أن عدها من صيغ العموم . وقال الصفي الهندي : إنه الأظهر ، والتحقيق ما قاله ابن دقيق العيد : إنه يقال كان يفعل كذا ، بمعنى أنه تكرر منه فعله ، وكان عادته كما يقال : كان فلان يقري الضيف { } ، وقد تستعمل لإفادة مجرد الفعل ووقوعه دون الدلالة على التكرار ، والأول أكثر في الاستعمال ، وعليه ينبغي حمل الحديث . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير