الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( ولا قطع فيما يتسارع إليه الفساد كاللبن واللحم والفواكه الرطبة ) [ ص: 186 ] لقوله عليه الصلاة والسلام : { لا قطع في ثمر ولا كثر }" والكثر : الجمار ، وقيل [ ص: 187 ] الودي .

                                                                                                        وقال عليه الصلاة والسلام : { لا قطع في الطعام }" والمراد والله أعلم ما يتسارع إليه الفساد كالمهيإ للأكل منه ، وما في معناه كاللحم والثمر ، لأنه يقطع في الحنطة والسكر إجماعا .

                                                                                                        وقال الشافعي رحمه الله : يقطع فيها لقوله عليه الصلاة والسلام : { لا قطع في ثمر ولا كثر فإذا آواه الجرين أو الجران قطع }" قلنا : أخرجه على وفاق العادة ، والذي يؤويه الجرين في عادتهم هو اليابس من الثمر وفيه القطع .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثالث :

                                                                                                        قال عليه السلام : { لا قطع في ثمر ولا كثر }" قلت : أخرجه الترمذي عن الليث بن سعد ، والنسائي ، وابن ماجه عن سفيان بن عيينة ، كلاهما عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان ، { أن غلاما سرق وديا من حائط ، فرفع إلى مروان ، فأمر بقطعه ، فقال رافع بن خديج : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا قطع في ثمر ولا كثر }" انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الحادي [ ص: 186 ] والتسعين ، من القسم الأول عن سفيان به ، وأعاده في النوع الأربعين ، من القسم الثاني ، قال عبد الحق في " أحكامه " : هكذا رواه سفيان بن عيينة ، ورواه غيره ، فلم يذكر واسع بن حبان ، ولم يتابع سفيان على هذه الرواية إلا حماد بن دليل ، فإنه رواه عن شعبة عن يحيى بن سعيد مثل رواية سفيان ، وأما غير حماد ، فإنه رواه عن شعبة ، لم يذكر واسع بن حبان ، ومحمد بن يحيى بن حبان لم يسمع من رافع انتهى .

                                                                                                        وقال الترمذي : وقد روى هذا الحديث مالك ، وغيره عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى عن رافع ، لم يذكروا فيه واسعا انتهى .

                                                                                                        أما حديث مالك

                                                                                                        فهو عند أبي داود في " سننه " ، وتابع مالكا على هذه الرواية المنقطعة حماد بن دليل ، وحديثه عند أبي داود أيضا ، وعمرو بن علي ، وحديثه عند النسائي ، وزهير ، وشعبة ، وحديثهما عند النسائي أيضا ، وأخرجه النسائي أيضا عن سفيان عن يحيى بن سعيد به منقطعا ، فقد اختلف فيه على سفيان ، ومنهم أبو خالد الأحمر ، وحديثه عند أبي شيبة في " مصنفه " ، وأخرجه الطبراني في " معجمه " عن الحسن بن صالح عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم { لا قطع في ثمر ولا كثر }" انتهى .

                                                                                                        وتأول الشافعي الثمر في هذا الحديث ، ما كان معلقا في النخل ، قبل أن يجذ ويحرز ، بدليل قوله في الحديث الآتي قريبا : { ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين ، فبلغ ثمن المجن . فعليه القطع }

                                                                                                        وزاد النسائي فيه لفظ : والكثر : الجمار الذي في النخل ، ولم يروه أحمد في " مسنده " إلا بالطريق المقطوعة ، وبالطريقين رواه الدارمي ، وإسحاق بن راهويه .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        رواه ابن ماجه حدثنا هشام بن عمار ثنا سعيد بن سعيد المقبري عن أخيه عن أبيه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا قطع في ثمر ولا كثر }" ، [ ص: 187 ] انتهى .

                                                                                                        الحديث الرابع : قال عليه السلام : { لا قطع في الطعام }" قلت : غريب بهذا اللفظ وأخرج أبو داود في " المراسيل عن جرير بن حازم عن الحسن البصري أن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : { إني لا أقطع في الطعام }"

                                                                                                        انتهى .

                                                                                                        وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة أبي داود ، ولم يعله بغير الإرسال ، وأقره ابن القطان على ذلك وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حفص عن أشعث بن عبد الملك ، وعمرا عن الحسن { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل سرق طعاما ، فلم يقطعه }انتهى .

                                                                                                        حدثنا وكيع عن جرير بن حازم ، والسري بن يحيى عن الحسن ، نحوه ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري عن رجل عن الحسن ، فذكره ، وزاد : قال سفيان : هو الطعام الذي يفسد من نهاره ، كالثريد واللحم .

                                                                                                        الحديث الخامس : قال عليه السلام : { لا قطع في ثمر ولا كثر ، فإذا آواه الجرين أو الجران ، قطع }" قلت : غريب هذا اللفظ ، وبمعناه ما أخرجه أبو داود ، والنسائي ، [ ص: 188 ] وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو { أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الثمر المعلق ، فقال : من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ، ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين ، فبلغ ثمن المجن فعليه القطع }

                                                                                                        انتهى .

                                                                                                        أخرجه في [ ص: 189 ] اللقطة " أبو داود عن ابن عجلان ، وعن الوليد بن كثير ، وعن عبيد الله بن الأخنس ، وعن محمد بن إسحاق أربعتهم عن عمرو بن شعيب به وأخرجه النسائي في " الزكاة " عن ابن عجلان ، وعبيد الله بن الأخنس وأخرجه أيضا من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث ، وهشام بن سعد عن عمرو بن شعيب به { أن رجلا من مزينة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى في الثمر المعلق ؟ فقال : ليس في شيء من الثمر المعلق قطع ، إلا ما آواه الجرين ، فما أخذ من الجرين ، فبلغ ثمن المجن ، ففيه القطع وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثله ، وجلدات نكال }

                                                                                                        ، مختصر .

                                                                                                        وبهذا السند والمتن رواه الحاكم في المستدرك " ، [ ص: 190 ] وقال : قال إمامنا إسحاق بن راهويه : إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر ، انتهى .

                                                                                                        وأخرجه ابن ماجه في " الحدود " عن الوليد بن كثير عن عمرو به .

                                                                                                        واعلم أن الترمذي روى هذا الحديث في " البيوع " عن ابن عجلان به مختصرا ، لم يذكر فيه السرقة ، وقال : حديث حسن ، انتهى .

                                                                                                        ووقفه ابن أبي شيبة في " مصنفه " فقال : حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : ليس في شيء من الثمار قطع ، حتى يأوي الجرين ، حدثنا وكيع عن إسحاق بن سعيد عن أبيه عن ابن عمر ، قال نحوه سواء .

                                                                                                        وروى عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن عطاء الخراساني أن عمر بن الخطاب ، قال : من أخذ من الثمر شيئا ، فليس عليه قطع حتى يأوي الجرين ، فإن أخذ منه بعد ذلك ما يساوي ربع دينار قطع انتهى .

                                                                                                        وروى مالك في " الموطإ " قال أبو مصعب : أخبرنا مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : { لا قطع في ثمر معلق ، ولا في حريسة جبل فإذا آواه المراح أو الجرين ، فالقطع فيما بلغ ثمن المجن }"

                                                                                                        انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية