فصل : والأصل في وجوبها الكتاب ، والسنة ، وإجماع الصحابة .  
فأما الكتاب فقوله تعالى :  وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة   ، [ البينة : 5 ] ، وقال تعالى :  وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة   ، [ النور : 56 ] ، واختلف أصحابنا في هذه الآية هل هي مجملة أم لا ؟ فقال  أبو إسحاق      : مجملة ؛ لأن الزكاة لا تجب إلا في مال مخصوص إذا بلغ قدرا مخصوصا ، والآية لا تتضمن شيئا من هذا ، فعلم أنها مجملة ، وبيانها مأخوذ من جهة السنة ، إلا أنها تقتضي الوجوب ، وقال عدة من أصحابنا : ليست مجملة ، وذلك أن كل ما يتناوله اسم الزكاة فلأنه يقتضي وجوبه ، فإذا أخرج من المال ما يقع عليه اسم الزكاة فقد امتثل الأمر ، والزيادة عليه مأخوذة من السنة ،  ويدل على وجوب الزكاة   أيضا قوله تعالى :  وفي أموالهم حق للسائل والمحروم    [ ص: 72 ] ، [ الذاريات : 19 ] ، وقوله تعالى :  خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها   ، [ التوبة : 103 ] ، فقوله تعالى ( خذ ) صريح في الأخذ ، وتنبيه على الوجوب ، وقوله تعالى :  في أموالهم حق معلوم   ، [ المعارج : 24 ] ، صريح في الوجوب ، وتنبيه على الأخذ ، وقال تعالى :  والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم   ، [ التوبة : 34 ] ، والكنز من الأموال ما لم تؤد زكاته ، سواء كان مدفونا أو ظاهرا ، وما أدي زكاته فليس بكنز ، سواء كان مدفونا أو ظاهرا هكذا قال  الشافعي   ، وقد اعترض عليه في هذا التأويل  ابن جرير الطبري   ،  وابن داود الأصبهاني   ، فأما  ابن داود   فقال : الكنز في اللغة هو المال المدفون ، سواء أديت زكاته أم لا ، وهو المراد بالآية .  
وأما  ابن جرير   فقال : الكنز المحرم بالآية ، هو ما لم ينفق منه في سبيل الله سبحانه ، في الغزو والجهاد ، وكلا التأويلين غلط ، وما ذكره  الشافعي   أصح ؛ لأن الكتاب يشهد له والسنة تدل عليه ، وقول الصحابة يعضده ، فأما ما يشهد من كتاب الله سبحانه ، فما ورد فيه من الوعيد بقوله تعالى :  فبشرهم بعذاب أليم   ، [ التوبة : 34 ] ، إلى قوله سبحانه :  ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون   ، [ التوبة : 35 ] ، ولا يجوز أن يكون هذا الوعيد واردا في حرز الأموال ودفنها ، كما قال  ابن داود   لإباحته ذلك ، ولا في إنفاقها في الغزو والجهاد ، وكما قال  ابن جرير   ؛ لأن فرضه لم يتعين ، وليس في الأموال حق يجب أداؤه إلا الزكاة فعلم أنه المراد بالآية .  
وأما ما يدل عليه من السنة ، فما روى  عطاء   عن   أم سلمة  أنها قالت :  يا رسول الله إن لي أوضاحا من ذهب أكنزها ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " كل مال بلغ الزكاة فزكي فليس بكنز ، وما لم يزكه فهو كنز " .  
وأما ما يعضده من قول الصحابة رضي الله عنهم ، فما روي عن  ابن عمر   أنه قال : كل مال لم تؤد زكاته فهو كنز وإن لم يدفن ، وكل مال أدى زكاته فليس بكنز وإن دفن . وروي عن  أبي هريرة   قال :  أيما رجل لا يؤدي زكاة ماله جاء يوم القيامة شجاع أقرع ، يطلب صاحبه ، فيقول : أنا كنزك ، أنا كنزك  ، وليس لهما في الصحابة مخالف ، فهذا الذي ذكرنا من الكتاب دال على وجوب الزكاة ، وإن كان ما ورد به الكتاب أكثر مما ذكرنا .  
وأما الدلالة على  وجوبها من طريق السنة      : فما روى  عمر   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :    " بني الإسلام على خمس ؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا " .  
 [ ص: 73 ] وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :    " صلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وأدوا زكاة أموالكم ، وحجوا بيت ربكم تدخلوا الجنة " .  
وروى  أبو وائل   عن  ابن مسعود   قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :  ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله ، إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع يتبعه وهو يفر منه ، حتى يطوقه في عنقه ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم  سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة   ، [ آل عمران : 180 ] ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :    " أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم " .  
وروى  أبو هريرة   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :    " أمرت بثلاث : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " .  
وروي أن  معاذ بن جبل   بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال :    " ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله فإن أجابوك فأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم " .  
وروى  ابن عمر   عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :    " أيما صاحب إبل أو بقر وغنم لم يؤد زكاتها طرح يوم القيامة بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتكأه بأظلافها ، كلما بعدت أخراها عادت عليه أولاها " .  
فهذا من طريق السنة .  
فأما  طريق وجوبها من إجماع الصحابة   ، فهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قبر ، واستخلف  أبو بكر   رضي الله عنه كفر من العرب من كفر ، وامتنع من أداء الزكاة من امتنع ، فهم  أبو بكر   رضي الله عنه بقتالهم ، واستشار الصحابة فيهم ،  فقال له  عمر   رضي الله عنه : كيف تقاتلهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله سبحانه ، قال : فوكز  أبو بكر   في صدري وقال : وهل هذا إلا حق حقها ، والله لا فرقت بين الصلاة والزكاة وقد جمع الله عز وجل بينهما في كتابه ، ثم قال والله لو منعوني عقالا أو عناقا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ، قال  عمر      : وشرح الله تعالى صدري للذي شرح له صدر  أبي بكر   ، فأجمعت الصحابة معه على وجوبها بعد مخالفتهم له ، وأطاعوه على قتال مانعيها بعد إنكارهم عليه ، فثبت وجوبها بالكتاب والسنة والإجماع .  
				
						
						
