الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو اشترى شيئا للتجارة ثم نواه لقنية لم يكن عليه زكاة ، وأحب لو فعل ، ولا يشبه هذا السائمة إذا نوى علفها ، فلا ينصرف عن السائمة حتى يعلفها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال :

                                                                                                                                            إذا اشترى عرضا بنية التجارة جرت فيه الزكاة وثبت له الحول من وقت الشراء ، لأن - النية لم تتجرد عن الفعل فإن قيل : لو اشترى شاة بنية الأضحية لم تصر أضحية بالشراء والنية حتى يتعقبها القول فما الفرق بينها ؟ قيل : بينهما فرقان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الشاة يمكن أن تصير أضحية بعد الشراء بأن يقول هذه أضحية فلذلك لم تكن أضحية بنفس الشراء والنية ، والعرض لا يصير للتجارة بعد الشراء بالقول ، ولا بالنية فلذلك صار للتجارة بنفس الشراء والنية .

                                                                                                                                            والفرق الثاني : أن جعل الشاة أضحية يزيل الملك ، والشراء يجلب الملك فلم يصح اجتماعهما لتنافيهما ، وجعل العرض للتجارة غير مزيل للملك فلم يناف الشراء فصح اجتماعهما فإذا ثبت أنه يكون للتجارة بالشراء والنية فالزكاة جارية فيه ، فلو نوى أن يكون للقنية صار للقنية بمجرد النية وسقط وجوب الزكاة فيه .

                                                                                                                                            والفرق بين أن يصير للقنية بمجرد النية ولا يصير للتجارة ، لأن القنية كف وإمساك ، فإذا نواها فقد وجد الكف والإمساك معها من غير فعل يحتاج إلى إحداثه ، فصار للقنية والتجارة فعل وتصرف ببيع وشراء ، فإذا نواها وتجردت النية عن فعل يقارنها لم تصر للتجارة : لأن الفعل لم يوجد ، وشاهد ذلك السفر الذي يتعلق بوجوده أحكام وزواله أحكام ، فلو نوى المقيم السفر لم يصر مسافرا : لأن السفر إحداث فعل والفعل لم يوجد ، ولو نوى المسافر الإقامة صار مقيما : لأن الإقامة لبث وكف عن فعل ، وذلك قد وجد فلو كان بيده عرضان للتجارة ، فنوى قنية أحدهما كان ما لم يبقه قنيته على حكم التجارة تجري فيه الزكاة ، وما نوى قنيته خارج عن حكم التجارة ، لا تجب فيه الزكاة ، ولو كان بيده عرض للتجارة فنوى قنية بعضه ، فإن وجد ذلك البعض بإجارة عن الجملة أو إشاعة معلومة ، كان مقتنيا لما نوى من بعضه متخيرا لما بقي من جملته ، وإن لم يجد ذلك البعض فعلى وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا حكم للقنية للجهل بها ، ويكون جميع العرض على حكم التجارة .

                                                                                                                                            [ ص: 298 ] والوجه الثاني : يجعل نصفه للقنية ، والنصف الثاني للتجارة تسوية بين البعضين وتعديلا بين الحكمين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية