الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن كان الفرضان معيبين بمرض أو هيام أو جرب أو غير ذلك وسائر الإبل صحاح ، قيل له إن جئت بالصحاح وإلا أخذنا منك السن التي هي أعلى ورددنا أو السن التي هي أسفل وأخذنا ، والخيار في الشاتين أو العشرين درهما إلى الذي أعطى ، ولا يختار الساعي إلا ما هو خير لأهل السهمان وكذلك إن كانت أعلى بسنين أو أسفل فالخيار بين أربع شياه أو أربعين درهما " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح إذا كان معه مائتان من الإبل صحاحا ، وكان الفرضان حقا فيهما معيبين بمرض أو هيام ، وهو داء يأخذ الإبل في أجوافها فلا تزال تكرع الماء عطاشا حتى تموت . قال الشاعر :

                                                                                                                                            القوم هيم والأداوى يبس إن ترد الماء بماء أكيس

                                                                                                                                            ، أو جرب وهو الداء المعروف ، لم يجز أن يخرج الفرض معيبا مع صحة ماله ، قال الله تعالى : ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه ، [ البقرة : 267 ] ، وروى أنس بن [ ص: 97 ] مالك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما كتب له إلى البحرين ، كان له في كتابه : " لا تأخذ هرمة ولا ذات عيب " .

                                                                                                                                            وروى الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر أنه كان في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم : ولا تأخذ هرمة ولا ذات عوار ولأن أمر الزكوات مبني على المعادلة بين المساكين وأرباب الأموال والرفق بهما ، فلما لم يأخذ من المعيب صحيحا رفقا برب المال ، لم يأخذ من الصحيح معيبا رفقا بالمساكين ، فإذا تقرر أنه لا يجوز أخذ المعيب فيها ، قيل لرب المال : أنت بالخيار أن تأتينا بفرضها من غيرها ، إما أربع حقاق ، أو خمس بنات لبون تشبه مالك ، وبين أن نأخذ منك السن الأعلى ، أو تعطي السن الأدنى وتأخذ ، فإن صعد إلى السن الأعلى وهو الجذاع ، صعد إليها من الحقاق لا من بنات اللبون ، لأنه إذا صعد من بنات اللبون صعد إلى الحقة وهي فرضه ، وإن أراد النزول نزل من بنات اللبون إلى بنات المخاض ، ولا ينزل من الحقاق إليها لما ذكرنا .

                                                                                                                                            فأما قول الشافعي : فإن كان الفرضان معيبين بمرض أو هيام أو غير ذلك وسائر الإبل صحاح ، فيعني وباقي الإبل صحاح ؛ لأن لفظة " سائر " إنما تستعمل في موضع كل على وجه المجاز ، وإلا فهي مستعملة فيما بقي حقيقة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أكلتم فاسأروا " أي فبقوا . وقال الأعشى :

                                                                                                                                            بانت وقد أسارت في النفس حاجتها     بعد ائتلاف وخير القول ما نفعا

                                                                                                                                            ولذلك يقال لما بقي في الإناء سؤر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية