الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وأكره للرجل شراء صدقته إذا وصلت إلى أهلها ولا أفسخه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : ولذا كرهت له شراء ما تصدق به واجبا وتطوعا : لما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمل على فرس في سبيل الله يقال له الورد فرآه يباع في السوق ، فأراد أن يشتريه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تعد في صدقتك ولو أعطيتها نصفين ودعها حتى تكون هي ونتاجها لك يوم القيامة ، ولأن لا يسامح في ثمنها فينقص من ثوابه ، ولأن لا يتبعها نفسه فيستراب له فإن ابتاعها كان البيع جائزا ، وإن كان مكروها .

                                                                                                                                            وقال مالك : البيع باطل استدلالا بحديث عمر رضي الله عنه ونهي النبي صلى الله عليه وسلم له أن يعود في صدقته .

                                                                                                                                            والدلالة على جوازه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة ، وذكر منهم رجلا اشتراها بماله فكان على عمومه ولأن عودها إليه بغير المعنى الذي تملكته عليه غير ممنوع منه ، ألا ترى أنها لو عادت إليه ميراثا ، جاز لما روي أن رجلا تصدق على أبيه بحديقة فمات فرجعت إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قبلت صدقتك وبلغت محلها وصار ذلك ميراثا " ، وإذا جاز عودها إليه بالميراث جاز عودها بالابتياع ، وتحرير ذلك قياسا أن كل ما جاز أن يملكه إرثا ، جاز أن يملكه ابتياعا كسائر الأموال .

                                                                                                                                            [ ص: 332 ] فأما حديث عمر ففيه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن عمر كان قد وقف فرسه وشراء الوقف باطل بوفاق .

                                                                                                                                            والثاني : أنه محمول على الكراهة والاستحباب : لأن النهي يقتضي كراهة العقد دون فساده كالنهي عن بيع النجس ، وأن يبيع الرجل على بيع أخيه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية