فصل : وإن فقد اختلف أصحابنا على وجهين : سأله رب المال أن يتعجل منه وسأله أهل السهمان أن يتعجل لهم
أحدهما : أن المغلب فيه مسألة رب المال ، كما لو تفرد بمسألته ، فيكون على ما مضى من التقسيم والجواب ؛ لأن التعجيل كان باختياره ، ولأنه لو امتنع لم يجبر عليه ، فوجب أن نغلب فيه مسألته .
والوجه الثاني : أن المغلب فيه مسألة أهل السهمان ، كما لو تفردوا بالمسألة ، فيكون على ما مضى من التقسيم والجواب ، لأنهما قد يتناوبا بالمسألة وانفرد أهل السهمان بالارتفاق فوجب أن يغلب فيه مسألتهم . والله أعلم .
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله
قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو فله أن يأخذه من أموالهما لأهل السهمان ؛ لأنهما لما لم يبلغا الحول علمنا أنه لا حق لهما في صدقة قد حلت في حول لم يبلغاه ، ولو ماتا بعد الحول كانا قد استوفيا الصدقة " . استسلف لرجلين بعيرا فأتلفاه وماتا قبل الحول
قال الماوردي : وهذا صحيح .
أما قوله : " لو استسلف لرجلين بعيرا " فليس بشرط في المسألة ، بل لا فرق بين أن يستسلف لرجلين أو رجل أو أكثر ، ولا فرق بين أن يستسلف بعيرا أو بقرة أو شاة ، والجواب في ذلك سواء ، وجملته : أن الوالي إذا تعجل من رجل بعيرا ، ودفعه إلى فقير ، لما رأى من حاجته وشدة خلته ، ثم مات الفقير ، لم يخل حال موته من ثلاثة أقسام :
[ ص: 168 ] إما أن يكون قبل موته أو بعده ، أو شك هل كان موته قبل الحول أو بعده ، فإن مات بعد الحول فلا تراجع ، والزكاة مجزأة ، لأنه قد كان من مستحقي الزكاة عند وجوبها ، وإن مات قبل الحول وجب استرجاعها من تركته ؛ لأن تعجيل الزكاة موقوف بين الإجزاء والاسترجاع ، وذلك لا يجزي رب المال ، فكان له الاسترجاع ، وقال أبو حنيفة : لا يجوز له استرجاعها ، بل تكون صدقة تطوع ، فجعلها موقوفة بين الإجزاء عن الفرض أو التطوع ، وهذا غلط ؛ لأن المقصود بتعجيل الزكاة إسقاط الفرض ، فإذا لم يسقط وجب استرجاعها ، كمن دفعها إلى رجل ظاهره الإسلام فبان كافرا ، كان له استرجاعها ؛ لأن إسقاط الفرض المقصود بالدفع لم يحصل ، كذلك فيما عجل ، وإن شك في موته هل كان قبل الحول أو بعده ففي جواز استرجاعها وجهان :
أحدهما : تسترجع منه اعتبارا باليقين في التعجيل ، لأنه متردد بين أن يموت بعد الحول فتجزي ، وقبل الحول فلا تجزي ، وفرض الزكاة لا يسقط بالشك .
والوجه الثاني : لا تسترجع منه اعتبارا باليقين في الاسترجاع ، لأنه متردد بين أن يموت قبل الحول فتسترجع ، وبعد الحول فلا تسترجع ، وما قد ملك بالقبض فلا يجوز استرجاعها بالشك ، فعلى هذا يجزي ذلك رب المال ؛ لأن الاسترجاع إذا لم يجب بالإخراج ثانية لا يجب ، فهذا الكلام في وجوب الاسترجاع .