مسألة : قال  الشافعي   رضي الله عنه : " وأكره  الفرار من الصدقة   ، وإنما تجب الصدقة بالملك والحول لا بالفرار " .  
قال  الماوردي      : وهذا كما قال :  
إذا ملك الرجل نصابا في الحول ، ثم أخرج بعض النصاب عن ملكه قبل حلول الحول ، لم يخل حاله من أحد أمرين :  
إما أن يفعل ذلك فرارا من الزكاة ، أو غير فرار ، فإن لم يفعل ذلك فرارا وإنما فعله معذورا ، كمن معه مائتا درهم وعليه دين درهم قضاه قبل الحول ، أو معه أربعون شاة أكثر الحول وعليه شاة من سلم حلت قبل الحول ، قضاها من الأربعين فلا زكاة عليه لنقصان النصاب ، ولا يكره عليه لوجوب ما فعله ، وإن فعل ذلك فرارا كمن معه أربعون شاة باع منها قبل الحول شاة ، أو مائتا درهم أنفق منها درهما هربا من الزكاة وفرارا من الوجوب ، ففراره مكروه ، وهو مسيء به ، ولا زكاة عليه .  
وقال  مالك بن أنس      : عليه الزكاة ولا تسقط عنه لفراره استدلالا بشيئين :  
أحدهما : أن الله تعالى تواعد لمن تعرض لإسقاط حق الله تعالى ومنع الواجب فيه بإتلاف ماله ، فقال تعالى :  إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين   ولا يستثنون   فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون   فأصبحت كالصريم   فتنادوا مصبحين      . [ القلم : 17 إلى 21 ] ، وذاك أن القوم أرادوا أن يتعجلوا أخذ ثمارها قبل علم المساكين بها ليمنعوهم الواجب فيها ، ألا ترى أنه تعالى قال :  فانطلقوا وهم يتخافتون   أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين   ، [ القلم : 23 ، 24 ] ، فإذا كان الوعيد عليه مستحقا كان فعله محرما ،  وفعل المحرمات لا يمنع حقوق الله تعالى الواجبات      .  
والثاني : أن إسقاط المال كاجتلاب المال ، فلما كان اجتلاب المال لا يحمل بوجه محرم ، مثل أن يقتل مورثا فلا يرثه ، كذلك إسقاط المال لا يحصل بوجه محرم .  
ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم "  لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول     " وما أتلفه لأجل الفرار لم يحل عليه الحول ، والباقي دون النصاب ، فاقتضى أن لا تلزمه الزكاة ، فإن قيل : لا نسلم أن      [ ص: 197 ] الباقي لا زكاة فيه إذا نقص عن النصاب ، دللنا عليه بأن نقول : لأنه مال تجب الزكاة في عينه نقص عن النصاب قبل الحول فوجب أن تسقط عنه الزكاة ، كما لو كان الناقص لعذر ، فإن قيل : لا نسلم أن ما أتلفه لا زكاة فيه ، دللنا عليه بأنه مال زال ملكه عنه قبل الحول ، فوجب أن لا تجب فيه الزكاة كما لو أتلفه قبل الحول بشهر .  
فأما الجواب عن الآية فمن وجهين :  
أحدهما : أنه عاقبهم على تركهم الاستثناء ، وهو قول إن شاء الله .  
والثاني : أنهم عزموا على الفعل ولم يفعلوا ، والعقاب إن استحقوه فبفعلهم لا بعزمهم ، فلم يكن في الآية دلالة .  
وأما قوله إنه إسقاط حق بسبب محرم فغير مسلم ؛ لأن تصرف الرجل في ماله غير محرم ، وإنما قصده مكروه .  
				
						
						
