[ ص: 468 ] باب صيام التطوع والخروج منه قبل تمامه
قال الشافعي رحمه الله تعالى : " أخبرنا سفيان عن طلحة بن يحيى بن طلحة عن عمته أنها قالت عائشة بنت طلحة دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فقلت خبأنا لك حيسا فقال " أما إني كنت أريد الصوم ولكن قربيه " قال وقد وركع صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره حتى بلغ كراع الغميم ثم أفطر عمر ركعة ثم انصرف فقيل له في ذلك فقال إنما هو تطوع فمن شاء زاد ومن شاء نقص ومما يثبت عن علي رضي الله عنه مثل ذلك وعن ابن عباس رحمه الله تعالى وجابر أنهما كانا لا يريان بالإفطار في صوم التطوع بأسا وقال ابن عباس في رجل صلى ركعة ولم يصل معها له أجر ما احتسب ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فمن دخل في صوم أو صلاة فأحب أن يستتم وإن خرج قبل التمام لم يعد " .
قال الماوردي : وهذا كما قال .
، فالمستحب له إتمام ذلك ، فإن خرج منه قبل إتمامه جاز ولا قضاء عليه معذورا كان أو غير معذور ، وهو في الصحابة قول إذا دخل الرجل في صيام التطوع ، أو صلاة التطوع عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وابن مسعود ، وفي الفقهاء قول الثوري وأحمد وإسحاق . وقال مالك إن خرج منه بعذر جاز ولا قضاء عليه ، وإن خرج منه بغير عذر لزمه القضاء .
وقال أبو حنيفة : عليه إتمامه فإن خرج منه قبل إتمامه لزمه القضاء معذورا كان أو غير معذور ، والخلاف معه في فصلين :
أحدهما : في وجوب إتمامه .
والثاني : في وجوب قضائه والكلام فيهما سواء ، واستدل على وجوب الإتمام بحديث الأعرابي ، وقوله " هل علي غيرها " فقال صلى الله عليه وسلم " إلا أن تتطوع " تقديره إلا أن تتطوع فيلزمك [ ص: 469 ] التطوع أيضا ولأن كل ما وجب فيه المضي بالنذر وجب المضي فيه بالفعل كالحرج واستدل على وجوب القضاء عند فقد الإتمام بما روي عائشة رضي الله عنهما أنهما أفطرتا يوما تطوعا فقالتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي لنا طعام فاشتهينا فأفطرنا فقال : " لا عليكما اقضيا يوما مكانه " وحفصة قال : ولأنها عبادة مقصودة انعقدت على الوجه الذي افتتحها ، فوجب إذا أفسدها أن يلزمه قضاؤها كالحج ، وقوله على الوجه الذي افتتحها احترازا ممن أحرم بالصلاة قبل وقتها ، أو أحرم بصلاة فائتة ثم بان له أداؤها فله الخروج من ذلك قبل الإتمام ، ولأنها لم تنعقد على الوجه الذي افتتحها عليه ، وهذا خطأ والدلالة على جواز الخروج من ذلك قبل إتمامه ما رواه عن الشافعي في أول الباب عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : خبأنا لك حيسا فقال : " أما إني كنت أريد الصوم ولكن قربيه " فإن قيل : فقوله : أريد الصوم لا يدل على أنه صائم ، وإنما أخبر عن إرادة يحدثها ، قيل : قد أخبر أنه أراد الصوم ، فيما مضى ومن أراد الصوم فيما مضى كان صائما في الحال على أنا روينا عنه ، أنه قال : وروى " كنت أصبحت صائما ولكن قربيه " شعبة عن جعدة عن أم هانيء وهي جدته " وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح فأتى بإناء من لبن فشرب ثم ناولني ، فقلت : إني صائمة فقال صلى الله عليه وسلم : " إن المتطوع أمير نفسه فإن شئت فصومي ، وإن شئت فأفطري " ولأنها عبادة يخرج بالفساد منها فوجب أن لا يلزمه بالدخول فيها كالاعتكاف ، أو كمن أحرم بصلاة فريضة قبل دخول وقتها ، والدلالة على سقوط القضاء ما روي إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم تطوعا فليفطر فإن ذلك أعظم للأجر أم هانيء قالت لما كان يوم الفتح جاءت الوليدة بإناء فيه شراب فناولت النبي صلى الله عليه وسلم فشرب منه ثم ناولني فشربت فقلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطرت وكنت صائمة وكرهت أن أرد سؤرك فقال : " إن كان فرضا فاقض يوما مكانه ، وإن كان تطوعا فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي " ولأنها عبادة يخرج بالفساد منها فوجب إذا تطوع بالدخول فيها ثم أفسدها لا يلزمه القضاء كالطهارة والاعتكاف ، فأما استدلاله بحديث الأعرابي فمعناه إلا أن تتطوع ، فيكون ذلك أن تفعل ذلك وأما قياسه على الحج فالفرق بينهما من وجهين : عن
أحدهما : أنه لا يخرج من الحج بالفساد ، ويخرج من غيره بالفساد .
[ ص: 470 ] والثاني : أن فرض الحج ونفله يستوي في وجوب الكفارة بالإفساد ، ويخالف غيره من الصلاة والصيام وأما حديث عائشة فضعيف ؛ لأن الراوي له وحفصة الزهري ، وقد قال له ابن جريج سألت الزهري عنه فقال : سمعت رجلا على باب سليمان بن عبد الملك يحدث به لا أعرفه ، وقد روى أنه قال : على أن معنى قوله : يوما مكانه أي مثله ومثله تطوع لا واجب والله أعلم . " اقضيا يوما مكانه إن شئتما "