مسألة : قال
الشافعي : " ( وقال ) في اللعان ليس للإمام إذا رمي رجل بزنا أن يبعث إليه عن ذلك لأن الله يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12ولا تجسسوا فإن شبه على أحد
nindex.php?page=hadith&LINKID=924228أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أنيسا إلى امرأة رجل فقال " إن اعترفت فارجمها " فتلك امرأة ذكر أبو الزاني بها أنها زنت فكان يلزمه أن يسأل ، فإن أقرت حدت وسقط الحد عمن قذفها ، وإن أنكرت حد قاذفها وكذلك لو كان قاذفها زوجها ( قال ) ولما كان القاذف لامرأته إذا التعن لو جاء المقذوف بعينه لم يؤخذ له الحد لم يكن لمسألة المقذوف معنى إلا أن يسأل ليحد ولم يسأله - صلى الله عليه وسلم - وإنما سأل المقذوفة والله - عز وجل - أعلم للحد الذي يقع لها إن لم تقر بالزنا ولم يلتعن الزوج " .
قال
الماوردي : وجملة ذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=26482الإمام إذا سمع قذفا بالزنا فإنه ينقسم ثلاثة أقسام :
أحدهما : أن يتعين فيه القاذف ولا يتعين المقذوف كأن سمع رجلا يقول : زنى رجل من جيراني ، أو زنت امرأة من أهل
بغداد ، فالقاذف متعين والمقذوف غير متعين ، فلا حد على القاذف للجهل بمستحق الحد ، ولا يسأل عن تعيين المقذوف لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=101لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم [ المائدة : 101 ] .
والقسم الثاني : أن يتعين فيه المقذوف ولا يتعين القاذف .
ومثاله : أن يقول رجل : سمعت من يقول : إن فلانا زنى ، أو سمعت الناس
[ ص: 70 ] يقولون : زنى فلان ، فلا حد على حاكي القذف ؛ لأنه ليس بقاذف ، ولا يسأله عن القاذف ، لأن حق المطالبة لم يتوجه عليه بحد ولا يجوز للحاكم أو الإمام أن يسأل عن المقذوف هل زنى أم لا ؟ قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12ولا تجسسوا [ الحجرات : 12 ] . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهزال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924229هلا سترته بثوبك يا هزال .
والقسم الثالث : أن يتعين فيه القاذف والمقذوف ، كقول رجل لإمام : زنى فلان أو فلانة ، فيكون القاذف والمقذوف معينين ، فلا يجوز لإمام أن يسأل المقذوف هل زنى أم لا ؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923331من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله ، فإنه من يبد لنا صفحته نقم حد الله عليه .
وهل يلزم الإمام إعلام المقذوف بحال قذفه ليطالب قاذفه بحده أم لا ؟ على ثلاثة أوجه :
أحدها : يجب على الإمام إعلامه بذلك لأنه قد وجب له بالقذف حق لم يعلم به فلزم الإمام حفظه عليه بإعلامه ليستوفيه إن شاء كما يلزمه إعلامه بما ثبت عنده من أمواله ، لجمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الأموال والأعراض في قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924230ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم وعلى هذا الوجه
nindex.php?page=hadith&LINKID=924231أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنيسا حين أتاه رجل فقال : يا رسول الله إن ابني كان عسيفا لهذا ، وأنه زنى بامرأته ، فقال : يا أنيس ، اغد إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فكان إيفاد أنيس إليها لا ليسألها عن الزنى : هل زنت أم لا ؟ ولكن ليخبرها بحال قاذفها ، فإن أكذبته وطلبت حده حد لها ، وإن صدقته واعترفت بالزنا حدت .
والوجه الثاني : ليس على الإمام إعلامه ، لأنها حدود تدرأ بالشبهات ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "
جنب المؤمن حمى " .
والوجه الثالث وهو قول
أبي العباس بن سريج : إنه أن يعدي قذف الغائب إلى قذف حاضر مطالب كرجل قذف امرأته برجل سماه فلاعن الزوج منها ، لم يلزم الإمام إعلامه ؛ لأن لعان الزوج يسقط من القذف في حق كل واحد منهما ، ولذلك لم يعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
شريكا حين قذفه
هلال بن أمية بامرأته ، وهكذا لو كان القذف من أجنبي لرجل وامرأة بزناها به فحضر أحدهما مطالبا بالحد لم يلزم الإمام إعلام الآخر ، لأن الحاضر إذا استوفى الحد فهو في حقه وحق الغائب ، لأن في زوال المعرة عن أحدهما بالحد في قذفهما زوالا للمعرة عنهما ، لأن الزنا واحد ، فإذا لم يتصل قذف الغائب بحاضر فيطالب ، وجب على الإمام إعلام الغائب ليستوفي بالمطالبة حقه إن شاء كما أوفد أنيسا إلى المرأة ، والله أعلم .
[ ص: 71 ]
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ : " ( وَقَالَ ) فِي اللِّعَانِ لَيْسَ لِلْإِمَامِ إِذَا رُمِيَ رَجُلٌ بِزِنًا أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12وَلَا تَجَسَّسُوا فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ
nindex.php?page=hadith&LINKID=924228أَنَّ النَّبِيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أُنَيْسًا إِلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ فَقَالَ " إِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا " فَتِلْكَ امْرَأَةٌ ذَكَرَ أَبُو الزَّانِي بِهَا أَنَّهَا زَنَتْ فَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْأَلَ ، فَإِنْ أَقَرَّتْ حُدَّتْ وَسَقَطَ الْحَدُّ عَمَّنْ قَذَفَهَا ، وَإِنْ أَنْكَرَتْ حُدَّ قَاذِفُهَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَاذِفُهَا زَوْجَهَا ( قَالَ ) وَلَمَّا كَانَ الْقَاذِفُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا الْتَعَنَ لَوْ جَاءَ الْمَقْذُوفُ بِعَيْنِهِ لَمْ يُؤْخَذْ لَهُ الْحَدُّ لَمْ يَكُنْ لِمَسْأَلَةِ الْمَقْذُوفِ مَعْنًى إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ لِيُحَدَّ وَلَمْ يَسْأَلْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا سَأَلَ الْمَقْذُوفَةَ وَاللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ لِلْحَدِّ الَّذِي يَقَعُ لَهَا إِنْ لَمْ تُقِرَّ بِالزِّنَا وَلَمْ يَلْتَعِنِ الزَّوْجُ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26482الْإِمَامَ إِذَا سَمِعَ قَذْفًا بِالزِّنَا فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَتَعَيَّنَ فِيهِ الْقَاذِفُ وَلَا يَتَعَيَّنَ الْمَقْذُوفُ كَأَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ : زَنَى رَجُلٌ مِنْ جِيرَانِي ، أَوْ زَنَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ
بَغْدَادَ ، فَالْقَاذِفُ مُتَعَيَّنٌ وَالْمَقْذُوفُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ ، فَلَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ لِلْجَهْلِ بِمُسْتَحَقِّ الْحَدِّ ، وَلَا يَسْأَلُ عَنْ تَعْيِينِ الْمَقْذُوفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=101لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [ الْمَائِدَةِ : 101 ] .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَتَعَيَّنَ فِيهِ الْمَقْذُوفُ وَلَا يَتَعَيَّنَ الْقَاذِفُ .
وَمِثَالُهُ : أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ : سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ فُلَانًا زَنَى ، أَوْ سَمِعْتُ النَّاسَ
[ ص: 70 ] يَقُولُونَ : زَنَى فَلَانٌ ، فَلَا حَدَّ عَلَى حَاكِي الْقَذْفِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاذِفٍ ، وَلَا يَسْأَلُهُ عَنِ الْقَاذِفِ ، لِأَنَّ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ بِحَدٍّ وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَوِ الْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْمَقْذُوفِ هَلْ زَنَى أَمْ لَا ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12وَلَا تَجَسَّسُوا [ الْحُجُرَاتِ : 12 ] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَزَّالٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924229هَلَّا سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ يَا هَزَّالُ .
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَتَعَيَّنَ فِيهِ الْقَاذِفُ وَالْمَقْذُوفُ ، كَقَوْلِ رَجُلٍ لِإِمَامٍ : زَنَى فُلَانٌ أَوْ فُلَانَةٌ ، فَيَكُونُ الْقَاذِفُ وَالْمَقْذُوفُ مُعَيَّنَيْنِ ، فَلَا يَجُوزُ لِإِمَامٍ أَنْ يَسْأَلَ الْمَقْذُوفَ هَلْ زَنَى أَمْ لَا ؟ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923331مَنْ أَتَى مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ حَدَّ اللَّهِ عَلَيْهِ .
وَهَلْ يَلْزِمُ الْإِمَامَ إِعْلَامُ الْمَقْذُوفِ بِحَالِ قَذْفِهِ لِيُطَالِبَ قَاذِفَهُ بِحَدِّهِ أَمْ لَا ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إِعْلَامُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ لَهُ بِالْقَذْفِ حَقٌّ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَزِمَ الْإِمَامَ حِفْظُهُ عَلَيْهِ بِإِعْلَامِهِ لِيَسْتَوْفِيَهُ إِنْ شَاءَ كَمَا يَلْزَمُهُ إِعْلَامُهُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْوَالِهِ ، لِجَمْعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924230أَلَا إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=924231أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُنَيْسًا حِينَ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا لِهَذَا ، وَأَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَتِهِ ، فَقَالَ : يَا أُنَيْسُ ، اغْدُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَكَانَ إِيفَادُ أُنَيْسٍ إِلَيْهَا لَا لِيَسْأَلَهَا عَنِ الزِّنَى : هَلْ زَنَتْ أَمْ لَا ؟ وَلَكِنْ لِيُخْبِرَهَا بِحَالِ قَاذِفِهَا ، فَإِنْ أَكْذَبَتْهُ وَطَلَبَتْ حَدَّهُ حُدَّ لَهَا ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ وَاعْتَرَفَتْ بِالزِّنَا حُدَّتْ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ إِعْلَامُهُ ، لِأَنَّهَا حُدُودٌ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
جَنْبُ الْمُؤْمِنِ حِمًى " .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ : إِنَّهُ أَنْ يُعَدِّيَ قَذْفَ الْغَائِبِ إِلَى قَذْفِ حَاضِرٍ مُطَالِبٍ كَرَجُلٍ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِرَجُلٍ سَمَّاهُ فَلَاعَنَ الزَّوْجُ مِنْهَا ، لَمْ يَلْزَمِ الْإِمَامَ إِعْلَامُهُ ؛ لِأَنَّ لِعَانَ الزَّوْجِ يُسْقِطُ مِنَ الْقَذْفِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعْلِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
شَرِيكًا حِينَ قَذَفَهُ
هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ بِامْرَأَتِهِ ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَذْفُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِزِنَاهَا بِهِ فَحَضَرَ أَحَدُهُمَا مُطَالِبًا بِالْحَدِّ لَمْ يَلْزَمِ الْإِمَامَ إِعْلَامُ الْآخَرِ ، لِأَنَّ الْحَاضِرَ إِذَا اسْتَوْفَى الْحَدَّ فَهُوَ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ الْغَائِبِ ، لِأَنَّ فِي زَوَالِ الْمَعَرَّةِ عَنْ أَحَدِهِمَا بِالْحَدِّ فِي قَذْفِهِمَا زَوَالًا لِلْمَعَرَّةِ عَنْهُمَا ، لِأَنَّ الزِّنَا وَاحِدٌ ، فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ قَذْفُ الْغَائِبِ بِحَاضِرٍ فَيُطَالِبُ ، وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ إِعْلَامُ الْغَائِبِ لِيَسْتَوْفِيَ بِالْمُطَالَبَةِ حَقَّهُ إِنْ شَاءَ كَمَا أَوْفَدَ أُنَيْسًا إِلَى الْمَرْأَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
[ ص: 71 ]