الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : ( فبينت السنة أن لبن الفحل يحرم كما تحرم ولادة الأب ، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلاما والأخرى جارية هل يتزوج الغلام الجارية ؟ فقال : لا اللقاح واحد ، وقال مثله عطاء وطاوس ( قال الشافعي ) رحمه الله : فبهذا كله نقول فكل ما حرم بالولادة وبسببها حرم بالرضاع وكان به من ذوي المحارم " . قاله الماوردي : وأصل هذا أن اللبن يحدث بعد علوق الحمل ليكون غذاء للولد ، فإذا كان المولود ولدا للزوجين لحدوثه من مائهما ، وجب أن يكون المرتضع ولدا لها لاغتذائه بلبنها : لأن اللبن تابع للماء ؛ لأن الماء أصل خلقه ، واللبن حافظ لحياته ، وإذا كان كذلك نظر في المولود ، فإن كان حقا بالواطئ لكونه من نكاح أو ملك يمين أو شبهة واحد منهما تبعه المرتضع في لبنه ، فكان ولد رضاع للواطئ والمرضعة ، وإن كان المولود غير لاحق بالواطئ لكونه من زنا صريح تبعه المرضع في انتفائه عن الواطئ ، وكان ولد رضاع للمرضعة دون الواطئ فيصير المرتضع تابعا للمولود في لحوقه وانتفائه ، فإذا ألحقا بالزوج الواطئ فهو المراد بقول الشافعي : إن لبن الفحل يحرم إشارة إلى أن نزول اللبن في ثدي لبن يرضع به ولدا فيصير ولده من الرضاع ، فإذا ألحق ولد الرضاع بهما انتشرت الحرمة من جهتهما إليه فهي عامة تتعدى إلى كل من ناسبهما من الآباء والأمهات والبنين والبنات ، والإخوة والأخوات ، فتكون المرضعة أمه ، وأمهاتها جداته لأم وأباؤها أجداده لأم وإخوتها أخواله : وأخواتها خالات ، وأولادها إخوته وأخواته ، فإن كانوا من الزوج فهم لأب وأم ، وإن كانوا منها دونه ، فهم لأم ويكون الزوج الواطئ أباه وآباؤه أجداده لأب ، وأمهاته جداته لأب ، وإخوته أعمامه وأخواته عماته ، وأولاده إخوته وأخواته ، فإن كانوا من المرضعة فهم لأب وأم ، وإن كانوا منها دونها ، فهم لأب فيحرم من أقارب الرضاع ما يحرم من أقارب [ ص: 358 ] النسب ، وأما انتشارها من جهته إليهما فهي مقصورة عليه ، وعلى ولده ، وإن سفل دون من علا من آبائه وأمهاته ، ودون من شاركه في النسب من إخوانه وأخواته ، فلا يحرم آباؤه وأمهاته ولا أخواته على واحد من أبوي الرضاع ، فيكون انتشار الحرمة من جهته أخص ، وانتشارها من جهتهما أعم .

                                                                                                                                            والفرق بينهما في عموم الحرمة من جهتهما ، وخصوصيتها من جهته وهو أن اللبن لهما دونه ، وفعل الرضاع منهما لا منه ، فكانت جهتهما أقوى فعمت الحرمة وضعفت من جهته فخصت الحرمة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية