الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4607 382 - حدثني يعقوب بن إبراهيم بن كثير ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا فضيل بن غزوان ، حدثنا أبو حازم الأشجعي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أصابني الجهد ، فأرسل إلى نسائه ، فلم يجد عندهن شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا رجل يضيف هذا الليلة يرحمه الله ، فقام رجل من الأنصار ، فقال : أنا يا رسول الله ، فذهب إلى أهله ، فقال لامرأته : ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخريه شيئا ، قالت : والله ما عندي إلا قوت الصبية ، قال : فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج ، ونطوي بطوننا الليلة ، ففعلت ، ثم غدا الرجل على [ ص: 228 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لقد عجب الله عز وجل أو ضحك من فلان وفلانة ، فأنزل الله عز وجل ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، ويعقوب بن إبراهيم بن كثير ضد القليل - الدورقي ، وأبو أسامة حماد بن أسامة ، وأبو حازم سلمان الأشجعي .

                                                                                                                                                                                  والحديث قد مر في فضل الأنصار في باب ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة فإنه أخرجه هناك عن مسدد ، عن عبد الله بن داود ، عن فضيل بن غزوان إلى آخره ، ومضى الكلام فيه هناك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أتى رجل " ذكر الواحدي أنه من أهل الصفة ، وفي الأوسط للطبراني أنه أبو هريرة . قوله : " الجهد " ، أي المشقة والجوع . قوله : " ألا رجل " كلمة ألا للتحضيض والحث على شيء يفعله الرجل . قوله : " يضيف " بضم الياء من الإضافة . قوله : " فقام رجل من الأنصار " قال الخطيب : هو أبو طلحة الأنصاري ، وقال ابن بشكوال : هو زيد بن سهل ، وأنكره النووي . وقيل عبد الله بن رواحة ، وقال المهدوي والنحاس : نزلت في أبي المتوكل وأن الضيف ثابت بن قيس . قولهما : " نزلت في أبي المتوكل " وهم فاحش ; لأن أبا المتوكل الناجي تابعي إجماعا . قوله : " هذا الليلة " هذا إشارة إلى الرجل في قوله : " أتى رجل " والليلة نصب على الظرف ، ويروى هذه الليلة ، فالإشارة فيه إلى الليلة . قوله : " يرحمه الله " ، وفي رواية الكشميهني يضيف هذا رحمة بالتنوين . قوله : " ضيف رسول الله " ، أي هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم . قوله : " لا تدخريه شيئا " ، أي لا تمسكي عنه شيئا . قوله : " الصبية " بكسر الصاد جمع صبي . قوله : " العشاء " بفتح العين ، قوله : " فنوميهم " ، أي الصبية حتى لا يأكلوا شيئا ، وهذا يحمل على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الأكل ، وإنما تطلبه أنفسهم على عادة الصبيان من غير جوع مضر ; فإنهم لو كانوا على حاجة بحيث يضرهم ترك الأكل لكان إطعامهم واجبا يجب تقديمه على الضيافة ، وقال الكرماني : لعل ذلك كان فاضلا عن ضرورتهم . قلت : فيه نظر ; لأنها صرحت بقولها : والله ما عندي إلا قوت الصبية ، والأحسن أن يقال : إنها كانت علمت صبرهم عن عشائهم تلك الليلة ; لأن الإنسان قد يصبر عن الأكل ساعة لا يتضرر به . قوله : " ونطوي بطوننا الليلة " ، أي نجمعها ، فإذا جاع الرجل انطوى جلد بطنه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " عجب الله أو ضحك " المراد من العجب والضحك ونحوهما في حق الله عز وجل لوازمها وغاياتها ; لأن التعجب حالة تحصل عند إدراك أمر غريب ، والضحك ظهور الأسنان عند أمر عجيب ، وكلاهما محالان على الله تعالى ، وقال الخطابي : إطلاق العجب لا يجوز على الله ، وإنما معناه الرضا ، وحقيقته أن ذلك الصنيع منهما حل من الرضا عند الله ، والقبول به ومضاعفة الثواب عليه محل العجب عندكم في الشيء التافه إذا رفع فوق قدره ، وأعطى به الأضعاف من قيمته قال : وقد يكون المراد بالعجب هنا أن الله تعالى يعجب ملائكته من صنيعهما ; لندور ما وقع منهما في العادة قال : وقال أبو عبد الله يعني البخاري : الضحك هنا الرحمة ، وتأويل الضحك بالرضا أقرب من تأويله بالرحمة ; لأن الضحك من الكرام يدل على الرضا ; فإنهم يوصفون بالبشر عند السؤال . انتهى . وليس في النسخ التي في أيدي الناس ما نسبه الخطابي إلى البخاري باللفظ المذكور . والله أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية