الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا علي بن حجر حدثنا شريك عن المقداد بن شريح ) بالتصغير ( عن أبيه ) أي : شريح بن هانئ الحارثي أدرك زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكنى عليه السلام أباه هانئ بن زيد ، فقال : أنت أبو شريح ، وشريح من جملة أصحاب علي كرم الله وجهه ، وهو من ظهرت فتواه من زمن الصحابة روى عنه ابنه المقدام ( عن عائشة قال : ) كذا في أصل السيد ، والنسخ المعتمدة أي : شريح وفي نسخة ضعيفة " قالت " وعكس الحنفي فقال : وفي بعض النسخ " قال " ، تأمل . قلت ليس فيه إشكال ، فيحتاج إلى تأمل ، غايته أن على نسخة " قال " ، ظاهره أن شريحا سمع القيل بلا نقل بخلاف " قالت " ، ( قيل لها هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمثل ) أي : يستشهد ( بشيء من الشعر ) وأما قول الحنفي أي : يتمسك ، ويتعلق بشيء من الشعر فخلاف المقصود بل يوهم المعنى المردود مع أنه ليس مطابقا للمعنى اللغوي ، ولا للقصد العرفي ، ففي القاموس تمثل : أنشد بيتا ، وتمثل بشيء ضربه مثلا ( قالت كان ) أي : أحيانا ( يتمثل بشعر ابن رواحة ) هو عبد الله بن رواحة الأنصاري الخزرجي أحد النقباء شهد العقبة ، وبدرا وأحدا والخندق ، والمشاهد بعدها إلا الفتح ، وما بعدها ; فإنه قتل يوم مؤتة شهيدا أميرا فيها سنة ثمان ، وهو أحد الشعراء المحسنين ، وروى عنه ابن عباس ، وغيره .

( ويتمثل ) أي : بشعر غيره أيضا ( ويقول ) أي : متمثلا بقول أخي قيس طرفة بن العبد قال ذلك في قصيدته المعلقة ،

ويأتيك بالأخبار من لم تزود

بضم التاء ، وكسر الواو ، وإشباع كسرة الدال من التزويد ، وهو إعطاء الزاد ، والباء للتعدية ، وصدر البيت .


ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

.

من الإبداء : وهو الإظهار هذا .

وروى الشيخ أبو الليث السمرقندي في بستانه عن عائشة رضي الله عنها أنه قيل لها أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتمثل بالشعر ؟ قالت : كان أبغض الحديث إليه الشعر غير أنه تمثل مرة ببيت أخي قيس طرفة ، فجعل آخره أوله من قوله .


ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا .

    ويأتيك بالأخبار من لم تزود

، فقال : ويأتيك من تزود بالأخبار ، فقال أبو بكر : ليس هكذا يا رسول الله قال : ما أنا بشاعر
انتهى .

وكذا ذكره ابن كثير في تفسيره ; فكأنه - صلى الله عليه وسلم - تمثل بمعناه ، وأتى فيه بحق لفظه ، ومبناه ; فإن العمدة مقدمة على الفضلة ، والشاعر لضيق النظم قدم وأخر ، فلما استفهمه الصديق رضي الله عنه قال : " ما أنا بشاعر " أي : حقيقة ولا قاصد وزنه قراءة ، وإنما أردت المعنى المستفاد منه ، وهو أعم من أن يكون في قالب وزن أو بدونه ، ولكن يشكل رواية الكتاب ; فإنه بظاهره يعارض رواية الشيخ إلا أن يتكلف بأن يقال تمثل بمادته ، وجوهر حروفه دون ترتيبه الموزون أو يحمل على تعدد الواقعة التأويل على كل حال أولى من الترجيح على الصحيح .

بقي إشكال آخر ، وهو أن الظاهر المتبادر أن هذا البيت من [ ص: 42 ] كلام ابن رواحة لا سيما على ما في نسخة : " ويتمثل بقوله " ، وقد اتفقوا على أنه من شعر طرفة .

فالجواب أنه كلام برأسه ، والضمير المجرور لقائل أو لشاعر مشهور به معروف عندهم .

ثم الظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما تمثل بالمصراع الأخير ، وأنه أراد بإتيان الأخبار من غير التزويد نفسه الشريفة كما تشير إليه الآية المنفية ، وهي الكلمة المتفق عليها جملة الرسل المتقدمة ( ما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على الله ) والله أعلم .

وروي بإسناد حسن عن عائشة قالت : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشعر قال : هو كلام حسنه حسن ، وقبيحه قبيح .

قال العلماء : معناه أن الشعر كالنثر لكن التجريد له ، والاقتصار عليه مذموم ، وعليه يحمل قوله - صلى الله عليه وسلم - .

لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية