( باب ما جاء في تختم رسول الله صلى الله عليه وسلم )  
أي في  كيفية لبسه الخاتم   ، والباب السابق قصد فيه بيان نقش الخاتم ، فلا يرد ما قيل : لو جعل كلا البابين بابا واحدا لكان أولى ، وفي بعض النسخ باب في  أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه  ، قال  ابن حجر     : لا ينافي ذكره تختمه في يساره لما سيأتي ، وقال  ميرك     : فيه إشعار بأن المصنف كان يرجح روايات تختمه في اليمين على الروايات الدالة على تختمه في اليسار ، فلذا لم يخرج في الباب حديثا فيه التصريح بكونه صلى الله عليه وسلم تختم في يساره ، بل قال في جامعه : روى بعض أصحاب  قتادة  عن  قتادة  عن  أنس  أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم في يساره ، وهو حديث لا يصح ; ولذا رجح أكثر أهل العلم الأحاديث المذكورة في هذا الباب ، وأكثرها صحاح ، وفي الباب عن  أنس  عند  مسلم  بلفظ  أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتما من فضة في يمينه ، فصه حبشي  ، وعن  عائشة  عند  أبي الشيخ  بسند حسن وعند  البزار  بسند لين ، وعن  أبي أمامة  عند   الطبراني  بسند ضعيف ، وعن   ابن عباس  عنده أيضا بسند لين وعن  أبي   [ ص: 184 ] عند   الدارقطني  وفي غرائب  مالك  بسند ساقط ، وعن   ابن عمر  عند  مسلم  وهو عند   البخاري  أيضا ، لكن فيه  جويرية  ولا أحسبه إلا قال في يده اليمنى ، هكذا وقع على الشك   وجويرية  هو الراوي عن  نافع  عن   ابن عمر  ، والشك من   موسى بن إسماعيل  شيخ   البخاري  هكذا ، حققه  العسقلاني  في شرحه ، وقال : قد أخرجه  ابن سعد  عن   مسلم بن إبراهيم  وأخرجه  الإسماعيلي  عن   الحسن بن سفيان  ، عن   عبد الله بن محمد بن أسماء  كلاهما عن  جويرية  ، وجزما بأنه لبسه في يده اليمنى ، وأخرجه  الترمذي  يعني في الجامع  وابن سعد  من طريق   موسى بن عقبة  ، عن  نافع  عن   ابن عمر  بلفظ : "  صنع النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب فتختم به في يمينه ، ثم جلس على المنبر ، فقال : إني كنت اتخذت هذا الخاتم في يميني ثم نبذه     " الحديث ، انتهى . قلت : فيه إشارة إلى أن لبسه في يمينه أيضا منسوخ بأنه صلى الله عليه وسلم لما قصد الزينة ، ولبس الخاتم ذهبا أو فضة كان يناسب اليمين ، ولما نهى عنه ثم أمر له بلبسه للحاجة جعله في يساره ، بل جعل فصه مما يلي كفه احترازا عن الزينة ، بقدر ما أمكن ; ولذا قال شارح شرعة الإسلام عند قوله : ويتختم في خنصر اليسار ، أي في زماننا وقوله صلى الله عليه وسلم : اجعلها في يمينك ، كان ذلك في بدء الإسلام ، ثم صار ذلك من علامات أهل البغي ، كذا في الخلاصة ، وعن  أنس  قال :  كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه ، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى  ، أما اختيار اليسرى فلجبر نقصانها ولحرمانها عن الأفعال الفاضلة ; ولأنه أبعد من الخيلاء والكبر ، لقلة حركاتها الظاهرة ، وتخصيص الخنصر لضعفها ، وجبر نقصانها ، قلت : ولكونها أصغر فلا يحتاج إلى الخاتم الأكبر ، وعن  علي  رضي الله عنه  نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن  التختم في هذه ، فأومأ إلى الوسطى والمسبحة   ، ذكره في المصابيح ، وفي شرح   الطحاوي  والأولى أن يكون حلقة الخاتم وفصه من فضة ، وليكن الخاتم أقل من مثقال ، ويكون قدر الدرهم ; لكونه أبعد عن السرف وأقرب إلى التواضع ، قال  ميرك     : وقد جاء التختم في اليسار من حديث  أنس  عند  مسلم  من طريق   حماد بن سلمة  عن  ثابت  عنه بلفظ : "  كان يلبس خاتمه في يساره     " ، لكن في سنده لين ، وأخرجه  ابن سعد  أيضا ، وقد جمع  البيهقي  بين الأحاديث الواردة في التختم في اليمين ، والأحاديث الواردة في التختم في اليسار ، بأن الذي لبسه في يمينه كان هو خاتم الذهب ، كما صرح به في حديث   ابن عمر  يعني الذي تقدم وسيأتي في آخر الباب أيضا من طريق   موسى بن عقبة  عن  نافع  عن   ابن عمر  ، والذي في يساره هو خاتم الفضة ، أقول : ويشكل هذا بالحديث الذي تقدم عن  أنس  عند  مسلم  ففيه التصريح بأنه لبسه في يمينه أولا ، ثم حوله إلى يساره ، واستدل له بما أخرجه  أبو الشيخ   وابن عدي  من رواية  عبد الله بن عطاء  عن  نافع  ، عن   ابن عمر  ، أن  النبي صلى الله عليه وسلم  تختم في يمينه   ثم أنه حول في يساره  ، وهذا لو صح لكان قاطعا للنزاع ، ولكن سنده ضعيف ، وأخرج  ابن سعد  من طريق   جعفر بن محمد  عن أبيه ، قال :  طرح رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الذهب ، ثم اتخذ خاتما من ورق فجعله في يساره  ، وهذا مرسل أو معضل ، قلت : المرسل حجة عند الجمهور ، والمعضل يصلح أن يكون مؤيدا      [ ص: 185 ] ومقويا للحديث الذي سنده ضعيف ، قال : وقد جمع  البغوي  في شرح السنة بذلك فقال : إنه تختم أولا في يمينه ، ثم تختم في يساره ، وكان ذلك آخر الأمرين ، وقال  النووي     : أجمع الفقهاء على جواز التختم في اليمين ، وجوازه في اليسار ، ولا كراهة في واحدة منهما ، واختلفوا أيهما أفضل ، فتختم كثيرون من السلف في اليمين ، وكثيرون في اليسار ، واستحب  مالك  اليسار ، وكره اليمين ، وفي مذهبنا وجهان : الصحيح أن اليمين أفضل ; لأنه زينة ، واليمين أشرف ، وأخص بالزينة والكرامة انتهى . وقيل : إن الزينة هي سبب الكراهة ، وقال  العسقلاني     : ويظهر لي أن ذلك يختلف باختلاف القصد ، فإن كان لبسه للتزين به ، فاليمين أفضل ، وإن كان للتختم به فاليسار أولى ، لأنه يكون كالمودع فيها ، ويحصل تناوله منها باليمين ، وكذا وضعه فيها ويترجح التختم في اليمين مطلقا ، بأن اليسار آلة الاستنجاء ، فيصان الخاتم إذا كان في اليمين ، عن أن تصيبه النجاسة ، قلت : فيه بحث لأنه اختلف في جواز نقش اسم الله عليه وعدمه ، وعلى تقدير وجوده ، يستحب إخراجه عن يده ، فلا يوجد ترجح ، قال : ويترجح التختم في اليسار ، بما يترتب عليه من التناول ، وجنحت طائفة إلى استواء الأمرين ، وجمعوا بين الأحاديث المختلفة بذلك ، وأشار إليه  أبو داود  حيث ترجم باب  التختم في اليمين واليسار   ، ثم أورد الأحاديث مع اختلافها في ذلك بغير ترجيح .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					