الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا قتيبة بن سعيد ، وبشر بن معاذ قالا : حدثنا ) وفي نسخة أخبرنا ( أبو عوانة ، عن زياد بن علاقة ) بكسر العين وبالقاف وجهل من ضبطه بالفتح ( عن المغيرة بن شعبة قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي : اجتهد في الصلاة ( حتى انتفخت ) أي : تورمت ( قدماه فقيل له أتتكلف هذا ) أي : أتلزم نفسك بهذه الكلفة ، والمشقة التي لا تطاق ( وقد غفر الله لك ) وفي نسخة ، : " وقد غفر لك " بصيغة المجهول ( ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) ففي النهاية : تكلفت الشيء إذا تجشمته على مشقة وعلى خلاف عادتك ، والمتكلف المتعرض لما لا يعنيه ، ومنه الحديث : " أنا وأمتي براء من التكلف " انتهى ، والمعنى الأول هو المناسب للمقام ; فتأمل ( قال أفلا أكون عبدا شكورا ) الفاء للعطف على مقدر تقديره : أترك الصلاة اعتمادا على الغفران فلا أكون عبدا شكورا ؟ ! وقد قال تعالى في حق نوح إنه كان عبدا شكورا وقيل للتسيب عن غير مذكور أي : أترك صلاتي بما غفر لي فلا أكون عبدا شكورا ؟ ‍ ! يعني أن غفران الله إياي : سبب لأن أصلي شكرا له فكيف أتركه ، وحاصله أنه : كيف لا أشكره وقد أنعم علي وخصني بخير الدارين ؟ ! فإن الشكور من أبنية المبالغة يستدعي نعمة خطيرة ، ثم تخصيص العبد بالذكر مشعر بغاية الإكرام ، والقرب من الله ، ومن ثمة وصف به في مقام الإسراء ; ولأن العبودية تقتضي صحة النسبة وليست إلا بالعبادة وهي عين الشكر فالمعنى : ألزم العبادة وإن غفر لي لأكون عبدا شكورا ، وقد ظن من سأله - صلى الله عليه وسلم - عن سبب تحمله المشقة في العبادة أن سببها إما خوف الذنب أو رجاء المغفرة ; فأفاد لهم أن لهم سببا آخر أتم وأكمل وهو الشكر على التأهل لها مع المغفرة وإجزال النعمة ؛ ولذا قال تعالى : وقليل من عبادي الشكور وقد روي عن علي كرم الله وجهه : " إن قوما عبدوا رغبة ، فتلك عبادة التجار ، وإن قوما عبدوا رهبة فتلك عبادة العبيد وإن قوما عبدوا شكرا فتلك عبادة الأحرار " ، كما نقله عنه صاحب ربيع الأبرار .

التالي السابق


الخدمات العلمية