الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          باب الجيم مع اللام

                                                          ( جلب ) ( هـ ) فيه : " لا جلب ولا جنب " الجلب يكون في شيئين : أحدهما في الزكاة ، وهو أن يقدم المصدق على أهل الزكاة فينزل موضعا ، ثم يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقتها ، فنهي عن ذلك ، وأمر أن تؤخذ صدقاتهم على مياههم وأماكنهم . الثاني أن يكون في السباق : وهو أن يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه ويصيح حثا له على الجري ، فنهي عن ذلك .

                                                          ( هـ ) ومنه حديث الزبير - رضي الله عنه - : " أن أمه قالت : أضربه كي يلب ، ويقود الجيش ذا الجلب " قال القتيبي : هو جمع جلبة وهي الأصوات .

                                                          [ ص: 282 ] * وفي حديث علي - رضي الله عنه - : " أراد أن يغالط بما أجلب فيه " يقال أجلبوا عليه إذا تجمعوا وتألبوا . وأجلبه : أعانه . وأجلب عليه : إذا صاح به واستحثه .

                                                          * ومنه حديث العقبة : " إنكم تبايعون محمدا على أن تحاربوا العرب والعجم مجلبة " أي مجتمعين على الحرب ، هكذا جاء في بعض الروايات بالباء ، والرواية بالياء تحتها نقطتان ، وسيجيء في موضعه .

                                                          ( هـ ) وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - : " كان إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء مثل الجلاب فأخذ بكفه " قال الأزهري : أراه أراد بالجلاب ماء الورد ، وهو فارسي معرب ، والله أعلم . وفي هذا الحديث خلاف وكلام فيه طول ، وسنذكره في حلب من حرف الحاء .

                                                          ( س ) وفي حديث سالم : " قدم أعرابي بجلوبة فنزل على طلحة ، فقال طلحة : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع حاضر لباد " الجلوبة بالفتح : ما يجلب للبيع من كل شيء ، وجمعه الجلائب . وقيل الجلائب : الإبل التي تجلب إلى الرجل النازل على الماء ليس له ما يحتمل عليه فيحملونه عليها . والمراد في الحديث الأول ، كأنه أراد أن يبيعها له طلحة . هكذا جاء في كتاب أبي موسى في حرف الجيم ، والذي قرأناه في سنن أبي داود : " بحلوبة " وهي الناقة التي تحلب ، وسيجيء ذكرها في حرف الحاء .

                                                          * وفي حديث الحديبية : " صالحوهم على أن لا يدخلوا مكة إلا بجلبان السلاح " الجلبان - بضم الجيم وسكون اللام - شبه الجراب من الأدم يوضع فيه السيف مغمودا ، ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته ، ويعلقه في آخرة الكور أو واسطته ، واشتقاقه من الجلبة ، وهي الجلدة التي تجعل على القتب . ورواه القتيبي بضم الجيم واللام وتشديد الباء ، وقال : هو أوعية السلاح بما فيها ولا أراه سمي به إلا لجفائه ، ولذلك قيل للمرأة الغليظة الجافية جلبانة ، وفي بعض الروايات : " ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح " : السيف والقوس ونحوه ، يريد ما يحتاج في إظهاره والقتال به إلى معاناة ، لا كالرماح لأنها مظهرة يمكن تعجيل الأذى بها . وإنما اشترطوا ذلك ليكون علما وأمارة للسلم ; إذ كان دخولهم صلحا .

                                                          ( س ) وفي حديث مالك : " تؤخذ الزكاة من الجلبان " هو بالتخفيف : حب كالماش ، ويقال له أيضا الخلر .

                                                          [ ص: 283 ] ( هـ ) وفي حديث علي - رضي الله عنه - : " من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا " أي ليزهد في الدنيا ، وليصبر على الفقر والقلة . والجلباب : الإزار والرداء . وقيل الملحفة . وقيل هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها ، وجمعه جلابيب ، كنى به عن الصبر ، لأنه يستر الفقر كما يستر الجلباب البدن . وقيل إنما كنى بالجلباب عن اشتماله بالفقر . أي فليلبس إزار الفقر . ويكون منه على حالة تعمه وتشمله ; لأن الغنى من أحوال أهل الدنيا ، ولا يتهيأ الجمع بين حب الدنيا وحب أهل البيت .

                                                          * ومنه حديث أم عطية : " لتلبسها صاحبتها من جلبابها " أي إزارها ، وقد تكرر ذكر الجلباب في الحديث .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية