الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 181 ] فصل : الشرط الثالث ، أن يكون المبيع مما يمكن قسمته ، فأما ما لا يمكن قسمته من العقار ، كالحمام الصغير ، والرحى الصغيرة ، والعضادة ، والطريق الضيقة ، والعراص الضيقة ، فعن أحمد فيها روايتان ; إحداهما ، لا شفعة فيه . وبه قال يحيى بن سعيد ، وربيعة ، والشافعي .

                                                                                                                                            والثانية ، فيها الشفعة . وهو قول أبي حنيفة ، والثوري ، وابن سريج . وعن مالك كالروايتين . ووجه هذا عموم قوله عليه السلام { الشفعة فيما لم يقسم } . وسائر الألفاظ العامة ، ولأن الشفعة ثبتت لإزالة ضرر المشاركة والضرر في هذا النوع أكثر ; لأنه يتأبد ضرره .

                                                                                                                                            والأول ظاهر المذهب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا شفعة في فناء ، ولا طريق ، ولا منقبة } . والمنقبة : الطريق الضيق . رواه أبو الخطاب في " رءوس المسائل " . وروي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال : لا شفعة في بئر ولا فحل . ولأن إثبات الشفعة في هذا يضر بالبائع ; لأنه لا يمكنه أن يتخلص من إثبات الشفعة في نصيبه بالقسمة ، وقد يمتنع المشتري لأجل الشفيع ، فيتضرر البائع ، وقد يمتنع البيع ، فتسقط الشفعة فيؤدي إثباتها إلى نفيها .

                                                                                                                                            ويمكن أن يقال : إن الشفعة إنما تثبت لدفع الضرر الذي يلحقه بالمقاسمة ، لما يحتاج إليه من إحداث المرافق الخاصة ، ولا يوجد هذا فيما لا ينقسم .

                                                                                                                                            وقولهم : إن الضرر هاهنا أكثر لتأبده . قلنا : إلا أن الضرر في محل الوفاق من غير جنس هذا الضرر ، وهو ضرر الحاجة إلى إحداث المرافق الخاصة ، فلا يمكن التعدية ، وفي الشفعة هاهنا ضرر غير موجود في محل الوفاق ، وهو ما ذكرناه فتعذر الإلحاق ، فأما ما أمكن قسمته مما ذكرنا ، كالحمام الكبير الواسع البيوت ، بحيث إذا قسم لم يستضر بالقسمة ، وأمكن الانتفاع به حماما ، فإن الشفعة تجب فيه وكذلك البئر والدور والعضائد ، متى أمكن أن يحصل من ذلك شيئان ، كالبئر ينقسم بئرين يرتقي الماء منهما ، وجبت الشفعة .

                                                                                                                                            وكذلك إن كان مع البئر بياض أرض ، بحيث يحصل البئر في أحد النصيبين ، وجبت الشفعة أيضا ; لأنه تمكن القسمة . وهكذا الرحى إن كان لها حصن يمكن قسمته ، بحيث يحصل الحجران في أحد القسمين ، أو كان فيها أربعة أحجار دائرة ، يمكن أن ينفرد كل واحد منهما بحجرين ، وجبت الشفعة ، وإن لم يمكن إلا أن يحصل لكل واحد منهما ما لم يتمكن من إبقائها رحى ، لم تجب الشفعة .

                                                                                                                                            فأما الطريق ، فإن الدار إذا بيعت ولها طريق في شارع أو درب نافذ ، فلا شفعة في تلك الدار ولا في الطريق ; لأنه لا شركة لأحد في ذلك . وإن كان الطريق في درب غير نافذ ، ولا طريق للدار سوى تلك الطريق ، فلا شفعة أيضا ; لأن إثبات ذلك يضر بالمشتري ، لأن الدار تبقى لا طريق لها .

                                                                                                                                            وإن كان للدار باب آخر ، يستطرق منه ، أو كان لها موضع يفتح منه باب لها إلى طريق نافذ ، نظرنا في طريق المبيع من الدار ، فإن كان ممرا لا تمكن قسمته ، فلا شفعة فيه ، وإن كان تمكن قسمته ، وجبت الشفعة فيه ; لأنه أرض مشتركة تحتمل القسمة فوجبت فيه الشفعة ، كغير الطريق ، ويحتمل أن لا تجب الشفعة فيها بحال ; لأن الضرر يلحق المشتري بتحويل الطريق إلى مكان آخر ، مع ما في الأخذ بالشفعة من تفريق صفقة المشتري ، وأخذ بعض المبيع من العقار دون بعض ، فلم يجز .

                                                                                                                                            كما لو كان الشريك في الطريق شريكا في الدار ، فأراد أخذ الطريق وحدها . والقول في دهليز الجار وصحنه ، كالقول في الطريق المملوك . وإن كان نصيب المشتري من الطريق أكثر من حاجته ، فذكر القاضي أن الشفعة تجب في الزائد بكل حال ; [ ص: 182 ] لوجود المقتضي ، وعدم المانع . والصحيح أنه لا شفعة فيه ; لأن في ثبوتها تبعيض صفقة المشتري ، ولا يخلو من الضرر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية