الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو دفع إليه أرضا مزارعة على أن يزرعها ببذره وبقره وعمله على أن يزرع بعضها حنطة ، وبعضها شعيرا ، وبعضها سمسما فما زرع منها حنطة بينهما نصفان ، وما زرع منها شعيرا فلرب الأرض ثلثه ، وما زرع منها سمسما فلرب الأرض منه ثلثاه ، وللعامل ثلثه ، فهذا فاسد كله ; لأنه نص على التبعيض هنا ، وذلك البعض مجهول في الحال ، وكذلك عند إلقاء البذر في الأرض ; لأنه إذا زرع بعضها حنطة فلا يعلم ماذا يزرع في ناحية أخرى منها فكان العقد فاسدا ; لهذا ، وعند فساد العقد الخارج كله لصاحب البذر ، وقد بينا حكم المزارعة الفاسدة ، وهذا بخلاف الأول ، فإن هناك حرف " من " صلة ، فله أن يزرع الكل شعيرا إن شاء ، وحنطة إن شاء ، وهنا نص على التبعيض ، فليس له أن يزرعها كلها أحد الأصناف ، وكذلك لو قال خذها على أن ما زرعت منها حنطة فالخارج بيننا نصفان ، وما زرعت منها شعيرا فلي ثلثه ولك ثلثاه [ ص: 43 ] وما زرعت منها سمسما فلي ثلثاه ، ولك ثلثه ، فالعقد فاسد ، وهذه المسألة هي التي استشهد بها الطاعن قال علي القمي - رحمه الله - : وجدت في بعض النسخ العتيقة في هذه المسألة زيادة أنه قال : على أن يزرع كل ذلك فيها ، فعلى هذا لا حاجة إلى الفرق بينه ، وتبين من هذه الزيادة أن مراده من حرف " من " التبعيض ، فهو وما لو نص على التبعيض سواء ، وأما على ما ذكره في ظاهر الرواية فوجه الفرق بين هذا ، وبين ما سبق أن الجهالة هنا تتمكن في سلب العقد ; لأن الجهالة في البذر ، فلا بد من بيان جنس البذر في عقد المزارعة ، وكذلك الأجر لا يصير معلوما إلا ببيان جنس البذر ، فكانت الجهالة متمكنة في صلب العقد ، فيفسد به العقد ، فأما في مسألة الكراب والثنيان فالجهالة لم تتمكن في صلب العقد ، فالعقد بينهما صحيح بدون ذلك ; فلهذا لم تكن الجهالة المتمكنة بذكر حرف التبعيض مفسدة للعقد هناك يوضح الفرق أن الكراب والثنيان كل ذلك يسبق إلقاء البذر في الأرض ، وانعقاد الشركة عند إلقاء البذر وعند ذلك البعض الذي ثني ، والبعض الذي كرب معلوم ، فيجوز العقد ، وأما هنا عند إلقاء أحد الأصناف من البذر في ناحية من الأرض ، العقد في الناحية الأخرى مجهول في حق جنس البذر وجنس البدل ; فلهذا فسد العقد بهذا الشرط ، ولو دفع الأرض إليه ليزرعها ببذره على أنه إن زرعها حنطة فالخارج بينهما نصفان ، وإن زرعها شعيرا فالخارج للعامل ، فهذا جائز ; لأنه خيره بين المزارعة والإعارة ، فاشتراط الخارج كله للعامل يكون إعارة للأرض منه ، وذلك صحيح واشتراط المناصفة بينهما في الخارج من الحنطة يكون مزارعة صحيحة ، ولا يتولد من ضم أحدهما إلى الآخر سبب مفسد ، وإن سمى الخارج من الشعير لنفسه جاز في الحنطة ، ولم يجز في الشعير ، وهي مطعونة عيسى - رحمه الله - على ما بينا ، وإذا دفع الأرض إلى صاحب البذر على أن الخارج كله لصاحب الأرض إلا أنه ما جعل أحد العقدين مشروطا في الآخر ، ولكنه عطف أحدهما على الآخر ، ففساد أحدهما لا يمنع صحة الآخر ، فإن زرعها حنطة فالخارج بينهما نصفان ، وإن زرعها شعيرا فالخارج لصاحب البذر ، كما هو الحكم في المزارعة الفاسدة

التالي السابق


الخدمات العلمية