الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ( وقال ) في اللعان ليس للإمام إذا رمي رجل بزنا أن يبعث إليه عن ذلك لأن الله يقول : ولا تجسسوا فإن شبه على أحد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أنيسا إلى امرأة رجل فقال " إن اعترفت فارجمها " فتلك امرأة ذكر أبو الزاني بها أنها زنت فكان يلزمه أن يسأل ، فإن أقرت حدت وسقط الحد عمن قذفها ، وإن أنكرت حد قاذفها وكذلك لو كان قاذفها زوجها ( قال ) ولما كان القاذف لامرأته إذا التعن لو جاء المقذوف بعينه لم يؤخذ له الحد لم يكن لمسألة المقذوف معنى إلا أن يسأل ليحد ولم يسأله - صلى الله عليه وسلم - وإنما سأل المقذوفة والله - عز وجل - أعلم للحد الذي يقع لها إن لم تقر بالزنا ولم يلتعن الزوج " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وجملة ذلك أن الإمام إذا سمع قذفا بالزنا فإنه ينقسم ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يتعين فيه القاذف ولا يتعين المقذوف كأن سمع رجلا يقول : زنى رجل من جيراني ، أو زنت امرأة من أهل بغداد ، فالقاذف متعين والمقذوف غير متعين ، فلا حد على القاذف للجهل بمستحق الحد ، ولا يسأل عن تعيين المقذوف لقوله تعالى : لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم [ المائدة : 101 ] .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يتعين فيه المقذوف ولا يتعين القاذف .

                                                                                                                                            ومثاله : أن يقول رجل : سمعت من يقول : إن فلانا زنى ، أو سمعت الناس [ ص: 70 ] يقولون : زنى فلان ، فلا حد على حاكي القذف ؛ لأنه ليس بقاذف ، ولا يسأله عن القاذف ، لأن حق المطالبة لم يتوجه عليه بحد ولا يجوز للحاكم أو الإمام أن يسأل عن المقذوف هل زنى أم لا ؟ قال الله تعالى : ولا تجسسوا [ الحجرات : 12 ] . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهزال : هلا سترته بثوبك يا هزال .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يتعين فيه القاذف والمقذوف ، كقول رجل لإمام : زنى فلان أو فلانة ، فيكون القاذف والمقذوف معينين ، فلا يجوز لإمام أن يسأل المقذوف هل زنى أم لا ؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله ، فإنه من يبد لنا صفحته نقم حد الله عليه .

                                                                                                                                            وهل يلزم الإمام إعلام المقذوف بحال قذفه ليطالب قاذفه بحده أم لا ؟ على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : يجب على الإمام إعلامه بذلك لأنه قد وجب له بالقذف حق لم يعلم به فلزم الإمام حفظه عليه بإعلامه ليستوفيه إن شاء كما يلزمه إعلامه بما ثبت عنده من أمواله ، لجمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الأموال والأعراض في قوله : ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم وعلى هذا الوجه أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنيسا حين أتاه رجل فقال : يا رسول الله إن ابني كان عسيفا لهذا ، وأنه زنى بامرأته ، فقال : يا أنيس ، اغد إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فكان إيفاد أنيس إليها لا ليسألها عن الزنى : هل زنت أم لا ؟ ولكن ليخبرها بحال قاذفها ، فإن أكذبته وطلبت حده حد لها ، وإن صدقته واعترفت بالزنا حدت .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : ليس على الإمام إعلامه ، لأنها حدود تدرأ بالشبهات ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " جنب المؤمن حمى " .

                                                                                                                                            والوجه الثالث وهو قول أبي العباس بن سريج : إنه أن يعدي قذف الغائب إلى قذف حاضر مطالب كرجل قذف امرأته برجل سماه فلاعن الزوج منها ، لم يلزم الإمام إعلامه ؛ لأن لعان الزوج يسقط من القذف في حق كل واحد منهما ، ولذلك لم يعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شريكا حين قذفه هلال بن أمية بامرأته ، وهكذا لو كان القذف من أجنبي لرجل وامرأة بزناها به فحضر أحدهما مطالبا بالحد لم يلزم الإمام إعلام الآخر ، لأن الحاضر إذا استوفى الحد فهو في حقه وحق الغائب ، لأن في زوال المعرة عن أحدهما بالحد في قذفهما زوالا للمعرة عنهما ، لأن الزنا واحد ، فإذا لم يتصل قذف الغائب بحاضر فيطالب ، وجب على الإمام إعلام الغائب ليستوفي بالمطالبة حقه إن شاء كما أوفد أنيسا إلى المرأة ، والله أعلم .

                                                                                                                                            [ ص: 71 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية