الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 50 ] كتاب الأيمان قال : ( الأيمان على ثلاثة أضرب : اليمين الغموس ، ويمين منعقدة ، ويمين لغو ، فالغموس : هو الحلف على أمر ماض يتعمد الكذب فيه فهذه اليمين يأثم فيها صاحبها ) لقوله عليه الصلاة والسلام : { من حلف كاذبا أدخله الله النار }( ولا كفارة فيها إلا التوبة والاستغفار ) .

                                                                                                        وقال الشافعي رحمه الله : فيها الكفارة لأنها شرعت لرفع ذنب هتك حرمة اسم الله تعالى ، وقد تحقق بالاستشهاد بالله كاذبا فأشبه المعقودة .

                                                                                                        ولنا أنها كبيرة محضة والكفارة عبادة تتأدى بالصوم ، ويشترط فيها النية فلا تناط بها بخلاف المعقودة ; لأنها مباحة ولو كان فيها ذنب فهو متأخر متعلق باختيار مبتدأ وما في الغموس ملازم فيمتنع الإلحاق ( والمنعقدة ما يحلف على أمر في المستقبل أن يفعله أو لا يفعله ، وإذا حنث في ذلك لزمته الكفارة ) لقوله تعالى: { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان }وهو ما ذكرنا ( واليمين اللغو أن يحلف على أمر ماض وهو يظن أنه [ ص: 51 ] كما قال والأمر بخلافه فهذه اليمين نرجو أن لا يؤاخذ الله بها صاحبها ) ومن اللغو أن يقول والله إنه لزيد وهو يظنه زيدا ، وإنما هو عمرو .

                                                                                                        والأصل فيه قوله تعالى: { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم }الآية إلا أنه علقه بالرجاء للاختلاف في تفسيره .

                                                                                                        [ ص: 49 - 50 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 49 - 50 ] كتاب الأيمان .

                                                                                                        الحديث الأول : قال عليه السلام : { من حلف كاذبا أدخله الله النار }; قلت : غريب بهذا اللفظ ; وروى الطبراني في " معجمه " من حديث عيسى بن يونس عن مجالد عن الشعبي عن الأشعث بن قيس ، قال : { خاصم رجل من الحضرميين رجلا منا ، يقال له : الجفشيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي : جئ بشهودك على حقك ، وإلا حلف لك ، فقال : أرضي أعظم شأنا من أن يحلف عليها ، فقال النبي عليه السلام : إن يمين المسلم ما وراءها أعظم من ذلك ، فانطلق ليحلف ، فقال عليه السلام : إن هو حلف كاذبا ليدخله الله النار ، فذهب الأشعث ، فأخبره ، فقال : أصلح بيني وبينه ، قال : فأصلح بينهما } ، انتهى .

                                                                                                        وروى ابن حبان في " صحيحه " من حديث أبي أمامة ، قال :

                                                                                                        قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم حرم الله عليه الجنة ، وأدخله النار ، }انتهى .

                                                                                                        ورواه البخاري ، ومسلم [ ص: 51 ] من حديث ابن مسعود بلفظ : لقي الله وهو عليه غضبان انتهى .

                                                                                                        وروى أبو داود من حديث عمران بن حصين قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { من حلف على يمين مصبورة كاذبا ، فليتبوأ بوجهه مقعده من النار } ، انتهى .

                                                                                                        قوله : وإنما علقه بالرجاء ، للاختلاف في تفسيره ; قلت : روى البخاري في " صحيحه " عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله تعالى: { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } ، قالت : هو قول الرجل : لا والله ، وبلى والله ، انتهى .

                                                                                                        وكذلك رواه مالك في " الموطإ " عن هشام بن عروة به موقوفا ; وأخرجه أبو داود في " سننه " عن حسان بن إبراهيم ثنا إبراهيم الصائغ عن عطاء : اللغو في اليمين ، قال : قالت عائشة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هو كلام الرجل في بيته : كلا والله ، وبلى والله ، انتهى .

                                                                                                        قال أبو داود : ورواه داود بن أبي الفرات عن إبراهيم الصائغ موقوفا على عائشة ، وكذلك رواه الزهري ، وعبد الملك بن أبي سلمة ، ومالك بن مغول كلهم عن عطاء عن عائشة موقوفا ، انتهى .

                                                                                                        وروى الطبري في " تفسيره " حدثني يعقوب بن إبراهيم ثنا هشيم ثنا ابن أبي ليلى عن عطاء ، قال : قالت عائشة : لغو اليمين ما لم يعقد الحالف عليه قلبه ، انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي في " المعرفة " : وروى عمر بن قيس عن عطاء عن عائشة في هذه الآية ، قالت : هو حلف الرجل على علمه ، ثم لا تجده على ذلك ، فليس فيه كفارة ، وعمر بن قيس ضعيف ، ورواية الثقات كما مضى تشير إلى حديث البخاري ، قال : ورواه ابن وهب عن الثقة عنده عن الزهري عن عروة عن عائشة ، [ ص: 52 ] وهذا مجهول ، ورواية هشام بن عروة عن أبيه أصح ، انتهى كلامه .

                                                                                                        وأخرج عبد الرزاق . في " مصنفه " عن مجاهد ، قال : هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك ، وليس كذلك ; وعن سعيد بن جبير ، قال : هو الرجل يحلف على الحرام ، فلا يؤاخذه الله بتركه ; وأخرج عن النخعي ، والحسن قالا : هو الرجل يحلف على الشيء ، ثم ينسى .

                                                                                                        وعن الحسن أيضا قال : هو الخطأ غير العمد ، كقول الرجل : والله إنه لكذا وكذا ، وهو يرى أنه صادق ، ولا يكون كذلك انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية