الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              153 [ ص: 157 ] باب : لا يدخل الجنة قتات

                                                                                                                              وقال النووي ، في الجزء الأول : (باب بيان غلظ تحريم النميمة) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              - وهو بصحيح مسلم النووي ، ص113 ج2 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن همام بن الحارث ، قال : كنا جلوسا مع حذيفة -في المسجد- فجاء رجل ، حتى جلس إلينا . فقيل لحذيفة : إن هذا يرفع إلى السلطان : أشياء . فقال حذيفة -إرادة أن يسمعه- : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ يقول : "لا يدخل الجنة قتات " ) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن همام بن الحارث ، قال : كنا جلوسا مع حذيفة رضي الله عنه ، -في المسجد- فجاء رجل ، حتى جلس إلينا . فقيل لحذيفة : إن هذا يرفع إلى السلطان أشياء) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى ؛ "قال : كان رجل ينقل الحديث -إلى الأمير ، قال : وكنا جلوسا في المسجد ، فقال القوم : هذا ممن ينقل الحديث إلى الأمير . قال : فجاء ، ثم جلس إلينا" (فقال حذيفة : -إرادة أن يسمعه- : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ يقول : "لا يدخل الجنة قتات") .

                                                                                                                              [ ص: 158 ] وفي رواية أخرى ؛ (أنه بلغه أن رجلا ينم الحديث ، فقال حذيفة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ يقول : "لا يدخل الجنة نمام") . و"القتات" : هو النمام . وهو بفتح القاف وتشديد التاء .

                                                                                                                              قال الجوهري وغيره : يقال : نم الحديث ، ينمه وينمه : بكسر النون وضمها . "نما" والرجل نمام ونم .

                                                                                                                              وقته يقته بضم القاف ، "قتا" والرجل قتات

                                                                                                                              قال ابن الأعرابي : هو الذي يسمع الحديث وينقله .

                                                                                                                              قال عياض : القتات ، والنمام : واحد . وفرق بعضهم بأن "النمام" الذي يحضر القصة وينقلها ، و"القتات" : الذي يتسمع من حديث من لا يعلم به ، ثم ينقل ما سمعه .

                                                                                                                              وهل الغيبة ، والنميمة : متغايران ، أو لا ؟

                                                                                                                              والراجح : التغاير ، وأن بينهما عموما وخصوصا من وجه ؛ لأن النميمة نقل حال الشخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه . سواء كان بعلمه ، أو بغير علمه .

                                                                                                                              والغيبة : ذكره في غيبته بما يكره .

                                                                                                                              فامتازت النميمة بقصد الإفساد . ولا يشترط ذلك في الغيبة .

                                                                                                                              وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه .

                                                                                                                              واشتركا فيما عدا ذلك .

                                                                                                                              [ ص: 159 ] قال أبو حامد الغزالي "في إحياء علوم الدين" : إن النميمة إنما تطلق -في الأكثر- : على من ينم قول الغير إلى المقول فيه : كما تقول فلان يتكلم فيك بكذا .

                                                                                                                              قال : وليست النميمة مخصوصة بهذا ، بل حد النميمة كشف ما يكره كشفه . سواء كرهه المنقول عنه ، أو المنقول إليه ، أو ثالث . وسواء كان الكشف بالكناية ، أو بالرمز ، أو بالإيماء .

                                                                                                                              فحقيقة النميمة : إفشاء السر وهتك الستر : عما يكره كشفه .

                                                                                                                              فلو رآه يخفي مالا لنفسه ، فذكره فهو نميمة .

                                                                                                                              قال : وكل من حملت إليه نميمة ، وقيل له : فلان يقول فيك ، أو يفعل فيك كذا ، فعليه ستة أمور ؛

                                                                                                                              الأول : أن لا يصدقه ، لأن النمام فاسق .

                                                                                                                              الثاني : أن ينهاه عن ذلك ، وينصحه ، ويقبح له قوله .

                                                                                                                              الثالث : أن يبغضه في الله تعالى ؛ فإنه بغيض عند الله تعالى . ويجب بغض من أبغضه الله تعالى .

                                                                                                                              الرابع : أن لا يظن بأخيه الغائب : السوء .

                                                                                                                              الخامس : أن لا يحمله ما حكي له على التجسس ، والبحث عن ذلك .

                                                                                                                              السادس : أن لا يرضى لنفسه : ما نهى النمام عنه . فلا يحكي نميمة [ ص: 160 ] عنه ، فيقول : فلان حكى كذا ، فيصير به نماما . ويكون آتيا ما نهي عنه . انتهى كلام الغزالي .

                                                                                                                              قال النووي : وكل هذا المذكور في النميمة ، إذا لم يكن فيها مصلحة شرعية . فإن دعت حاجة إليها فلا منع منها .

                                                                                                                              وذلك كما إذا أخبره بأن إنسانا يريد الفتك به ، أو بأهله ، أو بماله ، أو أخبر الإمام ، أو من له ولاية بأن إنسانا يفعل كذا ، أو يسعى بما فيه مفسدة .

                                                                                                                              ويجب على صاحب الولاية الكشف عن ذلك وإزالته ، فكل هذا وما أشبهه ليس بحرام . وقد يكون بعضه واجبا ، وبعضه مستحبا على حسب المواطن . والله أعلم .

                                                                                                                              قال : وفي الحديث التأويلان المتقدمان في نظائره ؛

                                                                                                                              أحدهما : يحمل على المستحل بغير تأويل مع العلم بالتحريم .

                                                                                                                              والثاني : لا يدخلها دخول الفائزين .




                                                                                                                              الخدمات العلمية