الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4610 باب النهي عن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وفضلهم على من بعدهم

                                                                                                                              وقال النووي : (باب تحريم سب الصحابة) .

                                                                                                                              (حديث الباب)



                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص92 ح16 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ؛ رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "لا تسبوا أصحابي ، لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده ! لو أن أحدكم أنفق مثل أحد : ذهبا ، ما أدرك : مد أحدهم ، ولا نصيفه" ) .

                                                                                                                              [ ص: 22 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 22 ] (الشرح)

                                                                                                                              قال النووي : اعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم : حرام ، من فواحش المحرمات . سواء من لابس الفتن منهم ، وغيره ، لأنهم مجتهدون في تلك الحروب ، متأولون ، كما أوضحناه في أول فضائل الصحابة ، من هذا الشرح .

                                                                                                                              قال عياض : وسب أحدهم ، من المعاصي الكبائر . ومذهبنا ، ومذهب الجمهور : أنه يعزر ولا يقتل . وقال بعض المالكية : يقتل . انتهى .

                                                                                                                              وأقول : ليس كل سب على حد سواء ، بل فرق بين سب وسب . والسباب : أشد من السب . وسباب كل مؤمن : فسق . أي : خروج عن طريقة الإسلام . فكيف سب -أو سباب- من هو سلف صالح للأمة ، وإمام لهم ؟ قاتل الله الرفضة ! فقد نالوا منهم : ما لم يكن بحساب ، وأتوا في سبهم : بكل قبيح من أقسام السباب . وهذا من علامات الكفر ، لقوله تعالى : ليغيظ بهم الكفار .

                                                                                                                              وفي حديث آخر مرفوع : "الله الله في أصحابي . لا تتخذوهم غرضا من بعدي . فمن أحبهم : فبحبي أحبهم . ومن أبغضهم : فببغضي أبغضهم" .

                                                                                                                              [ ص: 23 ] وهذا دليل على أن حبهم : من حب الرسول ، وبغضهم من بغض الرسول . ولا ريب في كفر من يبغض الرسول ، ويتخذ أصحابه غرضا لسهام السباب ، ويخالف الأمر النبوي في ذلك : مع هذا التحذير الشديد ، الذي صدره صلى الله عليه وآله وسلم : باسم الجلالة . وما لنا ولهم ؟ "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم " . ولكن لا دواء لداء الجهل والضلالة . ولا مهدي إلا من هداه الله .

                                                                                                                              "والنصيف" : قال أهل اللغة : "النصف" وفيه أربع لغات ؛

                                                                                                                              كسر النون ، وضمها ، وفتحها ، وزيادة الياء . حكاهن عياض في "المشارق" ، عن الخطابي .

                                                                                                                              ومعنى الحديث : لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ، ما بلغ ثوابه في ذلك : ثواب نفقة أحد أصحابي : مدا ، ولا نصف مد .

                                                                                                                              قال القاضي : ويؤيد هذا : ما ذهب إليه الجمهور ؛ من تفضيل الصحابة كلهم : على جميع من بعدهم . يعني : إلى يوم القيامة .

                                                                                                                              قال : وسبب تفضيل نفقتهم : أنها كانت في وقت الضرورة ، وضيق الحال ، بخلاف غيرهم . ولأن إنفاقهم كان في نصرته صلى الله عليه وآله وسلم ، وحمايته . وذلك معدوم بعده . وكذا جهادهم وسائر طاعاتهم . وقد قال تعالى : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة ، الآية .

                                                                                                                              [ ص: 24 ] هذا كله ؛ مع ما كان في أنفسهم : من الشفقة ، والتودد ، والخشوع ، والتواضع ، والإيثار ، والجهاد في الله حق جهاده .

                                                                                                                              وفضيلة الصحبة -ولو لحظة- : لا يوازيها عمل ، ولا تنال درجتها بشيء . والفضائل لا تؤخذ بقياس . ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

                                                                                                                              قال عياض : ومن أصحاب الحديث ، من يقول : هذه الفضيلة ، مختصة بمن طالت صحبته ، وقاتل معه ، وأنفق ، وهاجر ، ونصر . لا لمن رآه مرة ، كوفود الأعراب . أو صحبه آخرا بعد الفتح ، وبعد إعزاز الدين ؛ ممن لم يوجد له هجرة ، ولا أثر في الدين ، ومنفعة المسلمين .

                                                                                                                              قال : والصحيح هو الأول . وعليه الأكثرون . والله أعلم . انتهى .

                                                                                                                              قلت : ولولا في فضائل الصحابة ، إلا قوله تعالى : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل ، إلى آخر الآية : لكانت هذه الفضيلة كافية شافية : لشرفهم الجلي ، وفضلهم العلي ، مع أن الآيات الكريمات ، والأحاديث الصحيحات الصريحات : قد تظاهرت على عظم منزلتهم عند الله ، في الدنيا والآخرة ، ورفيع قدرهم في الأمة الأمية ، المرحومة . وهي أكثر من أن تذكر في هذا المحل ، وأشهر من أن ينبه عليها . وخير الكلام ما قل ودل .

                                                                                                                              [ ص: 25 ] هذا وقد قال "أبو علي الجياني" : قال "أبو مسعود الدمشقي" : هذا وهم . يعني : قوله -في سند حديث الباب- : بلفظ "عن أبي صالح ، عن أبي هريرة" . والصواب : "عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري" . لا عن أبي هريرة . وكذا رواه : يحيى بن يحيى ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كريب ، والناس .

                                                                                                                              قال : وسئل الدارقطني عن إسناد هذا الحديث ؛ فقال : يرويه الأعمش ، واختلف عنه . إلى قوله : والصحيح ، "عن أبي صالح ، عن أبي سعيد" . والله أعلم .

                                                                                                                              قلت : ولفظ أبي سعيد عند مسلم ، هكذا : (قال : كان بين خالد بن الوليد ، وبين عبد الرحمن بن عوف : شيء . فسبه خالد . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "لا تسبوا أحدا من أصحابي ، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا : ما أدرك مد أحدهم ، ولا نصيفه" .




                                                                                                                              الخدمات العلمية