الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4823 باب : هلك المتنطعون

                                                                                                                              وذكره النووي في : (باب النهي عن متشابه القرآن ، والتحذير من متبعيه ، والنهي عن الاختلاف في القرآن) . من كتاب العلم .

                                                                                                                              [ ص: 197 ] (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص220 ج16 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن الأحنف بن قيس ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ "هلك المتنطعون" . قالها ثلاثا ) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "هلك المتنطعون" . قالها ثلاثا) .

                                                                                                                              قال النووي : "المتنطعون" : المتعمقون ؛ الغالون ، المجاوزون الحدود : في أقوالهم ، وأفعالهم .

                                                                                                                              وقال المناوي -في شرح الجامع الصغير- : أي المتقعرون في الكلام ، الذين يرومون بجودة سبكه : سبي قلوب الناس . أو أراد : "الغالين في عبادتهم" ، بحيث تخرج عن قوانين الشرع . قال الغزالي : أولئك قوم ، شددوا على أنفسهم : فشدد الله عليهم .

                                                                                                                              قال : ومن ذلك : حال الموسوس ، وأنت ما أمرت : أن تصلي ، وأنت متطهر ، وثوبك طاهر . بل تصلي ، وتعتقد : أنك متطهر ، وثوبك طاهر . وقد توضأ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : من مزادة مشرك . وعمر : من جرة نصرانية . ولو عطشوا لشربوا منه . وشرب النجس حرام . وكذا كل ما صادفته في يد رجل مجهول : لك الأكل منه ، تحسينا للظن به . انتهى .

                                                                                                                              [ ص: 198 ] وأقول : لا وجه لتخصيص بعض الأحوال ، والأفعال : بمصداق هذا الحديث . بل كل شيء وجد فيه التعمق : عبادة كانت ، أو معاملة ، أو عادة . وسواء كان في الظاهر ، أو في الباطن ، أو في العقائد ، أو في العمل . وكان الحق والصواب ، الثابت بالكتاب والسنة : خلافه ؛ فالحديث يشمله ، ويحتوي عليه . وصاحبه مقضي عليه بالهلاك .

                                                                                                                              وإطلاق "الهالك" على : المتنطع ، المتعمق ، المتقعر : يدل على النهي عن ذلك . والنهي حقيقة في التحريم . فالغلو والتشدد في كل شيء موجب لهلاك صاحبه .

                                                                                                                              ومن هذا الوادي : تعمق الناس في تقليدات الرجال ، وإيثار الرأي والهوى : على منصوصات القرآن ، والحديث . وتأويل ما خالف منهما : قول إمامهم -مع وجوب الرد إلى الله ، ورسوله ، عند التنازع ، فيما بينهم- .

                                                                                                                              وقد تنطع كثير من أهل العلم ، في كثير من أبواب العقائد ، والأعمال . وكثير من أهل الباطن : في توحيد الرب ذي الإكرام والجلال . حتى أفضاهم ذلك إلى القول : بوحدة الوجود .

                                                                                                                              وهكذا وقع فيه : جمع جم من أهل الكلام ، والجدل ، والخلاف . حتى أضلهم هذا المكروه المنهي عنه : عن جادة الإخلاص ، والصواب .

                                                                                                                              والحاصل : أن كل ما يصدق عليه -لغة ، أو شرعا- : أنه "تنطع في الدين ، وتعمق في أحكام الشرع المبين" : فهو يدخل تحت هذا الحديث ، دخولا أوليا . وما أجمعه للمعاني ، من كل باب من البدع ، [ ص: 199 ] والحوادث ، وغير ذلك ! فاشدد يديك على منطوقه ، ومفهومه . واعرض ظاهرك وباطنك : عليه ، حتى يميز الله لك الخبيث من الطيب ، وتعرف ما هو صواب ويسر ، وتنكر ما هو تعمق وخوض وعسر . وبالله التوفيق ، وهو المستعان .




                                                                                                                              الخدمات العلمية