الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
26 [ ص: 44 ] 23 - (25) - (1 \ 6 - 7) عن صالح، قال ابن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير: أن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرته: أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت أبا بكر - رضي الله عنه - بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر - رضي الله عنه - : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " لا نورث، ما تركنا صدقة"، فغضبت فاطمة - عليها السلام - فهجرت أبا بكر - رضي الله عنه - ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، قال: وعاشت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر.

قال: وكانت فاطمة - رضي الله عنها - تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك، وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ.

فأما صدقته بالمدينة، فدفعها عمر إلى علي وعباس، فغلبه عليها علي، وأما خيبر وفدك، فأمسكهما عمر - رضي الله عنه - ، وقال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانتا لحقوقه التي تعروه، ونوائبه، وأمرهما إلى من ولي الأمر. قال: فهما على ذلك اليوم.


التالي السابق


* قوله: "مما أفاء الله عليه" : أي: رد عليه من أموال الكفرة، وقيد إشارة إلى أنه كان حقيقا بتلك الأموال، إلا أن الكفرة غلبوا عليها، فرد الله تعالى منهم عليه. * "فغضبت. . . إلخ" : إن قلت: ما بال فاطمة - رضي الله تعالى عنها - غضبت بعدما سمعت الحديث; قلت: ما يمكن أن يكون ذاك يمنع الإرث بعد سماع الحديث، بل لعل ذاك بعدم إعطاء أبي بكر شيئا إياها تكرما وإحسانا; إذ مقتضى ما كان بينهم من المحبة أنه إذا جاء أحدهم إلى الآخر يطلب شيئا بسبب، فإن لم يكن هناك ذاك السبب، فليعطه ذلك الشيء بسبب آخر.

فإن قلت: فما بال أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - ما فعل كذلك; قلت: قد

[ ص: 45 ] ذكر أبو بكر أن مقصوده أن يفعل في المال ما فعله فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى أن ذلك أهم، بل خاف الضلال على تركه.

فإن قلت: كيف صح منع الإعطاء بعد أن ظهر تأذيها بالمنع، وقد جاء: "من آذى فاطمة فقد آذاني"؟ قلت: معلوم أن الحديث فيمن يقصد إيذاءها، وأما من قصد إصلاحا، فاتفق في ضمن ذلك تأذيها بحكم البشرية، فذاك لا يسمى إيذاء، ولا هو مندرج في الحديث، وهذا ظاهر عند من له عقل، وقد بسطنا في هذا في "حاشية الصحيحين".

* "فهجرت" : لا بمعنى ترك السلام بعد الملاقاة الذي جاء النهي عنه فوق ثلاث، بل بمعنى ترك الاهتمام بالملاقاة، والاحتراز عنها قصدا.

* "أن أزيغ" : أي: أميل من الحق إلى الباطل.

* "فدفعها عمر" : تطييبا لقلوبهما، مع اشتراط ألا يفعلا فيها إلا ما فعل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* "تعروه" : تنزله.

* "ونوائبه" : تفسير لسابقه.

* * *




الخدمات العلمية