الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        19598 - مسألة : قال مالك في الأجير في الغزو : إنه إن كان شهد القتال ، وكان مع الناس عند القتال ، وكان حرا فله سهمه ، وإن لم يفعل ذلك ، فلا سهم له . وأرى ألا يقسم إلا لمن شهد القتال من الأحرار .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        19599 - قال أبو عمر : اختلف العلماء في الأجير والتاجر ، فقول مالك في الأجير ما ذكره في موطئه ، وذكر في غير الموطأ : لا يسهم للتاجر ، ولا للأجير إلا أن يقاتلوا .

                                                                                                                        19600 - وقال الحسن بن حي يسهم للأجير .

                                                                                                                        19610 - وقال الليث بن سعد : من أسلم ، فخرج إلى المعسكر ، فإن قاتل ، [ ص: 110 ] فله سهمه ، وإن لم يقاتل ، فلا سهم له .

                                                                                                                        19602 - قال : الأخير إذا اشتغل بالخدمة عن حضور القتال ، فلا شيء له .

                                                                                                                        19603 - وقال أبو حنيفة وأصحابه في التاجر والأجير : إن قاتلوا استحقوا ، وإن لم يقاتلوا ، فلا شيء لهم .

                                                                                                                        19604 - وهذا كقول مالك سواء .

                                                                                                                        19605 - وروى الثوري ، عن أشعث ، عن الحسن وابن سيرين ، قالا : يسهم للأجير .

                                                                                                                        19606 - قال الثوري : إذا قاتل الأجير أسهم له ، ورفع عن من استأجره بقدر ما شغل عنه .

                                                                                                                        19607 - وقال الأوزاعي ، وإسحاق : لا يسهم للعبد ولا الأجير المستأجر على خدمة القوم .

                                                                                                                        19608 - ذكر المزني ، عن الشافعي ، قال : لو كان لرجل أجير يريد الجهاد معه فقد قيل : يسهم له ، وقد قيل : لا يسهم له ، إلا أن يكون قتال ، فيقاتل كذلك التجار إن قاتلوا ، قيل : لا يسهم لهم ، وقيل يسهم لهم .

                                                                                                                        19609 - قال المزني : قد قال في كتاب الأسارى : يسهم للتاجر إذا قاتل ، وهو أولى بأصله .

                                                                                                                        19610 - قال أبو عمر : جمهور العلماء يرون أن يسهم للتاجر إذا حضر القتال .

                                                                                                                        [ ص: 111 ] 19611 - وقال الأوزاعي : لا يسهم للبيطار ، ولا للشعاب والحداد ونحوهم .

                                                                                                                        19612 - وقال مالك : يسهم لكل من قاتل إذا كان حرا .

                                                                                                                        19613 - وبه قال أحمد بن حنبل .

                                                                                                                        19614 - قال أبو عمر : من جعل الأجير كالعبد لم يسهم له ، حضر القتال أم لم يحضر ، وجعل ما أخذه من الأجرة مانعا له من السهمان .

                                                                                                                        19615 - ومن حجته ما رواه عبد الرزاق ، عن عبد العزيز بن أبي رواد ، قال : أخبرني أبو سلمة الحمصي ، أن عبد الرحمن بن عوف قال لرجل من فقراء المهاجرين : أتخرج معي يا فلان إلى الغزو ؟ قال : نعم ، فوعده ، فلما حضره الخروج دعاه ، فأبى أن يخرج معه ، فقال عبد الرحمن : أليس قد وعدتني ؟ أتخلفني ؟ قال : ما أستطيع أن أخرج ، قال : وما الذي يمنعك ؟ قال : عيالي ، أهلي ، قال : فما الذي يرضيك حتى تخرج معي ؟ قال : ثلاثة دنانير ، فدفع إليه عبد الرحمن ثلاثة دنانير ، قبل أن يخرج معه ، فلما هزموا العدو ، وأصابوا المغنم ، قال لعبد الرحمن : أعطني نصيبي من المغنم ، فقال عبد الرحمن ، سأذكر أمرك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكره له ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذه الثلاثة الدنانير حظه ونصيبه من غزوته في أمر دنياه وآخرته .

                                                                                                                        [ ص: 112 ] 19616 - واختلفوا أيضا في العبد : فقال مالك : لا أعلم العبد يعطى من الغنيمة شيئا .

                                                                                                                        19617 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة وأصحابهما ، والثوري ، والأوزاعي : لا يسهم للعبد ، ولكن يرضخ له .

                                                                                                                        19618 - قال أبو عمر : روي عن الحكم بن عتيبة ، والحسن ، وابن سيرين ، وإبراهيم النخعي ، وعمرو بن شعيب : أن للعبد إذا حضر القتال أسهم له .

                                                                                                                        19619 - وروي عن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عباس أنهما قالا : لا يسهم للعبد ، وليس له في الغنيمة نصيب .

                                                                                                                        19620 - ذكره أبو بكر بن أبي شيبة من طرق عنهما .

                                                                                                                        19621 - حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا ابن وضاح ، قال حدثنا أبو بكر بن شيبة ، قال حدثنا وكيع ، قال : أخبرنا هشام ، عن محمد بن زيد بن مهاجر بن قنفد ، عن عمير مولى أبي اللحم ، قال : شهدت مع مولاي خيبر ، وأنا مملوك ، فلم يقسم لي من الغنيمة شيء وأعطاني من خرثي المتاع سيفا كنت أجره إذا تقلدته .

                                                                                                                        [ ص: 113 ] 19622 - قال أبو عمر : هذا حكم العبد في الغزو والغنيمة .

                                                                                                                        19623 - وأما القسم له في الفيء والعطاء ، فقد اختلفوا عن عمر فيه على قولين ، العلماء عليهما :

                                                                                                                        19624 - روى سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد عن مخلد الغفاري : أن ثلاثة مملوكين لبني غفار شهدوا بدرا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان عمر يعطيهم كل سنة ثلاثة آلاف لكل رجل منهم .

                                                                                                                        19625 - وسفيان عن عمرو بن دينار ، قال : قدم عمر بن الخطاب مكة وكتب أعطاء الناس عشرة دراهم ، فمر به عبد ، فأعطاه عشرة دراهم ، فلما ولي قالوا له : إنه عبد قال : دعوه .

                                                                                                                        19626 - قال أبو عمر : وأصح ما في هذا الباب عن عمر ، ما رواه سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن شهاب ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، [ ص: 114 ] قال : وقال عمر : ليس أحد إلا وله في هذا المال حق ، يعني الفيء إلا ما ملكت أيمانكم .

                                                                                                                        [ ص: 115 ] 19627 - وروى عن ابن شهاب جماعة كذلك ، عن مالك بن أوس عن عمر بن الخطاب ، وهو حديث متصل صحيح .

                                                                                                                        19628 - والاختلاف فيه عن أبي بكر الصديق كذلك .

                                                                                                                        19629 - قال أبو عمر : مسألة الأجير تشبه مسألة الجعائل ، ولا ذكر لها في الموطأ فنذكرها هاهنا .

                                                                                                                        19630 - قال مالك : لا بأس بالجعائل ، ولم يزل الناس يجاعلون بالمدينة عندنا ، وذلك لأهل العطاء ، ومن له ديوان .

                                                                                                                        19631 - وكره مالك أن يؤاجر وابنه أو قومه في سبيل الله ، وكره أن يعطيه الوالي الجعل على أن يتقدم إلى الحصن ، فيقاتل .

                                                                                                                        19632 - قال : ولا نكره لأهل العطاء الجعائل ؛ لأن العطاء نفسه مأخوذ على هذا الوجه .

                                                                                                                        19633 - وقال الشافعي : لا يجوز أن يغزو فيأخذ الجعل من رجل يجعله [ ص: 116 ] له ، وإن غزا به ، فعليه أن يرده .

                                                                                                                        19634 - ولا بأس بأن يأخذ الجعل من السلطان دون غيره ؛ لأنه يغزو بشيء من حقه .

                                                                                                                        19635 - وقال أبو حنيفة : تكره الجعائل ما كان بالمسلمين قوة ، أو كان بيت المال يفي بذلك .

                                                                                                                        19636 - فأما إذا لم تكن فيهم قوة ولا مال ، فلا بأس أن يجهز بعضهم بعضا ويجعل القاعد للناهض .

                                                                                                                        19637 - وكره الليث والثوري الجعل .

                                                                                                                        19638 - وقال الأوزاعي : إذا كانت نية الغازي على الغزو ، فلا بأس أن يعان .

                                                                                                                        19639 - وقال الكوفيون : لا بأس لمن أحس من نفسه حينا أن يجهز الغازي ، ويجعل له جعلا لغزوه في سبيل الله .

                                                                                                                        19640 - قال أبو عمر : لما كان الغازي يتخذ سهما من الغنيمة من أهل حضور القتال استحال أن يجعل له جعلا فيما فعله لنفسه وأدائه ما عليه من فرض الجهاد وسنته .

                                                                                                                        19641 - وسنذكر حكم النساء إذا غزون ، هل يسهم لهن عند ذكر أم حرام في غزوها مع زوجها عبادة في البحر - إن شاء الله .




                                                                                                                        الخدمات العلمية