الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
174 - وروى أبو عبد الله بن بطة في "الإبانة"، حدثني أبو صالح محمد بن ثابت ثال، نا أبو علي الحسن بن عليل العنزي، ونا أبو حفص عمر بن محمد بن رجا، قال: نا أبو جعفر محمد بن داود البصروي قالا: نا العباس بن عبد العظيم العنبري، قال: نا الهيثم بن خارجة، قال: نا سليمان بن عتبة أبو الربيع السلمي، قال: سمعت يونس بن ميسرة بن حلبس، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمين، فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى، فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للتي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي، وقال للتي في يساره: إلى النار ولا أبالي".

وروي أيضا عن أبي ابن جعفر، قال: نا محمد بن إسماعيل، قال: نا وكيع، قال: نا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عباس، قال: مسح الله ظهر آدم فأخرج في يمينه كل طيب، وأخرج في الأخرى كل خبيث.

واعلم أن هذا الخبر يفيد جواز إطلاق القبضة عليه واليمين واليسار والمسح، وذلك غير ممتنع لما بينا فيما قبل من أنه لا يحيل صفاته، فهو بمثابة إثبات اليدين والوجه وغيرهما. [ ص: 177 ]

فإن قيل: هذا الحديث تفرد بروايته محمد بن إسماعيل وكان ضعيفا والمقبري وهو مدلس، قيل: قد رويناه من غير هذا الطريق على أن محمد بن إسماعيل وهو ابن فديك من أهل المدينة، وتفرده به لا يوجب ضعفه، وكذلك كون المقبري مدلسا لا يوجب رد خبره.

فإن قيل: إضافة القبضة إليه على معنى الملك والفعل، قيل: هذا غلط لما بينا فيما قبل، وهو أن هذا يسقط فائدة التخصيص، لأن ملكه لا يختص للقبضة، ولأن لذلك أسماء أخص به، ولأن هذا يوجب تأويل اليدين أيضا.

فإن قيل: قوله: "اخترت يمين ربي" معناه اخترت من اختاره الله من أهل السعادة، وهم أولياؤه، وأضافه إلى اليمين لأنها محل للطيب، قيل: هذا غلط لأن لذلك أسماء أخص به، ولأن هذا يوجب تأويل اليدين أيضا، ولأن الكلام يجب أن يحمل على ما تقدم ذكره، والذي تقدم ذكره ذكر اليدين، وحصول الخلق والمسح بهما، لا يوجب أن يكون اليمين والشمال صفة لهما. [ ص: 178 ]

فإن قيل: قوله: "اخترت يمين ربي" معناه رددت أمري إلى ربي واخترت ما اختاره، قيل: هذا غلط، لأنه لو كان قد رد الأمر إليه لم يوجد منه اختيار، وفي الخبر اخترت.

فأما قوله: "وكلتا يديه يمين" قيل فيه: أنه لم يوصف باليدين ويد الجارحة تكون أحدهما يمينا والأخرى يسارا، واليسرى تنقص أبدا في الغالب عن اليمين في القوة والبطش عرفنا كمال صفة الله تعالى، وأنه لا نقص فيها، وأن ما وصف به من اليدين ليس كما يوصف به الجوارح التي تنقص مياسره عن ميامنه. [ ص: 179 ]

وقيل: معنى قوله: "كلتا يديه يمين" وصفه بغاية الجود والكرم والإحسان والتفضل، وذلك أن العرب تقول لمن هو كذلك: كلتا يديه يمين، وإذا نقص حظ الرجل وبخس نصيبه، قيل: جعل سهمه في الشمال، وإذا لم يكن عنه اجتلاب منفعة ولا دفع مضرة قيل: ليس فلان باليمين ولا بالشمال، ولذلك قال [ ص: 180 ] الفرزدق:

كلتا يديه يمين غير مختلفة

اهـ.

وهذا لا بأس لأنه لا ينفي الصفة بل يثبتها على الكمال.

"حديث آخر"

التالي السابق


الخدمات العلمية