الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
176 - حدثناه أبو القاسم بإسناده، عن عبد الله بن عمرو يبلغ به النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن، عز وجل، وكلتا يديه يمين".

اعلم أن هذا الخبر يتضمن اليدين وإثبات اليمين، وقد تقدم ذكر ذلك، وبينا أنه ليس في إطلاق ذلك ما يحيل صفاته، لأن إطلاق اليمين كإطلاق اليد.

فإن قيل: قوله: "عن يمين الرحمن" معناه عن يمين عرش الرحمن على طريقة العرب في الحذف والإضمار، كما قال تعالى: ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) معناه حب العجل، وكما قال الشاعر:


واستب بعدك يا كليب المجلس



يعني أهل المجلس، قيل: هذا غلط لوجوه، أحدها: قوله: "وكلتا يديه يمين" وهذا يدل على أن ذلك صفة ترجع إلى ذاته لأن العرش لا يوصف باليدين.

الثاني: أن اليمين إذا أضيفت إلى الذات اقتضت إضافة صفة، ولهذا إذا قيل: وقف الوزير على يمين الخليفة إنما يعقل منه يمينه التي هي من صفته.

الثالث: أن حمله على ذلك يقتضي إضمارا في الخبر، وهو ذكر العرش والإضمار ترك حقيقة.

فإن قيل: قوله: "عن يمين الرحمن" المراد به المنزلة الرفيعة والمحل العظيم، لأنهم يقولون: كان فلان عندنا باليمين، أي كان عندنا بالمحل العظيم والمنزلة الرفيعة، قال الشاعر:


أقول لناقتي إذ بلغتني     لقد أصبحت عندي باليمين

[ ص: 182 ]

أي بالمحل الجليل، قيل: هذا غلط لأنه لو أراد ذلك لقال: المقسطون في يمين الرحمن، معناه في المنزلة الرفيعة لأنه يقال: فلان عندنا في المنزلة الرفيعة، ولأنه قال: "وكلتا يديه يمين" فلو كان المراد به المنزلة لم يكن لذكر اليد معنى.

فإن قيل: حمله على ظاهره يستحيل على الله سبحانه لأنه يؤدي إلى وصفه بالحد والجهة، قيل: لا يفضي إلى ذلك، كما أن قوله: "ترون ربكم كما ترون القمر" حملناه على ظاهره، وإن كنا نعلم أن رؤية القمر في جهة ومحدودة، والله تعالى لا في جهة ولا محدود، وكذلك قوله: ( ثم استوى على العرش ) تطلق هذه الصفة وإن كان العرش في جهة، ولم يوجب ذلك وصفه تعالى بالجهة، كذلك هاهنا.

"حديث آخر"

التالي السابق


الخدمات العلمية