الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
183 - وقد ذكر أبو بكر أحمد بن محمد الخلال هذا الحديث في "سننه"، فقال: نا أحمد بن الحسين الرقي، نا إبراهيم بن المنذر، نا محمد بن فليح بن سليمان، قال: حدثني أبي، عن سعيد بن الحارث، عن عبيد بن حنين قال: بينما أنا جالس في [ ص: 190 ] المسجد إذ جاءني قتادة بن النعمان وجلس إلي وتحدث، وثاب إلينا الناس، فقال قتادة: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: "إن الله لما فرغ من خلقه استوى على عرشه واستلقى، ووضع إحدى رجليه على الأخرى، وقال: إنها لا تصلح لبشر".

اعلم أن هذا الخبر يفيد أشياء منها: جواز إطلاق الاستلقاء عليه، لا على وجه الاستراحة، بل على صفة لا تعقل معناها، وأن له رجلين كما له يدان، وأنه يضع إحداهما على الأخرى على صفة لا نعقلها، إذ ليس في حمله على ظاهره ما يحيل صفاته، لأنا لا نصف ذلك بصفات المخلوقين بل نطلق ذلك كما أطلقنا صفة الوجه واليدين وخلق آدم بها، والاستواء على العرش، وكذلك جاز النظر إليه، لا في مكان، وكذلك إثبات الوجه لا على الصفة التي هي معهودة في الشاهد، وكذلك العين.

فإن قيل: لا يجوز حمل هذا الخبر على ظاهره بل يحمل قوله: "لما فرغ من خلقه استلقى" بمعنى ترك أن يخلق مثله ويديم ذلك كما يقال: فلان بنى داره وعمرها فاستلقى على ظهره بمعنى أنه ترك البناء، ولا يراد أنه اضطجع، قيل: قولكم إنه لا يجوز حمله على ذلك غلط، لأنا قد بينا أنا لا نحمله على صفة تستحيل في صفاته، بل يجري في ذلك مجرى غيره من الصفات، وأما حمله على ترك أن يخلق مثله وترك الاستدامة لذلك فغلط أيضا، لأن لذلك اسما هو أخص به من الاستلقاء وهو ترك الخلق وقطع استدامته.

وجواب آخر: وهو أنه لا يصح حمله على قطع الاستدامة لأنه مستديم لخلقه ومستديم أيضا إيقاع خلق في السماوات والأرض بقوله: ( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ) فأخبر أنه فاعل لإمساكها بعد الفراغ منها. [ ص: 191 ]

فإن قيل: قوله: "استلقى" بمعنى ألقى مخلوقاته عن الرجل يستلقي ويضع إحدى رجليه على الأخرى، قال: ليس به بأس قد روي.

وقال حنبل: رأيت أبا عبد الله مستلقيا على قفاه واضعا إحدى رجليه على الأخرى، قيل: هذا غلط، لأن قول كعب تضمن شيئين: أحدهما: إثبات الرجلين صفة، والثاني: منع هذه الجلسة وكراهتها. قام الدليل على جواز هذه الجلسة لخلاف السلف وإجازتهم له، وبقي إثبات الرجلين على ظاهره لأنه لم ينقل عنهم خلافه ولا رده، فوجب الرجوع إليه لأنه لا يجوز في حقه إثبات صفة برأيه واجتهاده.

"حديث آخر في هذا المعنى".

ناه أبو محمد الحسن بن محمد، قراءة عليه، قال: نا عبد الواحد بن علي بن الحسين الفامي أبو الطيب، قال: نا أبو القاسم الحسن بن محمد بن عبد الله الواسطي، قال: نا محمد بن إسماعيل أبو إسماعيل، قال: نا الحسن بن الصباح أبو علي البزاز، قال: نا أبو توبة الربيع بن نافع، نا سلمة بن كلثوم، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، أن رجلا من المشركين سب النبي، صلى الله عليه وسلم، فحمل عليه رجل من المسلمين فقتله، فقتل الرجل، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "ما تعجبون من رجل نصر الله ورسوله لقي الله غدا متكيا فقعد له" والكلام فيه كالكلام في الذي قبله في الاستلقاء سواء. [ ص: 192 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية