الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
85 - وذكر إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد الختلي في كتاب العظمة بإسناده عن ابن عباس، قال: غضب موسى على قومه في بعض ما كانوا يسألونه، فلما نزل الحجر، قال: اشربوا يا حمير، فأوحى الله إليه: تعمد إلى عبيد من عبيدي خلقتهم على مثل صورتي فتقول: اشربوا يا حمير، قال: فما برح حتى أصابته عقوبة.

اعلم أنه يجب أن يحمل قوله فإن ابن آدم، وإن وجه ابن آدم خلق على صورة الرحمن المراد به: آدم، فحذف المضاف وهو آدم وأقام المضاف إليه وهو ابن آدم مقامه.

وقد جاء القرآن بهذا قال تعالى في سورة الكهف: ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ) وتقديره: خلق أباك آدم من تراب ثم أنشأك من نطفة. .

وكذلك قال تعالى: ( يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ) وتقديره: خلق أباكم آدم من تراب ثم أنشأكم من نطفة، هكذا ذكره [ ص: 98 ] أبو بكر من أصحابنا في تفسيره.

وقال تعالى: ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) وتقديره: أخذ ربك من ظهر آدم الذرية وأضاف ذلك إلى بنيه، يدل عليه ما رواه أبو بكر في كتاب التفسير بإسناده عن عمر بن الخطاب أنه سئل عن هذه الآية: ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) فقال عمر: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء إلى الجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء إلى النار وبعمل أهل النار يعملون" وذكر الخبر. [ ص: 99 ] [ ص: 100 ] [ ص: 101 ]

فقد فسر النبي، صلى الله عليه وسلم، أن الأخذ كان من ظهر آدم، وإن كانت الإضافة إلى بنيه. فإن قيل: فلم أضاف الفعل إلى بنيه والفعل كان واقعا فيه؟ قيل: لأن الفعل كان واقعا عليه وعلى بنيه لأنه استخرج كل ذرية تخلق إلى يوم القيامة من ظهره ومن ظهر ذريته، فيجوز أن تكون الإضافة حصلت إليهم لأنهم الأكثر.

ومثل هذا قوله تعالى: ( فلما آتاهما صالحا ) يعني آدم وحواء ( جعلا له شركاء فيما آتاهما ) يعني: لما ولد لهما ولدا سموه عبد الحارث الذي هو إبليس، فقال سبحانه: ( فتعالى الله عما يشركون ) يعني: إضافتهم الولد إلى عبد الحارث، وحصلت الكناية عنهم بلفظ الجمع لأنها لو رجعت إليهما لكانت بلفظ التثنية فيقول: فتعالى عما يشركان.

وقال تعالى: ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ) والمراد بذلك آدم. [ ص: 102 ]

وقد ذكر ابن قتيبة هذا في مختلف الحديث أن معنى قول ( خلقناكم ) المراد به خلقنا آدم.

فإن قيل: إذا حملتم الكلام على آدم كان ذلك تأويلا للخبر وقد منعتم من التأويل، قيل: ليس هذا بتأويل وإنما هو بيان أن هناك محذوف مقدر يشهد لظاهر القرآن ونحن لا نمنع من ذلك، وهذه طريقة صحيحة ويكون لآدم مزية بالذكر على ذريته. [ ص: 103 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية